بوش سعيد بالبعد عن السياسة

يلعب الغولف ويركب الدراجات ويستمتع بالحياة

TT

أمضى الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش معظم الشهر الجاري مع أقاربه في منزل العائلة بمدينة كينبنكبورت بولاية مين، يلعب الغولف ويركب الدراجات ويتناول الغداء مع الأصدقاء، وهو الشيء نفسه الذي سيقوم به في أغلب الأمر عندما يعود إلى دالاس مرة أخرى.

ويبدو أن بوش، الذي غادر البيت الأبيض عام 2009 بعدما وصلت شعبيته لمستوى غير مسبوق من التدني، سعيد وراض بالعيش في هذا المنفى الذي فرضه على نفسه بإرادته. وفي مقابلة نادرة مع معهد هوفر خلال العام الجاري، قال بوش: «لقد خرجت من المستنقع ولا أريد العودة إليه مرة أخرى».

ولن يؤثر هذا كثيرا على الحزب الجمهوري الذي يأمل في أن يظهر بأفضل صورة لديه خلال المؤتمر الذي سيعقده خلال الشهر الجاري في تامبا. وعلى الرغم من أن الحزب كان قد التف حول بوش لعدة سنوات، ولا سيما عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، فإنه لا ينتظر أي إضافة من هذا الرجل الذي قاد الولايات المتحدة لمدة ثماني سنوات.

وردا على سؤال حول ابتعاد بوش عن الساحة السياسية، قال المدعي العام الأميركي السابق ألبرتو غونزاليس الذي يقوم حاليا بتدريس القانون بجامعة بلمونت: «لماذا يهتم الناس بذلك؟»، مشيرا إلى أنه قد رأى بوش لآخر مرة خلال الحفل الذي أقيم في شهر مايو (أيار) الماضي بمناسبة إزاحة الستار عن صورة بوش في البيت الأبيض. وأضاف غونزاليس أنه قد وجد نفسه في نهاية الحفل بمفرده مع بوش في الجناح الشرقي للبيت الأبيض وكان بوش يحدق في الصورة. واستطرد غونزاليس في حديثه قائلا: «ما أتذكره أنه كان سعيدا للغاية بهذه الصورة، ولا سيما الوجه». وصرح بوش أكثر من مرة بأن التاريخ هو من سيحكم على فترة رئاسته للولايات المتحدة، ولكنه يدرك جيدا أن التقييم الحالي لفترة ولايته ليس مرضيا بالمرة.

وخلال أحد المؤتمرات الصحافية في شهر أبريل (نيسان) الماضي، قال بوش إنه كان يتمنى أن تعرف «التخفيضات الضريبية لبوش» باسم آخر كي لا تكون مثارا للأحاديث على هذا النحو.

ولا يشارك كل الرؤساء السابقين في المؤتمرات التي تعقدها الأحزاب التي ينتمون إليها للإعلان عن مرشحها للرئاسة، ولكن الوضع مع بوش يختلف بعض الشيء، وربما تفسر حالة «السمية السياسية» المحيطة به، التي اعترف بها هو شخصيا، السبب وراء إعلانه عدم حضور المؤتمر. (كان بوش قد ظهر عبر الأقمار الصناعية في المؤتمر الذي عقده الحزب عام 2008 للإعلان عن المرشح لخوض الانتخابات الرئاسية). وقد يسلط هذا الضوء على السبب في أن تأييده الأولي لميت رومني كمرشح عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية قد جاء من خلف الأبواب المغلقة، وكذلك السبب الذي جعله يقدم التهنئة لبول ريان بعد اختياره نائبا لرومني، عن طريق بيان صحافي.

ولم تحاول حملة رومني للانتخابات الرئاسية الاستعانة ببوش على الإطلاق، كما هاجم ريان سياسة الإنفاق التي كانت تتبعها إدارة بوش بشدة. وفي الرابع والعشرين من شهر يوليو (تموز)، قام بوش وقرينته بزيارة مقر حملة رومني في بوسطن – في الوقت الذي كان فيه رومني في نيفادا. وبينما كان بوش هناك يلقي خطابا حماسيا للمسؤولين عن حملة رومني، نفت كاتي كونينغهام، وهي مساعدة إريك فيهرنستروم الذي يدير الحملة الإعلامية لرومني، أن يكون بوش قد ذهب إلى مقر الحملة أو سيذهب إليه مستقبلا. وقالت كونينغهام وهي تهز رأسها بقوة: «لا، لم يقم بتلك الزيارة». (اعترفت الحملة في وقت سابق بزيارة بوش).

ولا يزال بوش موجودا على الساحة السياسية، فلا يزال على اتصال بكارل روف، وهو سعيد باختيار ريان كنائب لرومني، وحريص على مناقشة الأمور المتعلقة بالانتخابات. ويقول مقربون منه إنه يحصن نفسه من احتمال تعرضه لإهانات سياسية. وقال مارك ماكينون، وهو المستشار السياسي الذي أمضى بعض الوقت مع بوش الأب وبوش الابن في كينبنكبورت: «إنه غير منزعج تماما من أي نقد».

ومن جهته، وصف جيمس فرانسيس، الذي نظم حملة جمع التبرعات للحملة الانتخابية لبوش والذي كثيرا ما يتناول العشاء مع بوش الأب والابن، الرئيس السابق بأنه «تحرر من السياسة ويعيش حالة من الاسترخاء التام وسلام مع النفس».

وقد كشفت المقابلات مع الأصدقاء والمقربين من الرئيس السابق أنه أصبح يعيش حياة روتينية للغاية وراضيا بذلك تمام الرضا. وفي دالاس، حيث كان يعيش في حي بريستون هولو الراقي، يستيقظ بوش في وقت مبكر ويقرأ الصحف ويمارس التمرينات الرياضية، ثم يذهب إلى مكتبه بالقرب من الجامعة الميثودية الجنوبية. وهناك، غالبا ما يتناول بوش وجبة خفيفة من زبدة الفول السوداني وشطائر الجيلي، ثم يقوم بالرد على المراسلات ويستقبل أصدقاءه القدامى بترحاب كبير.

وقالت ألكسندرا بيلوسي، ابنة نانسي بيلوسي التي أنتجت فيلما وثائقيا عن حملة بوش: «لقد استراح من السياسة». ولا يزال بوش على اتصال ببعض أعضاء الكونغرس وبعض قادة الدول السابقين ويدخل معهم في مناقشات حول المشاريع الخيرية الخاصة بهم. ويلتقي في بعض الأحيان مع قدامى المحاربين الجرحى ويساعد في تنظيم بطولة تكساس لركوب الدراجات ومسابقات الغولف، كما يسافر لجمع الأموال لمركزه الرئاسي وإلقاء الخطابات مدفوعة الأجر. وقد تزامنت زيارته لمقر حملة رومني مع خطاب له في المؤتمر السنوي للاتحاد العالمي لرحلات العمل.

وفي كثير من الأحيان يترك بوش مكتبه لممارسة لعبة الغولف، ويستعين أحيانا بمدرب حتى يتمكن من تسديد الضربات بصورة أفضل. ويركب دراجته الجبلية في كثير من الأحيان، ويشاهد مباريات فريق رينجرز للبيسبول بين الحين والآخر، ويذهب إلى مزرعته في كروفورد مع ضيوفه في وقت الغروب.

ويتناول بوش العشاء بالخارج ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل، ويعشق تناول الكريب سوفليه والجعة الخالية من الكحول في مطعم «رايز نمبر وان» الذي تلقى فيه مكالمة عام 2011 من الرئيس باراك أوباما يخبره فيها بمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وقام بوش وعائلته ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس بالتوقيع على الطاولة المفضلة بالنسبة لهم في واجهة المطعم، تحت خزانة مكتظة بالسير الذاتية («سيلفي فارتان: دانس لا لوميير»)، وكتب الطبخ («أنماط ريجيونكس»).

وقال بوش في المقابلة التي أجريت معه في هوفر: «وجدت أن الحياة بعد انتهاء فترة الرئاسة أصبحت رائعة».

ومع ذلك، لا تخلو حياة بوش بعد التقاعد من الهموم، فلا يزال مسؤولا عن الشكل العام وجمع التبرعات لمعهد بوش الوليد الذي يعمل به ما يقرب من 70 خبيرا سياسيا وإداريا، ويطمح في إحداث فرق في مبادرات التعليم والصحة والديمقراطية في العالم، من بين مجالات أخرى. ويعمل المعهد تحت شعار «أثر في العالم الحقيقي»، ويحتاج إلى بوش بشدة لتحقيق أقصى قدر ممكن من التأثير.

ويقول مسؤولو المعهد إن بوش في حالة من الانشغال الشديد، فضلا عن أنه يظهر بشكل مكثف. «إنه واضح للعيان، إذا كان أحد يهتم برؤيته»، هذا ما قاله مارك لانغدال، صديق وجار وزميل لبوش منذ فترة طويلة ويدير المؤسسة الأم للمعهد، وهي مركز جورج بوش الابن الرئاسي.

يشير أنصار فكرة المعهد إلى أن ظهور بوش في شهر يوليو في مراسم إزاحة الستار في دالاس عن أول كتاب صادر عن المعهد: «حل الـ4 في المائة: إطلاق العنان للاحتياجات الأميركية للنمو الاقتصادي». كتب بوش تمهيدا لمجموعة من المقالات الاقتصادية. وقد ألقى كلمة غير مدفوعة الأجر في مؤتمر عقد في نيويورك حول الموضوع في أبريل مع حاكم ولاية نيوجيرسي، كريس كريستي، الذي سيكون المتحدث الذي سيلقي الخطاب الرئيسي في المؤتمر الجمهوري.

ثمة أمثلة أخرى لظهور بوش على الملأ. في اليوم نفسه الذي قام فيه بزيارة سرية لمركز قيادة رومني، عقد اجتماع مائدة مستديرة عن إصلاح التعليم الذي ركز على دور مديري المدارس، وهي إحدى المبادرة الرئيسية في المعهد.

وفي يونيو (حزيران)، سافر بوش إلى زامبيا، حيث، على غرار ما حدث في معظم أجزاء أفريقيا، حظي بإعجاب الناس على نطاق واسع لإنقاذه حياة الملايين من خلال استثمار إدارته عشرات المليارات من الدولارات لمكافحة مرض الإيدز وعلاجه. ويرأس معهد بوش الآن جهودا تكلفتها 85 مليون دولار، مع شركاء أمثال مؤسسة «سوزان جي كومن» وشركات عملاقة في مجال الصناعات الدوائية وإدارة أوباما، لحماية النساء الأفريقيات من سرطان عنق الرحم، ذلك المرض الذي تكون المصابات بفيروس نقص المناعة المكتسبة هن الأكثر عرضة للإصابة به. خلال أسابيع الستة الماضية، قامت عيادات ممولة من بوش بفحص مئات السيدات. «تخطينا حاجز الخمسمائة بالأمس»، هذا ما قالته دويين أولوول، التي ترأس المبادرة لزميل في مقر المعهد بجنوب ميثوديست.

ويميز قادة المعهد عملهم عن عمل مشاريع أخرى نهض بها رؤساء أميركيون بعد تركهم الرئاسة، من بينها جهود جيمي كارتر لمكافحة أمراض استوائية وإنشاء مساكن في دول العالم النامي ومبادرة بيل كلينتون العالمية للبنزين عالي الأوكتان.

قال جيم غلاسمان، المدير التنفيذي لمعهد بوش ووكيل وزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة والشؤون العامة: «دعونا نقل إننا إذا ما نظرنا إلى ما تقوم به مبادرة كلينتون الدولية وما نقوم به نحن، فسنجد أمامنا شيئين مختلفين تماما». وأضاف: «نحن ندير فعليا مشاريعنا الخاصة. إننا لسنا مهتمين في واقع الأمر بأن نكون مجرد شريك صغير أو محفز أو أي وصف يروق لك استخدامه».

في الوقت الراهن، ما زال المعهد والمكتبة الرئاسية المتاخمة والمتحف مواقع بناء. أتى بوش لمعاينة العقار منذ ثلاثة أسابيع. وفي ظهيرة يوم الثلاثاء، ارتدى لانغدال قميصا لونه برتقالي زاه ومنظارا واقيا وخوذة واقية أثناء جولة في موقع مركز بوش. وأشار السفير الأميركي السابق لدى كوستاريكا إلى أن حجر الأساس المنتمي لصخور العصر البرمي بقاعدة المبنى المقام على مساحة 226.565 قدم مربع، الذي تم جلبه من ميدلاند بتكساس، حيث عاش بوش في فترة صباه - أساس المبنى وأساس حياة «عائلة بوش»، هذا ما قاله. وأشار إلى بلاطة لا تحمل رسوما في واجهة المبنى، ستتم الكتابة عليها عندما يقدم جميع الرؤساء الحاليين والسابقين إهداءات شخصية للمركز في افتتاحه في 25 أبريل.

وبالداخل، يعلو الرواق الشاهق سقف له ألواح من خشب البقان من تكساس انتقته لورا بوش، التي تقوم أيضا بإعداد قائمة لمطعم المركز. ويؤدي الرواق إلى قاعة الحرية، وهي عبارة عن قبة ارتفاعها 67 قدما حيث تغطي شاشات «إل إي دي» فائقة الوضوح ما يعتبر الآن مجاري هواء. وعلى الأرض في قاعة الحرية، توجد أحجار ماريانا جيرية تم جلبها من تونس («مهد الربيع العربي»، على حد قول لانغدال).

تفسح سلسلة من الفصول الدراسية، التي سيتم تزويدها بطاولة اجتماعات وشاشات غرف عمليات في حقبة بوش، مكانا للمجموعة الدائمة التي سوف تسعى، على حد قول لانغدال، لإعادة تقديم بوش للجمهور.

تؤدي هذه الغرفة إلى دعامات ارتفاعها 22 قدما من الفولاذ الملتوي، التي أصبحت الآن تحت غطاء بلاستيكي، كان بمثابة دعامة فيما مضى للطابق الخامس والثمانين من مركز التجارة العالمي. وسوف يحاط الفولاذ بجدران تحمل أسماء ضحايا أحداث 11 سبتمبر ومقطع فيديو لقصف البرجين وانهيارهما. وسوف تسلط الغرف التالية الضوء على رد فعل بوش على مدار أيام العشرة المقبلة، «رحلته إلى نيويورك حاملا مكبر الصوت وكل هذا»، يشرح لانغدال.

بعد ذلك، تأتي نسخة مطابقة من المكتب البيضاوي وحديقة أزهار صناعية، جنبا إلى جنب مع صف أعمدة. وفي غرفة ألعاب افتراضية، أو «جهاز محاكاة معقد خاص بالتدريب على القيادة»، سيكون أمام الزائرين فرصة لاتخاذ رد فعل تجاه عدد من الأزمات التي واجهها بوش، من بينها غزو العراق وإعصار كاترينا والأزمة المالية في عام 2008. بعدها، سوف يظهر بوش على الفيديو ويوضح الأساس المنطقي لما يطلق عليه «نقاط القرار»، القرارات الرئيسية لإدارته – التي ساهم بعضها في جعله واحدا من أقل الرؤساء شعبية في التاريخ.

وفي نهاية الرحلة، يشير لانغدال إلى موقع على أرضية المتحف ستكتب عليه فترة بوش الرئاسية. وعلى بعد بضعة أقدام، سوف تحمل قطعة حجرية كلمات تشير إلى تحول الرئيس السابق إلى مرحلة مختلفة: «المواطن بوش».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»