صادرات الأسلحة الصينية تتدفق على أفريقيا السمراء

تساعد في إذكاء جذوة الصراع بين دول القارة

قوات الدفاع الأوغندية في تدريبات بأسلحة صينية خفيفة (واشنطن بوست)
TT

ازدهرت صادرات الصين من الأسلحة خلال العقد الماضي، حيث تدفقت على الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى من مصدر جديد للبنادق والذخيرة رخيصة الثمن، مما عرض الصين لمراقبة دولية مع زيادة استخدام أسلحتها القاتلة في مناطق الصراع، حيث يعد هذا انتهاكا للعقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة.

وتبين أمر الأسلحة الصينية خلال سلسلة تحقيقات في مناطق الحرب التي تمتد من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى ساحل العاج والصومال والسودان. وتعد الصين الوحيدة التي تقدم الأسلحة التي تساعد في إذكاء جذوة الصراع في أفريقيا، لكن لا يوجد أي دليل على تعمد الصين أو أي من مصدري الأسلحة بها انتهاك الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على أي من هذه الدول. مع ذلك، تختلف الصين عن الدول الكبرى المصدرة للأسلحة؛ ومنها روسيا، في تحديها الواضح لسلطة الأمم المتحدة ورفضها المستمر التعاون مع خبراء الأمم المتحدة واستعراض قوتها الدبلوماسية لحماية حلفائها وعرقلة التحقيقات التي قد تسلط الضوء على صناعة الأسلحة السرية الخاصة بها.

ويوضح هذا الموقف الصراع بين مسؤوليات الصين بوصفها قوة على مستوى العالم ومصالحها المتمثلة في استغلال أسواق جديدة. وأثار هذا أيضا تساؤلات حول مدى إسهام الدبلوماسيين الصينيين في امتداد نفوذ صناعة السلاح الصيني إلى خارج حدودها. ولم تستجب بكين لهذه التصريحات من خلال فرض قواعد منظمة في الداخل؛ بل باستغلال نفوذها في مجلس الأمن لتقويض سلطات المحققين المستقلين في أمر الأسلحة في الأمم المتحدة.

ساهمت هذه المحاولات في الحد من استقلال لجان الأمم المتحدة التي تتعقب تجارة السلاح في ما يتعلق بإيران وكوريا الشمالية. ويقول ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، الذي يرصد حصول إيران وكوريا الشمالية على التكنولوجيا النووية من الصين: «إنها حالة من الرأسمالية الطليقة، وأعتقد أن الحكومة الصينية لا تعرف دائما ما تفعله تلك الشركات». وعندما يتم مواجهة الصينيين بالأدلة، يتخذون موقفا دفاعيا وقانونيا، على حد قول أولبرايت.

وعرقلت الصين إصدار الأمم المتحدة تصريحات محرجة عن نقل الأسلحة بشكل قانوني ومنعت إعادة تعيين خبير أسلحة كشف أمر الأسلحة الصينية، وسعت إلى تقييد ميزانية التحقيقات. كذلك ترفض الصين باستمرار السماح للمحققين التابعين للأمم المتحدة بتتبع مصدر الأسلحة الصينية التي يتم اكتشافها في مناطق الحرب. ولم ترد بعثة الصين لدى الأمم المتحدة على الطلبات المتكررة بالتعليق على ما جاء في هذا التقرير، لكن نفى أعضاؤها مرارا الاتهامات التي وُجهت إلى البلد بانتهاك العقوبات.

الأكثر من ذلك، هو توضيح الصين امتلاكها رؤية فلسفية لتجنب العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي على بكين بعد أحداث ميدان تيانمين عام 1989، واعتقادها أن أفضل طريقة لمعالجة أكبر الخلافات السياسية هي المحادثات الدبلوماسية. ويقول الدبلوماسيون في مجلس الأمن إن الصين التزمت بنشر لجان العقوبات التابعة للأمم المتحدة من أجل الحفاظ على العلاقات التعاونية مع الغرب خاصة الولايات المتحدة. وتفرض الأمم المتحدة اليوم حظر تصدير السلاح لـ13 دولة أو تنظيم بما فيها حركة طالبان وسبع دول أفريقية.

مع ذلك، تم اختبار رغبة الصين في التظاهر بالتعاون خلال العقد الماضي؛ حيث تحولت من أكبر مستورد للأسلحة إلى أكبر منتج لها، حيث زاد حجم الإنتاج المحلي بنسبة 95 في المائة من عام 2002 إلى 2006 ومن 2007 إلى 2011 مما يجعلها سادس أكبر دولة مصدرة للأسلحة على مستوى العالم.

ويتضح هذا التوجه كثيرا في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، حيث تبيع الصين، كما تشير تجارة السلاح في أفريقيا، أسلحتها في 16 دولة، وهو عدد يفوق عدد تجار السلاح من خارج المنطقة. وبحسب «معهد أستوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، تمثل الصين 25 في المائة من السوق دون احتساب جنوب أفريقيا. ويشير المعهد إلى احتمال أن تجعل مبيعات الأسلحة الأوكرانية والصينية في السودان وأوغندا، الصين تخسر المرتبة الأولى التي احتلتها عام 2012.

ويقول بيتر ويزمان، المؤلف الرئيسي لتقرير المعهد: «تمثل السوق الأفريقية أهمية كبيرة بالنسبة لصناعة الأسلحة الصينية لأنها بوابة» لها لتصبح أكبر مصدر أسلحة، مشيرا إلى أن جودة ما تقدمه الصين من أسلحة أقل كثيرا من أن تجعلها تنافس في سوق الأسلحة، وأضاف: «لا بد أن يبدأوا من مكان ما».

ويتم تصدير بعض هذه الأسلحة إلى مناطق الصراع رغم حظر الأمم المتحدة.

وفي مايو (أيار) 2011 جمع فريق من خبراء الأمم المتحدة عددا من الخراطيش شديدة الانفجار في مدينة توكوماري بدارفور التي دخلت فيها القوات المسلحة السودانية مؤخرا معركة مع الثوار، بحسب تقرير سري كتبه ثلاثة خبراء بالأمم المتحدة ونشرته رسالة «أفريكا كونفيدينشال» الإخبارية ومقرها لندن للمرة الأولى.

وتتناسب الخراطيش، التي صنعت في الصين عام 2010 أي بعد ما يزيد على خمس سنوات من تنفيذ حظر تصدير السلاح، مع أنظمة السلاح التي تستخدم في المروحيات المقاتلة «إم أي 4» روسية الصنع وطائرة «سو 25» للهجوم البري. مع ذلك، عارضت الصين طلبات إحدى لجان الأمم المتحدة بمحاولة تعقب منشأ الخراطيش. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك.

وأوضح استعراض لمدى التزام الصين عمل عليه «معهد أستوكهولم لأبحاث السلام» أن الصين تقدم لأعضاء اللجنة إجابات ناقصة باستمرار عندما تواجه بأدلة على وجود أسلحة صينية الصنع في الكونغو أو ساحل العاج أو السودان أو الصومال. وكذلك رفضت الصين الرد على طلب مقدم من لجنة تابعة للأمم المتحدة اكتشفت وجود 15 سلاح «آر بي جيه» في أيدي قراصنة صوماليين.

وفي حالة دارفور، حيث أصبحت الذخيرة الصينية جزءا أساسيا من التقارير السنوية للأمم المتحدة، اتخذت الصين موقفا أكثر عدوانية بفرض قيود على ما تتوصل إليه اللجنة من نتائج.

وعرقلت الصين إصدار تقرير من لجنة دارفور عام 2011، ثم اتخذت موقفا متحيزا ضد خبير السلاح هولغر آنديرس الألماني الذي اكتشف صناديق من الخراطيش الصينية، وقالت إن عمله لا يتسم بالمهنية. وبحسب رواية مصدر مسؤول مطلع على الأمر، قال الوفد الصيني للجنة: «كان بمقدور طالب جامعي أن يقوم بالعمل أفضل منه. لم يتم التحقق من شيء، لا يعدو الأمر مجرد شائعة».

رد آنديرس من خلال تقديم مظروف يحتوي على خراطيش إلى الصين وطلب منهم تحليله بأنفسهم، بحسب ما ذكر المسؤول الذي رفض ذكر اسمه نظرا لحساسية الموضوع. وأخذ الدبلوماسيون الصينيون الخراطيش الفارغة، لكنهم لم يقدموا جوابا. وفي يناير (كانون الثاني) عام 2011، عرقلت الصين قرارا أمميا بتجديد عقد آنديرس، مما أدى إلى إبعاده عن لجان مجلس الأمن. ويعمل آنديرس منذ ذلك الحين في بعثة حفظ السلام في ساحل العاج.

ويسعى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون إلى إقناع الصين بتبني نهجا تصالحيا في دارفور، مشيرين إلى أن الصين تلفت الانتباه إليها من دون داع رغم قيام دول أخرى مثل روسيا وبيلا روسيا (أو روسيا البيضاء) وأوكرانيا بتقديم سلاح أخطر وأكثر تطورا يشمل مروحيات مقاتلة إلى السودان. وقال دبلوماسيون في مجلس الأمن إنه في الوقت الذي يعترف فيه دبلوماسيون صينيون في نيويورك بعدم جدوى جوابهم، يقيدهم التيار المتشدد في بكين خاصة داخل جيش التحرير الشعبي، الذي يشرف على صادرات الأسلحة الصينية. * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»