جولات قتال متقطعة بين علويين وسنة في شمال لبنان

قيادي في «باب التبانة» لـ «الشرق الأوسط» : حزب الله يدعم ترسانة آل عيد ضدنا

أحد سكان «شارع سوريا» بمدينة طرابلس اللبنانية يعاين الدمار الذي طال مباني الشارع أمس بعد المواجهات (أ.ف.ب)
TT

لا يختلف اثنان على أن الوضع السوري ينعكس مباشرة على خاصرة الشمال «الرخوة» في «باب التبانة» و«جبل محسن»، حيث تعيش طرابلس هذه الأيام حالة حرب حقيقية بين أنصار «الحزب العربي الديمقراطي» الحليف المباشر للنظام السوري، يقابلهم مناصرو الثورة السورية من سكان «باب التبانة».

في حرب الشوارع المتقطعة تستعمل كل أنواع الأسلحة، وتعاني المدينة على أثر ذلك شللا كليا قضى على عطلة عيد الفطر السعيد، وسط ارتفاع عدد القتلى والجرحى، وتأخر القرار السياسي للحكومة في الحسم الميداني وإعطاء الأوامر لبسط سلطة الدولة وعودة الهدوء.. وتعلو صرخة الأهالي هناك من تباطؤ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من حسم الأمر أمنيا، متوقفين على «دعم هذه الحكومة لنظام الأسد وحماية حلفائه في لبنان»، لا سيما أن «الجيش لا يرد على مصادر النيران الآتية من قبل مقاتلين تابعين لرفعت عيد في جبل محسن»، بحسب القيادي الميداني في «باب التبانة» أبو براء جبارة، الذي جال مع «الشرق الأوسط» على خطوط التماس وفي الأحياء الداخلية.

ينتقل أبو براء جبارة مع مجموعته المسلحة إلى شارع «بعل الدراويش» ليؤمّنوا هروب العائلات من الشقق الملاصقة لجبل محسن، هذا الحي الذي أشعل الحوادث الأمنية بين الجيران الألداء في اليوم الأوّل من عيد الفطر على أثر إطلاق مفرقعات ناريّة بين أطفال الحي العلويين والسنة.

يلفت أبو براء إلى دور الجيش المنعدم في المنطقة، موضحا في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أحياء وشوارع باب التبانة شبه مكشوفة على الجبل، نظرا لموقع الجبل الجغرافي القائم فوق هذه الأحياء، فقناصتهم قادرون على قتل المارة والناس عبر وقوفهم فوق أسطح الأبنية».

ويلفت إلى «وجود مسلحين من حزب الله يقاتلون جبنا إلى جنب مع مسلحي الجبل»، مؤكدا أن «المعارك تفرض على الناس الهرب إلى شوارع أخرى في باب التبانة، فتتحول الشقق والأبنية إلى ثكنات للهاربين من القصف والرصاص». وفي السياق عينه، يشير إلى أنّ «المسلحين في باب التبانة يتوزعون بطريقة مدروسة بين المنافذ والأزقّة وفي الشوارع ليؤمنوا حماية الشقق والناس وللرد على مصادر النيران الآتية من الجبل»، مشددا على أن «الشبان في المحاور المجاورة لباب التبانة كما في المنكوبين والريفا والقبة والملولة يساعدون في حمايتنا من مقاتلي حزب رفعت عيد، حيث تبدو أماكننا مكشوفة وينحصر دورنا بتأمين الحماية لأهلنا».

وحدها صور بشار الأسد معلقة على بناء صغير فوق بعل الدراويش حيث يوجد متراس لمسلحين تابعين لـ«الحزب العربي الديمقراطي»، يقابله متراس آخر لمجموعة مسلحة في «باب التبانة»، وهنا نقطة الخلاف الكبيرة المتجددة بين سكان المنطقتين، فكل ما يجري في سوريا ينعكس عليهم حربا واقتتالا لا يكاد ينتهي حتى يعود مجددا إلى الواجهة.

لا تبدو مهمّة المسلحين في «باب التبانة» شبه مستحيلة، وهم يجهدون إلى إخراج الأطفال والنسوة من البيوت والعبور بهم عبر منافذ الجدران وفجوات تم استحداثها بين البيوت والأبنية الملتصقة ببعضها البعض. ما يقلقهم فقط هو رصاص القنص، وهم يحاولون حماية الأطفال بين أذرعهم مع قطع سلاح صغيرة فيما صراخهم الممزوج بصوت الرصاص الحي، يعلو مضيفا المزيد من التوتّر على الأجواء.

القتال في التبانة يحصل ضمن مجموعات. وعندما تبدأ الاشتباكات مع جبل محسن نتكتل، على الرغم من اختلافاتنا السياسيّة، ضد عدونا المشترك»، مشيرا إلى وجود دعم من قبل حزب الله لمجموعات مسلحة من آل الأسود. وموضحا أن «هناك ترسانة تقف فوق باب التبانة يملكها حلفاء سوريا من آل عيد بدعم من حزب الله يقصفون بها بيوت باب التبانة، لأن أهلها يؤمنون بضرورة إسقاط نظام الأسد ويدعمون الثورة السورية»، مضيفا: «نحن لا نملك ذخيرة.. فقط أسلحة فردية صغيرة تساعدنا على الرد فقط والدفاع عن بيوتنا».

آثار المعارك واضحة للعيان، المنازل المحاذية لخطوط التماس محترقة، والأسلحة النوعيّة المستخدمة ساهمت في زيادة الدمار.. فالسلاح يتوزع كما الخوف، بوفرة في أرجاء «باب التبانة». انتشار مسلّحين مدجّجين بأسلحة صغيرة وجعب مليئة بالرصاص يترافق مع أصوات الأطفال والنسوة المختبئين وراء جدران متأكلة.

تنتقي الحاجة أم جمال غرفة جانبية قرب شارع سوريا لتتقي مع أولادها رصاص القنص. تجلس القرفصاء في زاوية وهي تخبرنا عن حالتهم «السيئة»، مفترشة مع صغارها الخمسة بلاط الشقة. تقول باكية إنّه ليس بحوزتها ماء أو طعام، وتنتظر أن يتمكن المسلحون من تهريبها مع أسرتها الصغيرة إلى مكان آمن.

في موازاة ذلك، يعمد المسلحون في فترة الهدنة عند الظهيرة إلى إقفال المنافذ المكشوفة بسواتر رملية وإطارات ضخمة وأكياس «الخيش» الكبيرة، خاصّة في غياب عناصر الجيش المفترض أن تنزع هذه السواتر. فيكتفي عناصر الجيش، مثل فرق وسائل الإعلام، بالوجود قرب دوار أبو علي لإثبات وجودهم لا أكثر، إذ يبعد هذا الدوار عن مكان الاشتباكات نحو ربع ساعة.

في شارع سوريا، لا يتمكّن الحاج أبو إبراهيم من اجتياز السواتر الفاصلة بين الشارع والبناء الصغير الموصل إلى حي «حرز الجبنة» الداخلي، فيتم تهريب العائلات من الشوارع الأمامية في «باب التبانة» كبعل الدراويش والحارة الجديدة وشارع سوريا وطلعة العمري، إلى شوارع داخلية أكثر أمنا. فيستغل الشبان فرصة توقف إطلاق الرصاص لدقائق لتهريبه حملا على كرسي نقال بسرعة كافية كي لا تخرقهم رصاص القنص.

وعلى الرغم من حر الليل وانقطاع الكهرباء والمياه واشتداد المعارك، تعيش الأسر «ألفة» اعتيادية. فتتوزع النسوة في أروقة الأبنية الكبيرة لتؤمن لأطفالها عشاء صغيرا من «حواضر البيت»، بعضهن يقمن بتحضير الشاي للمسلحين الموزعين بين الأزقة. تقول عليا المحمد لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه المعارك صارت شبه عادية بالنسبة لنا. تعودنا على الحصار والعيش تحت القصف والنوم على صوت الرصاص، صرنا أشبه بعائلة كبيرة في باب التبانة نتشارك هم المعركة. نعمل مع بعضنا على حماية أولادنا والتناوب على إعداد الطعام لهم وتأمين حاجات الرجال المسلحين في الشوارع»، مضيفة: «نحن مستعدون لكل الاحتمالات، ولو يسمح لنا نحن النسوة بحمل السلاح لحملناه ولن نتردد». وتقول: «حين يتغير النظام في سوريا لن يكون لهؤلاء صوت في لبنان وسننقلهم جميعا إلى سوريا من حيث أتوا».