الأكراد يتذوقون طعم الحكم الذاتي في غياب قوات الأسد

يدير شؤون مناطقهم حزب تتهمه تركيا بأنه واجهة لـ«العمال الكردستاني»

مسلح كردي يرتدي قميصا عليه صورة عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا عند نقطة تفتيش على مشارف بلدة عفرين في شمال سوريا (أ.ف.ب)
TT

على الطريق المؤدية إلى بلدة عفرين الكردية في شمال سوريا، يسمح مسلحون يرفعون علما كرديا بمرور قافلة من الآليات التي تقل مواطنين سوريين من نساء وأطفال، هاربين من أعمال العنف. ويشير هؤلاء المسلحون الواقفون على حاجز تفتيش إلى الشاحنات بالمرور إلى عفرين التي يخيم عليها هدوء نادر بفضل التوازن الحساس الذي توصل إليه الأكراد والذي جعل سكان المنطقة يتذوقون طعم الحكم الذاتي.

وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، يعتبر الحاجز مؤشرا جديا على التغير الجذري في حياة الأكراد في شمال سوريا منذ الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في مارس (آذار) من العام الماضي. ويتحدث المسلحون القائمون على الحاجز اللغة الكردية علنا، ويرتدي بعضهم قمصانا صفراء رسم عليها وجه عبد الله أوجلان قائد حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا. ولكن صوره تنتشر على الجدران والمتاجر في عفرين.

وهذا التغيير هو نتيجة تفاهم توصل إليه الأكراد مع الحكومة السورية والمعارضين المسلحين. وانسحبت القوات الحكومية من المنطقة، ولكن منشأة أمنية رمزية عليها صورة لم تمس للرئيس السوري، لا تزال قائمة في عفرين.

يقول فتحي البالغ من العمر 50 عاما ويساعد المسلحين عند الحاجز «إنهم لا يخرجون من المبنى.. وإذا احتاجوا إلى خبز أو ماء فإنهم يتصلون بنا ونحن نمدهم به». كما يحظر على المتمردين المسلحين دخول المنطقة إلا غير مسلحين وبملابس مدنية. ويضيف «إنهم يأتون إلى عفرين لأن متاجرنا وأسواقنا مفتوحة، ويشترون منها الطعام وغير ذلك من الإمدادات. ولكن لا يسمح لأي منهم الدخول بسلاحه». والأسلحة الوحيدة التي يسمح بدخولها إلى هذه المنطقة التي يطلق عليها الأكراد الآن «كردستان الغربية»، هي تلك التي تدخل تحت إشراف «حزب الوحدة الديمقراطي الكردي». وتتهم تركيا هذا الحزب بأنه واجهة لحزب العمال الكردستاني الذي تحظره والذي قالت الولايات المتحدة إنه يجب أن لا يسمح له بإقامة ملجأ آمن في المنطقة.

ولكن وعلى الرغم من اعتراف فتحي بأن بعض الأسلحة المستخدمة في حماية المنطقة تأتي من حزب العمال الكردستاني، فإن سكانا آخرين يؤكدون أنه لا وجود للحزب في المنطقة. ويقول خالد (27 عاما) الكردي الذي انشق عن الجيش السوري في وقت سابق من هذا العام «بصفتنا أكرادا فإننا بالطبع نود دعوتهم (حزب العمال الكردستاني) إلى هنا، ولكننا نعرف أن العرب والمجتمع الدولي يعتقدون أن عناصر هذا الحزب إرهابيون، ولذلك فنحن لا نسمح لهم بالقدوم إلى هنا، وهم يحترمون ذلك».

وداخل عفرين سمح غياب النظام لأكراد سوريا بتجربة الحكم الذاتي لأول مرة. وفي مركز ثقافي أقيم حديثا، يقوم شخص يبلغ من العمر 67 عاما يقول إن اسمه جانغفار بتعليم نساء كرديات القراءة والكتابة بالكردية، اللغة التي كان محظورا عليهم تعلمها. وواحدة تلو الأخرى، تقف تلك النساء لترديد أحرف العلة الثمانية في اللغة الكردية. ويقول جانغفار «كان محظورا على الشعب الكردي القراءة والكتابة باللغة الكردية ولذلك تعلمناها سرا.. وعندما كان يتم العثور على كتاب بالكردية مع شخص ما كان يتم اعتقاله وتعذيبه». ويقدم المركز كذلك دروسا في التاريخ والشعر والموسيقى الكردية. وكل ذلك مجانا. وفي مكتب المدير علقت صورة للشاعر الكردي أحمدي خاني قبالة صورة أوجلان. ويقول خالد «إنه واحد من أهم شعرائنا.. وقصائده رائعة حقا».

وبالنسبة لعريف شيخو عضو الائتلاف الفضفاض للأحزاب الكردية والمجالس المدنية التي تشرف الآن على المنطقة، فإن هذا الحكم الذاتي الجديد هو نتيجة عقود من النضال المنفصل عن الاحتجاجات الدائرة حاليا في سوريا. ويقول «الثورة السورية تكمل نضالنا من أجل حصولنا على حقوقنا المشروعة، ولكن حتى لو توقفت الانتفاضة - ولا أعتقد أنها ستتوقف - فإن ثورتنا ستستمر».

ومنذ انسحاب النظام، شكلت مجالس بلدات وقرى المنطقة والبالغ عددها 365 مجالسها البلدية الخاصة، كما تم تشكيل لجنة إقليمية تضم 400 عضو لبحث المسائل التي تؤثر على المنطقة ككل. ويوضح شيخو بفخر أن «40% من أعضاء اللجنة من النساء». ويضيف «النساء في مجتمعنا يتمتعن بحرية تامة. ويستطعن أن يفعلن كل ما يفعله الرجال ويستطعن ارتداء ما يرغبن ويفعلن ما يردن وأن يكن مثلما يرغبن».

وعلى الرغم من افتخاره بنظام الحكم الذاتي الذي تمت إقامته في المنطقة وإعجابه الذي لا يخفيه بأوجلان، فإن شيخو يحرص على أن يوضح أن أكراد سوريا لا يسعون إلى الحصول على الاستقلال أو تشكيل دولة منفصلة. ويقول «نحن أولا وأخيرا سوريون.. نريد نظاما للإدارة الذاتية لأكراد سوريا، والديمقراطية لسوريا جميعها». ويضيف «نحن ننظر إلى النموذج الكردي العراقي على أنه قديم. جميع الدول هي شكل من أشكال القمع». وأمضى شيخو (60 عاما) عقودا بانتظار تحقق الحكم الذاتي الكردي، إلا أنه يقول إنه كان يؤمن دائما بأن ذلك سيتحقق يوما ما. ويؤكد «لم يكن ذلك مفاجئا. فقد تطلب ذلك دما وقتالا وتنظيما على مدى سنوات كثيرة. ولكن الآن بعد أن حصلنا عليه، فسنحميه جيدا».