معارضون سوريون يخططون لـ«اليوم التالي» لما بعد سقوط الأسد

يرسمون خريطة مرحلة انتقالية تتضمن مصالحة وطنية وتحديد مهمات القوات المسلحة

TT

تستعر الحرب في سوريا، بينما يحاول المجتمع الدولي توحيد قوى المعارضة المتشرذمة، غير أن مجموعة صغيرة من السوريين أنهت خططها لليوم التالي بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

ويجيء تقرير هذه المجموعة المقرر أن يصدر هذا الأسبوع، في صدارة الجهود التي يبذلها السوريون أنفسهم لرسم خريطة المرحلة الانتقالية في سوريا بعد الأسد وتحاشي ما يخشاه كثيرون من استمرار حمامات الدم حتى بعد أن يرحل الرئيس السوري.

وبعد مرور 17 شهرا على الانتفاضة ضد حكمه، يبقى الأسد في سدة الحكم ولم يظهر زعيم وحيد للمعارضة يوحد الصفوف في البلاد.

ويقول خبراء السياسة الخارجية إنه ليس هناك ما يكفل وقف نزيف الدم حتى في حالة رحيل الأسد. ويعتبرون أن السيناريو الأسوأ لحرب أهلية تستمر سنوات احتمال جلي.

ومن منطلق القلق من هذا التطور تحديدا، أطلق أفراد في المعارضة السورية مشروع «اليوم التالي» بمساعدة معهد السلام الأميركي والمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وقال ستيفن هايدمان، الخبير في الشؤون السورية في المعهد الألماني الذي تموله الحكومة: «ما يقلق المجموعة كثيرا احتمال أن يعقب انهيار نظام الأسد تنامي العنف الطائفي، وأن يخلف الكثير من الغضب وربما الكثير من العنف، مما قد يقوض فرص التحول إلى الديمقراطية».

وتأمل الولايات المتحدة وحلفاؤها أن يجري تشكيل حكومة جديدة تتجاوز الانقسامات الطائفية وتوحد البلاد التي تضم أغلبية سنية وأقلية علوية ينتمي إليها الأسد، إلى جانب أكراد ومسيحيين ودروز.

وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، فإن أفرادا من هذه الطوائف يشاركون في المشروع، ومن المقرر أن يصدر التقرير الذي يقع في 120 صفحة تحت عنوان «اليوم التالي.. دعم التحول الديمقراطي في سوريا» بعد غد الثلاثاء في برلين.

وقالت رفيف جويجاتي، الناشطة الأميركية من أصل سوري وهي عضو في اللجنة التنفيذية للمشروع: «ليست مسودة بكل تأكيد. إنها مجموعة من التوصيات لخبراء من مختلف أرجاء العالم وتستند لخبراتنا ومعرفتنا بالسوريين».

وذكر هايدمان أن نحو 50 سوريا - بعضهم شارك من داخل البلاد من خلال خدمة «سكاي بي» الإلكترونية - أعدوا المشروع الذي يسعى لوضع توصيات تقوم على مبادئ التسامح والشفافية والمحاسبة. وتابع: «لم تخرج المجموعة وتقول هذا ما يجب أن يكون عليه الدستور. تقول هذه الإجراءات المناسبة التي تفرز دستورا من خلال الكثير من الأخذ والرد بين المواطنين والقائمين على صياغة الدستور».

ويترقب زعماء سوريون سقوط الأسد لتصدر المشهد، وقالت جويجاتي: «أعتقد أن هناك عدة زعماء تم تحديدهم، ولكن لم يعلن عنهم خوفا على حياتهم». وأضافت: «ولكن دورنا ليس اختيار زعيم أو زعماء. دورنا هو تعريف الحكومة الانتقالية. وببساطة تقديم توصيات لتصورنا لكيفية تحول سوريا لدولة مدنية ديمقراطية».

وذكرت جويجاتي أن توصيات التقرير تتضمن:

- إقرار فترة انتقالية لاستعادة الاستقرار، وبدء المصالحة الوطنية، وعودة المواطنين لديارهم ومدنهم، وإجراء حوار بين الأقليات يعقبه انتخابات.

- ينبغي أن تقتصر مهمة القوات المسلحة على حماية الحدود وليس أعمال المخابرات والتجسس على المواطنين.

- ينبغي أن تقدم الحكومة الانتقالية في آن واحد الإغاثة للاجئين وإعادة من يقيمون في الخارج وبناء مساكن محل المنازل التي دمرتها المعارك وإعادة توطين المشردين.

- ينفذ السوريون برنامجا لنزع أسلحة الجماعات المسلحة المختلفة كي يكون هناك فصل واضح بين القوات المسلحة والمدنيين.

وقالت جويحاتي إن التقرير لا يهدف لأن يبين للمجتمع الدولي المتشكك أن ثمة انسجاما داخل المعارضة السورية أو أن ثمة زعماء جددا متأهبون، ولكنه قد يخدم هذين الهدفين.

وتابعت «هذا هو سبب قيامنا بهذا العمل. قمنا بذلك لأننا شعرنا بأنه خطوة ضرورية. لم نقم بها بهدف طمأنة أي طرف، بل بنية إنجاز شيء يمكن أن يكون مفيدا».

ويقول مسؤولون أميركيون إنه جرى تكثيف التخطيط لفترة ما بعد الأسد في سوريا، لا سيما مع تركيا - الحليف الأساسي في حلف شمال الأطلسي التي تعتبر لاعبا رئيسيا.

واجتمعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مع مسؤولين أتراك في إسطنبول قبل أسبوعين لتنسيق الجهود في سوريا وتشكيل مجموعة عمل مشتركة.

ويقول مسؤولون أميركيون إن مجموعة العمل الجديدة تهدف إلى وضع تصور لـ«حكومة كاملة» في المراحل التالية من الأزمة السورية - بالتعاون مع الجيش والمخابرات التركية - ويعتقد أنهما على دراية وافية بتطور الأحداث عبر الحدود.

وقال مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه: «مستقبل سوريا في أيدي السوريين حقا وعليهم أن يقرروا كيف سيضعون نظاما جديدا للحكومة إذا رحل الأسد.. دون قيادة مسؤولة لجميع الأطراف في البلاد قد تنزلق أكثر نحو صراع أهلي بعد الأسد، ولكنها ليست نتيجة حتمية».

وقال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا إن القوات المسلحة السورية ينبغي أن تظل قائمة إذا رحل الأسد من السلطة. وذلك على نقيض ما حدث في العراق حين حلت الولايات المتحدة الجيش وهي خطوة ساهمت دون شك في تصاعد أعمال العنف هناك.

وركزت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على تقديم مساعدات إنسانية ومعدات اتصال للمعارضة السورية وأحجمتا عن تسليح المعارضة.

ويقول منتقدو هذه السياسة إن تسليح المعارضة سيسهم في إسقاط الأسد وتجنب صراع أطول أمدا.

وقال ستيفن هدلي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو. بوش: «هل يمكن أن نحسن الأوضاع إذا تدخلنا ومن ثم نقلص مخاطر انزلاق.. أقول نعم»، وتابع «الانتظار وترك الأمر يطول لن يحدا من الفوضى بل يزيداها».

ويقلق المجتمع الدولي من أن تؤدي الأزمة الإنسانية إلى زعزعة استقرار المنطقة الأوسع. وتقول الأمم المتحدة إن نحو 170 ألف شخص فروا من سوريا نتيجة المعارك. ويثير قلقا مماثلا خطر نشوب حرب أهلية طويلة الأمد.

وقال بول بيلر، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية والأستاذ بجامعة جورج تاون حاليا: «لدينا هذا التصور الفعلي لحروب أهلية تمتد عبر الحدود.. صراحة، لا يقلقني هذا مثلما يفعل صراع طويل داخل سوريا».