رئيس الاتحاد البرلماني الدولي: قضية سوريا من أصعب القضايا التي واجهت الاتحاد

عبد الواحد الراضي لـ «الشرق الأوسط»: الكونغرس الأميركي انقطع عن اجتماعاتنا دون مبرر

عبد الواحد الراضي (تصوير: منير أمحميدات)
TT

يتولى عبد الواحد الراضي حاليا رئاسة الاتحاد البرلماني الدولي، حيث انتخب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي رئيسا لهذه المنظمة لمدة ثلاث سنوات، وهذه المنظمة تعتبر من أقدم المنظمات الدولية. ويتحدث الراضي في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» في الرباط عن الأزمة السورية ومبادرة الاتحاد في هذا الشأن، وكذلك عن مبادرته حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، كما يتحدث عن الضجة التي أثيرت حول مشاركة وفد إسرائيلي في اجتماع برلماني عقد في الرباط، متطرقا إلى «العلاقة المبهمة» بين الاتحاد البرلماني الدولي والكونغرس الأميركي، والجهات التي تمول الاتحاد حاليا.

وفي ما يلي الحوار مع عبد الواحد الراضي الذي سبق له أن تولى رئاسة مجلس النواب المغربي، وهو وزير سابق، ويتولى أيضا قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض.

* دعنا نبدأ بسؤال مباشر، هل سبق أن نجح الاتحاد البرلماني الدولي في فض نزاعات أو توترات أو حل مشكلة على الصعيد الدولي؟

- من المهام الأساسية للاتحاد المحافظة على السلم في العالم وتفادي التوترات والحروب، ومساعدة الدول الخارجة من حروب. هناك عدة مشاكل تم حلها بفضل تدخل الاتحاد البرلماني الدولي وليس عن طريق تدخل الحكومات.

* كنتم قد أعلنتم عن مبادرة حول سوريا، لكن لم نلمس شيئا على أرض الواقع؟

- نهتم كثيرا في الاتحاد البرلماني الدولي بالأزمة السورية، ويجب الإقرار بأن قضية سوريا هي من أصعب القضايا التي واجهت الاتحاد، وقد شكلنا لجنة خاصة بهذا الموضوع، وقرر الاتحاد إرسال وفد لزيارة سوريا، وحبذ الوفد السوري الفكرة، وأجرينا اتصالات مع السوريين ومع سفير سوريا في جنيف (مقر الاتحاد) لكن واجهتنا مشكلتان حالتا دون تنفيذ الزيارة، الأولى تتعلق بتشكيلة الوفد، الذي يستلزم أن يكون على مستوى عال، فقررنا أن يكون من ضمنه الرئيس السابق للاتحاد البرلماني الدولي، وهو رئيس برلمان إيطاليا السابق ومعه رئيس برلمان ناميبيا، لكن واجهتنا مشكلة ضمان أمن أعضاء الوفد وحمايتهم داخل الأراضي السورية، وهو أمر في غاية الصعوبة، وبالتالي لم يكن بإمكاننا المجازفة بسلامة أعضاء الوفد، وهكذا تعطلت المهمة.

* هل كان من مهام الوفد التوسط بين الأطراف؟

- لا أبدا، كان هدف الزيارة أساسا هو معرفة الحقائق على أرض الواقع واستنباط إمكانيات حل الأزمة السورية بطرق سلمية، والوفد كان سيتصل بالحكومة والمعارضة وكذا بالمجتمع المدني، للوقوف على حقائق الأمور، وبالتالي طرح الحل، كل هذا بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وهي بالمناسبة نصحتنا بالتريث حول هذا الموضوع.

* قررت لجنة الشرق الأوسط في الاتحاد البرلماني الدولي إرسال وفد لزيارة الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، للاطلاع على الأوضاع هناك، أين وصلت الأمور بشأن هذه الزيارة؟

- هناك لجنة دائمة داخل الاتحاد البرلماني الدولي للاهتمام بالقضية الفلسطينية، وهي لجنة الشرق الأوسط، وقرر الاتحاد بالفعل إرسال هذه اللجنة إلى الضفة الغربية وغزة، واللقاء مع الفلسطينيين والإسرائيليين، وإعداد تقرير حول الأوضاع هناك، وخاصة ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وتقديم تقرير خلال اجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي المزمع عقدها في أكتوبر في كندا.

ومن أجل أن تقوم اللجنة بمهمتها كان لزاما الحصول على موافقة المعنيين بالأمر، أي الفلسطينيين وإسرائيل، وكان أن واجهنا مشكلة زيارة غزة، بالنسبة لنا نحن في الاتحاد هناك فلسطين واحدة، ولا نقبل بالتقسيم، واشترطنا زيارة جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها غزة، لهذا السبب تأجلت الزيارة، ولن نقوم بها إلا ضمن شروط الاتحاد، وحاليا هناك حوار مع الأطراف حول الأمر.

* هل حددتم تاريخ هذه الزيارة؟

- ليس بعد، لكن شخصيا أتمنى أن تتم الزيارة قبل نهاية أكتوبر، وهو تاريخ عقد مؤتمر الاتحاد في كندا وستكون مناسبة لطرح تقرير اللجنة على المؤتمر. ما نقوم به الآن محاولة التأثير على برلمانيي إسرائيل ليؤثروا بدورهم على الحكومة الإسرائيلية للسماح لهذه اللجنة بزيارة الأراضي الفلسطينية بما في ذلك قطاع غزة. وبصفة عامة موقف الاتحاد البرلماني الدولي من القضية الفلسطينية موقف إيجابي، والاتحاد هو أول منظمة دولية منحت الفلسطينيين صفة عضو كامل، بعد أن كانوا ملاحظين في البداية، اتخذ الاتحاد ذلك الموقف على الرغم من الضغوط المعروفة.

* كانت أثيرت ضجة حول مشاركة إسرائيل في اجتماع مؤتمر الجمعية البرلمانية المتوسطية في الرباط والذي يعمل تحت مظلة الاتحاد البرلماني الدولي، كيف ترى الأمر؟

- أعتقد أن الأمر لم يفهم على حقيقته، عند الانخراط ضمن منظمة دولية، تضع المنظمة على أي عضو مجموعة من الشروط من ضمنها هو إذا كان سيعقد اجتماع لهذه المنظمة في بلدك، لا يمكنك معارضة أو رفض حضور أي بلد عضو في المنظمة، مهما كانت مشاكل بلدك مع هذا العضو، مثلا لا يمكن للأمم المتحدة معارضة حضور كوبا أو إيران اجتماعات وأنشطة منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، هذه من الثوابت الأساسية للعلاقات الدولية، وإذا حدث واعترضت ستلغى عضويتك في المنظمة. لذلك عندما تقرر عقد اجتماع اتحاد البرلمانيين للجمعية المتوسطية والتي توجد إسرائيل ضمن أعضائها، ما قمنا به نحن الدول العربية المنخرطة في هذا الاتحاد في هذه الحالة، هو ترك مهمة الدعوة لحضور أعمال هذه المنظمة للأمانة العامة لتلك المنظمة، وما علينا نحن سوى تسهيل الإجراءات. هذا الأمر غير مفهوم لدى مجموعة كبيرة من الناس، في حين هناك مجموعة أخرى تفهم حقيقة ما يجري لكنها تحاول الركوب على مثل هذه الأمور واستغلالها سياسيا لاتهامنا بالتطبيع. والأمور لا تتم بهذه البساطة، فنحن لا نقوم بأي عمل دون عقد مشاورات مع الجهات المعنية المسؤولة ويتم الاتفاق على جميع التفاصيل. إلا أن هناك بلدانا عربية تتجنب بالمطلق مثل هذه الأمور، مثلا الجزائر تتجنب أي اجتماع فوق أراضيها يكون من المشاركين فيه إسرائيل، بل أكثر من ذلك ترفض الدخول في الهيئات القيادية لبعض المنظمات إذا ثبت وجود إسرائيل داخلها، وسوريا تتبع أسلوبا آخر، فإذا كان هناك اجتماع دولي في بلد غير عربي تحضر، وإذا كان في دولة عربية لا تحضر. ومن الدول العربية التي تقبل قوانين اللعبة الدولية مصر والأردن والمغرب وتونس، أما باقي الدول متشددة في هذه المسألة، وفي مقابل هذا التشدد يسهمون في حرمان دولهم من إشعاع دولي.

* ماذا كان موقف الاتحاد البرلماني الدولي من قضية حل البرلمان المصري؟

- الاتحاد ضد كل قرار مغاير للإرادة الشعبية، ذلك أن مواقف الاتحاد مبنية أساسا على مبادئ، ولا ندخل في صراعات حول السلطات بين الجهاز العسكري والرئاسة أو البرلمان، إذ إن الديمقراطية بالنسبة للاتحاد هي مؤسسات منتخبة من طرف الشعب لديها الشرعية، كان الاتحاد قد أصدر بيانا بشأن قضية حل البرلمان المصري، ودعونا إلى التشبث بالشرعية والديمقراطية. وفي حالات كثيرة يتبنى الاتحاد مواقف واضحة ويعلن عنها بكل صراحة كما هو الشأن بالنسبة للانقلاب الذي حصل في مالي، فالاتحاد ندد وقتها بهذا العمل، كما عبر عن موقفه الرافض لتقسيم مالي.

* ما موقف الاتحاد البرلماني الدولي من تفاعلات «الربيع العربي»؟

- يتابع الاتحاد البرلماني الدولي باهتمام كل ما يجري من تحولات في المنطقة العربية ويدعم الأفكار والمطالب التي يعبر عنها المواطنون في عدد من البلدان ويشيد في الوقت ذاته بعملية الإصلاح والتحولات الديمقراطية الهادئة والمتبصرة في عدة دول عربية أولت الاهتمام والاعتبار لتطلعات شعوبها وشبابها. ويقدم الاتحاد يد المساعدة للدول التي اجتازت هذا الامتحان، في هذا الإطار قمت بزيارة لتونس، والتقيت رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ووزير الخارجية هناك، وتحدثنا حول وضع إمكانيات الاتحاد البرلماني الدولي رهن إشارة تونس لمساعدتها على إعداد دستور تونسي جديد، والتأسيس لبرلمان ديمقراطي، تونس كان لديها برلمان منذ الاستقلال، لكنه برلمان الحزب الوحيد، وليس تونس وحدها، بل هناك مجموعة من الدول تتوفر على برلمانات وليست لديها تمثيل حقيقي. وفي السياق نفسه توصل الاتحاد بدعوة من كل من ليبيا ومصر وميانمار للمساعدة والتوجيه لتأسيس برلمان ديمقراطي. كما تلقى الاتحاد دعوات للتدخل في بعض البلدان التي تعيش أزمات وتوترات داخلية، لمساعدتها على الخروج من أوضاعها الداخلية، وأحيانا يحقق الاتحاد نجاحا وتارة فشلا.

* كيف هي الآن علاقات الاتحاد البرلماني الدولي حاليا مع الكونغرس الأميركي؟

- الكونغرس الأميركي لا يحضر اجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي دون إعطاء أي مبرر. في السابق كانوا من المدافعين والممولين لأنشطة الاتحاد، لكنهم انقطعوا دون أن يقدموا أي تبرير.

* من يمول الاتحاد البرلماني الدولي الآن؟

- هناك اشتراكات الأعضاء، ودعم بعض الدول التي لها إمكانيات كبيرة ومتشبثة بالديمقراطية، ولها ارتباط قوي بالمنظمة منذ فترة التأسيس مثل فرنسا وآيرلندا وكندا، والدولة التي لا تدفع رسوم اشتراكها تطرد من عضوية الاتحاد.

* بصراحة، هل تعملون انطلاقا من موقعكم كرئيس للاتحاد البرلماني الدولي على خدمة مصالح بلدكم المغرب والعالم العربي والإسلامي؟

- وجودي على رأس الاتحاد البرلماني الدولي، الذي هو رمز الديمقراطية في العالم، مفخرة للمغرب، وكون رئيس الاتحاد مغربيا فهذا اعتراف من المجتمع الدولي بوجود المغرب ضمن الدول الديمقراطية، وبالتالي هذه قيمة مضافة تعزز مصداقية الديمقراطية الداخلية المغربية. من خلال موقعي أعمل للتعريف ببلدي والدفاع عن مصالحه ومصالح الأمة العربية والإسلامية عموما، وأعمل على التصدي لكل ما من شأنه الإساءة للمغرب وللعرب وللمسلمين.

* مرت قرابة سنة على توليكم رئاسة الاتحاد البرلماني الدولي.. ما هي الحصيلة؟

- الحصيلة عموما إيجابية، تميزت بأنشطة مكثفة، إذ تم عقد عدة لقاءات واجتماعات وزيارات على مستوى متعدد الأطراف، مثلا لقاء رؤساء البرلمانات دول مجموعة العشرين، حيث اتفقت الحكومات على عقد قمة على مستوى البرلمانات، وتم في هذا الإطار استدعاء الاتحاد البرلماني الدولي، وحضرت أنا شخصيا اللقاء بالرياض، أيضا حضرت اجتماع مجلس حقوق الإنسان بجنيف، ثم حضرت اجتماعا آخر بنيويورك للجنة المشتركة بين نساء الأمم المتحدة ولجنة نساء الاتحاد البرلماني الدولي، انصب اهتمام اللقاء حول المرأة القروية. ثم حضرت اجتماع الاتحاد البرلماني العربي بالكويت، استدعيت شخصيا كرئيس للاتحاد البرلماني الدولي. وعقدنا مؤتمرا مهما للاتحاد البرلماني الدولي في كمبالا (عاصمة أوغندا) حيث تم طرح المشاكل التي تتعلق بالظروف التي نعيشها، ووضع المؤتمر خطة خماسية للاتحاد، كذلك قمت بزيارة لنيويورك، حيث عقدنا مع الأمم المتحدة اتفاقية شراكة، ونحن أعضاء في الأمم المتحدة والأمم المتحدة هي أيضا لها صفة ملاحظ في الاتحاد البرلماني الدولي، وتجمعنا علاقات قوية توجت بقرار الجمعية العامة تحدد فيه علاقات ومنهجية التعاون بين الطرفين. كذلك حضرت بأنقرة اجتماعا مهما للجمعية البرلمانية للمتوسط.

* هل للاتحاد قوة تأثير يستطيع من خلالها تفعيل قراراته؟

- للإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة مهام الاتحاد البرلماني الدولي، إذ هو أقدم منظمة دولية على الإطلاق مرت 124 سنة على تأسيسه، حيث تأسس عام 1889 بمبادرة من فرنسا وإنجلترا آنذاك، وشاركت في التأسيس 28 دولة كلها أوروبية، أما الآن فوصل عدد الأعضاء إلى 162 دولة. كان الهدف من تأسيس الاتحاد هو التعاون ما بين البرلمانات والتنسيق فيما بينها وتقديم المساعدات للبرلمانات الحديثة، ومساعدة الأخرى الموجودة على تعميق الديمقراطية والتمرن على استعمال الأساليب الديمقراطية، وأيضا توحيد مواقف البرلمانات حول القضايا المهمة. ولتحقيق هذه الغاية يقوم اتحاد البرلمان الدولي بعقد عشرات الدورات التكوينية في السنة، لتدريب البرلمانيين على كيفية مراقبة حكومات دولهم في القضايا المالية والمؤسسات الأمنية ومراقبة الحريات، والقيام بالعمل التشريعي، ومن مهام الاتحاد كذلك الدفاع عن حقوق البرلمانيين، لأن هناك برلمانات لا تحترم حريات البرلمانيين ولا تمتعهم بالحرية الكافية لإنجاز مهامهم. الاتحاد إذن بمثابة محام للبرلمانيين في إطار القيام بمهامهم البرلمانية والتعبير على مطامح الشعوب، وهناك لجنة دائمة داخل الاتحاد تتابع عمل البرلمانيين. أيضا يهتم اتحاد البرلمان الدولي بنشر الديمقراطية في العالم، وتشجيع كل المؤسسات لاستعمال المنهجية الديمقراطية كأساس لنظام الحكم، وهناك اهتمام خاص بحقوق الإنسان بصفة عامة، وهناك لجنة دائمة تتابع هذا الموضوع. في الظرف الحالي هناك اهتمام بالمساواة بين الرجل والمرأة، وتسهيل مساهمة المرأة في العمل السياسي والمناصفة، وقد أعطينا هذا الموضوع أسبقية في الخطة الخمسية التي وضعها الاتحاد، أيضا من ضمن اهتمامات الاتحاد الطفل وقضايا الصحة في العالم، وفي هذا المجال نقوم بتحضير الدراسات ونحاول إقناع البرلمانات بهذه القضايا حسب المقاييس الدولية.

* كيف يتم اختيار المواضيع التي تناقش خلال لقاء اتحاد البرلمان الدولي؟

- خلال كل مؤتمر نخصص موضوعا من المواضيع للدراسة والنقاش، ويقوم كل عضو في الاتحاد بطرح موضوع ما، وتتم عملية التصويت، والموضوع الذي حاز أكبر عدد من الأصوات يكون هو الموضوع المعتمد للنقاش خلال اللقاء أو المؤتمر، وفي نهاية المؤتمر نخرج بمجموعة من التوصيات.