داريا.. مدينة المنكوبين و«أم الشهداء»

انضمت مبكرا للثورة.. وأبرز ضحاياها الناشط غياث مطر

TT

يصعب على الناشطين في مدينة داريا أن يصفوا حال مدينتهم.. فقد شهدت المدينة التابعة لريف لدمشق مجزرة مروعة تكاد تكون الأفظع منذ اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد. فداريا التي تربط بين سكانها علاقات القرابة، أصيب جميع قاطنيها بشظايا ما حدث أول من أمس.

يقول ناشطون: «هناك أكثر من 250 ضحية يتوزعون على عائلات مختلفة من المدينة.. الجميع منكوب هنا.. الذي لم يقتل أخاه قتل ابن عمه أو صديقه أو حتى جاره.. داريا تتشح بالحزن والسواد، ولدى أهلها رغبة عارمة في الانتقام لأرواح شهدائهم».

إلا أن المجزرة المروعة التي ارتكبتها قوات النظام السوري أول من أمس لم تكن الأولى في مدينة داريا غرب دمشق؛ إذ يشير الناشطون إلى أن «المدينة التي تبعد عن مركز العاصمة نحو ثمانية كيلومترات، شهدت منذ بداية انضمامها إلى الثورة السورية الكثير من عمليات القمع والقتل والاعتقال، لكن ما حصل مساء السبت فيها كان الأفظع والأكثر وحشية».

يقول لؤي، وهو أحد الناشطين الميدانيين في المدينة: «داريا كانت من أوائل المناطق التي انتفضت ضد نظام بشار الأسد، حيث خرجت أولى المظاهرات فيها يوم الجمعة 25 مارس (آذار) 2011 وتوسعت حركة الاحتجاج لتصبح منظمة وتحظى بتأييد جميع الدارييين».

ويؤرخ الناشط المعارض بداية القمع ضد مدينته في الجمعة التي سميت «الجمعة العظيمة»، ويقول: «في ذلك اليوم، تم فتح النار من قبل قوات الأمن على المتظاهرين السلميين وسقط أكثر من 7 شهداء، وبعد هذا التاريخ بدأ نظام الأسد بشن حملات مكثفة ضد داريا عبر نشر الحواجز الأمنية بين الأحياء المنتفضة، وقطع الاتصالات وفرض حصار شديد على المدينة». ويضيف: «قام الأمن السوري بشن حملات اعتقال واسعة في داريا مستهدفا أبرز منظمي المظاهرات والمشجعين عليها.. من بين المعتقلين آنذاك كان الناشط الشهيد غياث مطر».

ويعد مطر من أبرز ناشطي المجتمع المدني في سوريا، وتم اعتقاله على يد الأمن السوري خلال شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي في داريا بعد أن نصبت له قوات الأمن كمينا. هذا الناشط كان ضليعا في تنظيم المظاهرات منذ اندلاع الاحتجاجات قبل أكثر من خمسة أشهر من تاريخ اعتقاله، وبعد أربعة أيام من اعتقاله سلم جثمانه إلى أهله، بعد أن قضى تحت التعذيب؛ حيث تم انتزاع حنجرته على غرار ما حصل للمغني الشعبي الشهير إبراهيم القاشوش في مدينة حماه.

ووفقا لروايات الأهالي الذين هربوا من داريا، فإن «أكثر الأيام دموية قبل حصول مجزرة أول من أمس كان يوم (جمعة عذرا حماه)، إذ سقط فيه 6 قتلى برصاص الأمن، وحين خرج الأهالي لتشييع هؤلاء في مظاهرات مناهضة للنظام في اليوم التالي، فتحت عليهم قوات الأمن النار مجددا، مما أدى إلى سقوط 12 قتيلا وأكثر من 30 جريحا».

ويلفت ناشطون إلى أن «شدة القمع من قبل النظام ضد مدينة داريا دفع بالناس إلى التسلح للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم وبيوتهم، حيث بدأ ظهور الجيش السوري الحر عبر بعض أفراد يحملون الأسلحة القديمة (كلاشنيكوفات ومسدسات) ولكن بأعداد محدودة».

ويؤكد فريد، وهو أحد الناشطين الذين رافقوا عملية تأسيس المقاومة العسكرية ضد النظام في داريا، أن «الأعمال المسلحة بدأت تنشط في بداية سنة 2012، ومع تزايد أعداد المنشقين والمتطوعين اتخذت هذه الأعمال بعدا تنظيميا، غير أن تسليح الجيش الحر في داريا اقتصر على الأسلحة الخفيفة وبعض القطع المتوسطة».

وكانت مدينة داريا قد شكلت مع الميدان والمعضمية والمزة والقدم وكفرسوسة بؤرا رئيسية لنشاطات الجيش السوري الحر، حيث تم تأسيس «كتائب الصحابة» بقيادة العقيد خالد حبوس مؤخرا. وبعد بدء المعارك، تداعت كتائب دمشق وريفها للتوحد وتم تشكيل لواء «أنصار الإسلام» الذي يضم «كتائب الصحابة» ولواء «الحبيب المصطفى» وكتائب أخرى في مختلف مناطق دمشق وريفها. أما الكتيبة العاملة في منطقة داريا فهي «كتيبة سعد بن أبي وقاص».

ومعلوم أن مدينة داريا التي يتجاوز عدد سكانها 500 ألف نسمة، تقع ضمن محافظة ريف دمشق إلى الجنوب الغربي من مدينة دمشق، وهي أكبر مدن الغوطة الشرقية، وترتفع عن سطح البحر نحو 719 مترا، ويحدها من الشمال حي المزة ومعضمية الشام، ومن الغرب جديدة عرطوز، ومن الجنوب صحنايا والأشرفية، ومن الشرق كفرسوسة وحي القدم.