تونس: المرزوقي يحرج قيادات حركة النهضة والغنوشي يقرأ «حسن النية»

شبه ممارسات اليوم بالعهد البائد ودعا لتأسيس برلمان مغاربي

تونسيان يمران بجانب ملصق ضخم للرئيس التونسي السابق زين الغابدين بن علي وضع وراء القضبان وذلك خلال اتعقاد أعمال المؤتمر الثاني لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية (رويترز)
TT

أثارت رسالة وجهها الرئيس التونسي المنصف المرزوقي إلى المشاركين في افتتاح المؤتمر الثاني لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، زوبعة من التعليقات انتهت إلى مغادرة أعضاء حكومة حمادي الجبالي قاعة المؤتمر ومقاطعتهم لأشغاله التي انطلقت مساء الجمعة وتتواصل إلى غاية اليوم برئاسة سهام بادي القيادية في الحزب ووزيرة المرأة. واحتج أعضاء الحكومة على انتقادات حادة وجهها المرزوقي إلى حركة النهضة التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم ووصفها بإرادة الهيمنة على مفاصل الدولة.

وقال المرزوقي في رسالته إن حركة النهضة تسعى إلى الهيمنة على مفاصل الدولة وسارع أعضاء حكومة حمادي الجبالي وكلهم من قيادات الحركة إلى مغادرة قصر المؤتمرات وضمت قائمة المغادرين كلا من سمير ديلو وزير حقوق الإنسان وعلي العريض وزير الداخلية والمنصف بن سالم وزير الفلاحة وحسين الجزيري وزير الهجرة وعبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة وذلك على أثر قراءة الجزء الذي انتقد من خلاله المرزوقي حركة النهضة وصرح جميعهم بأن كلام المرزوقي «مجانب للواقع ومجاف للحقيقة». وجاء في كلمة المرزوقي للمؤتمرين و«مما زاد الطين بلة الشعور المتفاقم أن إخواننا في النهضة يسعون للسيطرة على مفاصل الدولة الإدارية والسياسية عبر تسمية أنصارهم توفرت فيهم الكفاءة أم لم تتوفر» وأضاف «كلها ممارسات تذكرنا بالعهد البائد». وقال أيضا «لقد عشنا ولا نزال في مجتمع يرهب الحرية لأنه يعتبرها في جزء كبير منه خطرا على مقدساتنا وعلى عاداتنا وأن الحريات الفردية والعامة على أهميتها على الورق تبقى مجرّد تمنيات نظرية إن لم تجد مناخا توفره منظومة أخلاقية متكاملة».

وانتقد كذلك المرزوقي ما سماه «إصرار حركة النهضة على اعتماد النظام البرلماني» وقال إن التونسيين لدغوا من الجحر مباشرة بعد استقلال تونس سنة 1956 وعانت البلاد لمدة نصف قرن من تبعات جمع حزب واحد للسلطتين التنفيذية والتشريعية بعد الحصول على أغلبية بصفة ديمقراطية مما هيأ البلاد للديكتاتورية لا للديمقراطية.

وفي رد فعله على مغادرة أعضاء الحكومة لأشغال المؤتمر قال محمد عبو المرشح الأوفر حظا لمنصب الأمانة العامة لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية لـ«الشرق الأوسط»، إن المغادرين تسرعوا في فهم خطاب رئيس الجمهورية و«لا يمكن تأويل خطاب المرزوقي سلبا». وكان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة واصل حضور أشغال المؤتمر وصرح أن المرزوقي رئيس تونس ونفتخر به وهو يمثل أعلى هرم السيادة. وخفف من وطأة انتقادات المرزوقي لحكومة الجبالي بالقول «بكل احترام نحن نختلف معه ولا نعتبر أن تصريحاته لا تعبر عن موقف حزب المؤتمر».

ولئن نفى المرزوقي مبدأ الانتهازية السياسية في تشكيل الائتلاف الثلاثي الحاكم المشكل من إسلاميين وعلمانيين، فإن متابعين للشأن السياسي التونسي يرون في خطاب المرزوقي إلى الحزب الذي أسسه سنة 2001 وأوصله إلى منصب الرئاسة، محاولة للابتعاد خطوة أخرى عن حركة النهضة التي تضع نصب أعينها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة وتحاول الضغط على الحزبين المشاركين في الائتلاف لقطع الطريق أمام المزيد من الانتقادات التي توجه إلى حكومة حمادي الجبالي.

وفي هذا الإطار صرح جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي بأن ما تم من خلافات لا يمكن أن يؤثر على علاقة الائتلاف الثلاثي الحاكم الذي تربطه مصالح سياسية لا يمكن التفريط فيها خلال هذه المرحلة.

وأضاف في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن تلك الخلافات ليست سوى بالونات اختبار تلجأ لها بعض الأطراف السياسية لاستعادة البعض من ثقة التونسيين قبل أشهر قليلة من أهم محطة انتخابية في تاريخ تونس.

من ناحية أخرى، انتقد محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري الذي عقد مؤتمره أمس واليوم بالعاصمة التونسية، حركة النهضة وقال إنها تسعى إلى تنفيذ مشروع استبدادي على أنقاض الجمهورية وإنها تريد «بناء نظام بوليسي إسلامي». وصرح الكيلاني لـ«الشرق الأوسط» بأن تونس في حاجة إلى ثورة فعلية تقوم على أساس برنامج وليس تحركات عفوية وتقطع مع النظام السابق وانتقد تواصل ضرب الحريات مما سيوصل البلاد إلى منظومة بوليسية جديدة على أساس ديني على حد قوله.

وكان المرزوقي قد دعا أول من أمس إلى تعزيز الاندماج بين دول المغرب العربي عبر تأسيس برلمان مغاربي. وفي الكلمة التي ألقاها العضو في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وليد حدوق نيابة عن المرزوقي، بمناسبة افتتاح المؤتمر العام للحزب بالعاصمة، جدد الرئيس التونسي دعوته لتعزيز اندماج دول المغرب العربي عبر إنشاء مؤسسات اتحادية.

واقترح المرزوقي تأسيس برلمان مغاربي يتخذ من مدينة القيروان التونسية مقرا له، إلى جانب مفوضية مغاربية ومحكمة دستورية مغاربية.

وقال المرزوقي: «أمامنا خياران.. إما أن نكون جزءا من التجمعات أو أن نكون جزءا من الغبار».

كما طالب في كلمته حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي كان يرأسه قبل توليه منصب الرئاسة في قصر قرطاج عقب انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بتعزيز شبكة علاقاته بالأحزاب المغاربية. ويذكر أن الرئيس التونسي المؤقت من السياسيين المتحمسين في المنطقة لتفعيل مؤسسات اتحاد المغرب العربي المجمدة منذ عام 1989.

وكان المرزوقي اقترح في فبراير (شباط) الماضي تبني الحريات الخمس بين دول المنطقة، وتتمثل في حرية التنقل والعمل والإقامة والاستثمار والمشاركة في الانتخابات البلدية المحلية في بلد الإقامة.

ومن المرتقب أن يعقد قادة دول المغرب العربي قمة بمدينة طبرقة التونسية في أكتوبر المقبل لبحث مقترحات الاندماج.