سمير مرقص لـ «الشرق الأوسط»: طمأنة الأقباط تكون بتوفير الأمان للجميع

أول مساعد مسيحي للرئيس المصري: لدي صلاحيات كبيرة.. وتعييني أحد إنجازات الثورة

TT

في أول حوار صحافي له بعد توليه المنصب، قال سمير مرقص، وهو أول مسيحي يتولى منصب مساعد رئيس الجمهورية المصري، إن تعيينه في هذا الموقع، يعد أحد إنجازات ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 التي أسقطت نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، الذي فتح الباب لتولي مسؤولين من خارج دائرة النخبة الضيقة وكبار العائلات، مناصب مهمة في الدولة.

وشدد مرقص في حوار مع «الشرق الأوسط»، أجري عبر الهاتف، على أن تعيينه في هذا المنصب لن يكون «شرفيا» ومن قبيل «الكوتة»، فهو لن يكون ديكورا للرئيس، وإنما لديه من الصلاحيات والمهام الكبيرة، التي تمكنه من تطبيق فكره. وأضاف قائلا: «إما أن يكون لي بصمة أو لا أكون موجودا».

ووعد مرقص، الذي أسند إليه منذ نحو عام منصب نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشمالية، بالعمل من خلال منصبه، كمساعد للرئيس لملف «التحول الديمقراطي»، على تحديث الدولة المصرية ونقل مؤسسة الرئاسة من نظام «الفرعون» إلى مستوى الفريق الرئاسي الذي يعمل وفقا للتخصصات.

وبينما لفت مساعد الرئيس إلى أنه يجب التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر على أنهم «واقع»، دعاهم في نفس الوقت إلى عدم إقصاء أي جماعة وطنية، وأن يعلموا أن «مصر لا تبنى بلون واحد». وفي ما يلي أهم ما جاء في الحوار..

*هل تعتبر تعيين شخصية مسيحية في منصب مساعد رئيس الجمهورية.. إنجازا كبيرا حققته الثورة المصرية، خاصة أنه يحدث للمرة الأولى في تاريخ مصر، وفي ظل رئيس «إسلامي»؟

- أولا، أنا أكره التصنيف الديني بين المصريين بين مسلم ومسيحي، ولا أرغب في أن يشار إلي عن طريق ديني، خاصة أن القضية المسيحية ومشاكل المسيحيين في مصر جزء واحد فقط من اهتمامات كثيرة لدي، متنوعة ومختلفة، وتشمل كافة هموم الوطن. لكن على كل حال، فإنه لا شك في أن ثورة الخامس والعشرين من يناير كان أحد أهدافها ثم أصبح أول إنجازاتها، توسيع وفك شبكة النخبة المغلقة، إذا جاز التعبير، والتي تعني وجود نخبة مغلقة معروفة تمد أجهزة الدولة بالمسؤولين التنفيذيين والشخصيات المهمة، وبالتالي يكون التحرك في دائرة مغلقة يطلق عليهم «أهل الثقة». أما الآن، وبعد الثورة، فقد فُتحت هذه الدائرة إلى حد كبير، أولا من الناحية الجيلية (صغر سن المسؤولين)، ثانيا من الناحية الفكرية، فأصبحنا نجد مثقفين في مواقع تنفيذية.. فأنا مثلا أحسب على جماعة المثقفين، وتم تعييني منذ عام تقريبا كنائب لمحافظة القاهرة، وهذا يحدث لأول مرة في الجماعة الثقافية، فهذا شيء إيجابي وتجربة جديرة بالتأمل، وتخلق تحديا للنجاح. ولذلك، يجب أن تشمل التعيينات في مصر جميع الفئات؛ الأولاد والبنات والمسيحيين والمسلمين الذين ليسوا محسوبين على النخبة أو العائلات الكبيرة، ووفقا لمعيار الكفاءة وخدمة الوطن فقط.

*ما الملفات الشائكة التي تنتوي العمل عليها وستعطيها أولوية خلال مهمتك الحالية، وكذلك أول قرار ستتخذه؟

- أولا، هناك مستوى يتعلق بي شخصيا، وهو كيفية تطبيق كل ما ناضلت من أجله، حتى على المستوى الكتابي، والمتعلق بالحرية والديمقراطية وحقوق المواطنة والمساواة. وكذلك نضالي السياسي وتحركي في الشارع على مدى عقود، وكيفية ترجمة ذلك بشكل عملي وعلمي وأن يصبح مؤثرا بالنسبة للمصريين. المستوى الآخر المهم جدا، هو نقل مؤسسة الرئاسة من مستوى الفرعون والشخص الواحد إلى مستوى الفريق الرئاسي وفقا لتخصصات وملفات معينة، ومحاولة تحديث الدولة المصرية، فالعالم المتقدم قائم على فكرة التخصصات النوعية، وهذه هي بداية التقدم.

*وهل تملك من الصلاحيات والإمكانيات ما يمكنك من تحقيق طموحك.. علما بأن آراء كثيرة تعتبر أن الفريق الرئاسي هو مجرد «ديكور» للرئيس ولن تكون له مشاركة فعلية في السلطة؟

- بالتأكيد، في ما يتعلق بالملف الخاص بي، هناك صلاحيات كبيرة ومهام معينة أتمتع بها، وتساعدني في التواصل مع جميع القوى الوطنية وإصدار قرارات أيضا. وملفي أوسع كثيرا من موضوع الأقباط الذي أراه قضية ضيقة. وعلى كل حال، الواقع سيفرض نفسه، ويجب ألا نستبق الأحداث، دعنا نختبر الموقف، علما بأن من يعرفني جيدا يعلم أنني إما أن يكون لي بصمة في المكان الذي أوكل به أو لا أكون موجودا. فأنا لن أقبل الاستمرار إلا في وجود دور واضح. ولكن للأمانة، فإنه في ما يتعلق بملف التحول الديمقراطي فهناك مهام واضحة محددة تم الاتفاق بشأنها بيني وبين الرئيس خلال لقائي السابق معه، كما ترك لي حرية تشكيل الفريق الخاص بي والمساعدين، وهذا شيء إيجابي.. ويتبقى فقط الممارسة العملية. وفي النهاية، أنا أخدم خدمة عامة لوجه الله والوطن.

*ألا تجد أي غضاضة أو معضلة في التعامل مع رئيس جمهورية كان ينتمي إلى «جماعة الإخوان المسلمين»، أولا بصفتك شخصا مسيحيا، ثانيا كمفكر ليبرالي، تختلف فكريا معهم؟

- لا بد أن نعلم أن جماعة الإخوان المسلمين واقع وحقيقة، وأنا أصلا ضد فكرة إقصاء طرف ضد طرف، وأنادي بذلك منذ فترة، وتاريخي يشهد أنني وقفت في الماضي ضد إقصاء الشيوعيين والإخوان المسلمين أنفسهم، أو عمليات القبض العشوائي التي كان يمارسها النظام السابق ضد أي تيار. علينا أن ندرك أن القضية هي أن يكون لكل قوى أو تيار درجة عادلة من التعبير السياسي، وإذا كنا نطالب بذلك لـ«الإخوان» فعليهم أن يحرصوا على أن يحققوا الآن ذلك بالنسبة للأطرف الأخرى. أنا لدي مقولة شهيرة أكتبها دائما وهي «إن مصر لا تبنى بلون واحد.. مصر تبنى بكل التيارات».

*وهل ترى أن هذا ممكن؟

- الشكل الأولي لنظام الرئيس محمد مرسي يقول ذلك (المشاركة). فهناك تشكيلة فيها تنوع سياسي وآيديولوجي في الفريق الرئاسي، لا بأس بها. فأنا شخصيا محسوب على القوى الوطنية بشكلها الواسع، وعلى التيار القادر على التواصل مع كل القوى الوطنية، وأشارك في الفريق الرئاسي، رغم أني ليبرالي التفكير ويساري في ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، ولدي اهتمام خاصة في ما يتعلق بمسألة العلاقات الإسلامية - المسيحية ولدي الكثير من المؤلفات في هذا الشأن.

*إحدى المشاكل الرئيسية في مصر حاليا.. هي مطالب المسيحيين، كيف يتم علاج هذه المشاكل وتحقيق مطالبهم.. وأيضا طمأنتهم؟

- أنا من المدرسة التي تقول أو تنادي بأن تكون طمأنة المسيحيين من خلال توفير الأمان والطمأنينة للمصريين بشكل عام. علينا أن نوفر المواطنة للكل ونوفر العدل للجميع. لا يوجد أحد يوفر له أمان بمفرده وبمعزل عن الآخرين. إذا وفر الرئيس والحكومة المواطنة والعدل للجميع، فضمنا سيكون ذلك للمسحيين والمرأة. لو أنك أعطيت تطمينات لفئة بعينها كأنك تعطيها امتيازا مستقلا عن الباقين، هذا خطأ. لأن الذي يمنح الامتياز اليوم يستطيع أن يسحبه غدا، أما لو تم منحه للجميع فستصبح قاعدة لا يستطيع أحد أن يسحبها وأصبحت حقا للمواطنين المصريين.

*هناك اهتمام دولي بحقوق المسيحيين في مصر، خاصة بعد صعود الإسلاميين للحكم، كيف ترى هذا الاهتمام، وعلى أي أساس سيتم التعامل معه؟

- ما يحدث في الداخل المصري هو شأن مصري، على الجماعة الوطنية أن تعالجه، لأن من يطلب الحماية من الخارج، فهو يطلب في نفس اللحظة العقوبة للآخرين. وأي جماعة وطنية تستطيع أن تتعايش معا، لكن أن يكون هناك طرف يستقوي بالخارج فسيكون سبب عقاب للآخرين. والمسيحيون في مصر أدركوا هذه الحقيقة، وعلموا أن النضال من أجل قضاياهم يكون من خلال الانخراط في العمل العام، ومشاركة المسلمين، وتوسيع قاعدة المسلمين الذين يتبنون مشاكل المسيحيين.