جزء من المراسلات التي تمت بين «حملة السكينة» ومعرف «الكتيبة»

TT

فيما يلي جزء من المراسلات التي تمت بين «حملة السكينة» ومعرف «الكتيبة» والتي حصلت عليها «الشرق الأوسط»:

(الكتيبة)

* هل تعرف معنى جهاد؟

يعني دماء وأشلاء ورصاص وضحايا.

ما فيه جهاد بدون خسائر روحية وبشرية ومادية.

فكونك تقول إن هذه العمليات الجهادية تفتح مجالا للأعداء في بلاد المسلمين، هذا كلام مردود ولا يقوله إلا سفيه فحكام المسلمين هم من جعلوا بلادهم مفتوحة للكفار، وهم من أدخلوهم وهم من أعانوهم على إخواننا المسلمين، وهم من ذبحوا وسجنوا المجاهدين المؤمنين.

هل نجلس حتى نرى الأميركان يفعلون في نسائنا ويشربون الخمر في مساجدنا؟

هذا جهاد ودفع عن دين الله وعن أعراضنا وأرواحنا و«ديننا».

(حملة السكينة) طيب..

أنتَ - حفظكَ الله - تقول هؤلاء مجاهدون.

يُجاهدون من؟

وذكرتَ أنه جهاد دفع..

من هم الذين اقتحموا عليهم؟

(الكتيبة)

* أما ما تردده من قتل المسلمين.

فكما ذكرت لك قتلهم ليس قصدا بل تبع.

وكذلك هناك في فقه الجهاد والغزو مسألة مشهورة معروفة وهي (التترس): قال ابن تيمية: «وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترس بمن عنده من أسرى المسلمين، وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم» («الفتاوى» 28/ 546 - 537، جـ20/ 52).

وقال في «الإنصاف»: وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار، وهذا بلا نزاع» («الحاشية على الروض» 4/ 271) (حملة السكينة)

* أخي الفاضل/ الكتيبة أسأل الله أن يحفظك ويرعاك..

قبل أن أبدأ بالتعليق على رسائلك اسمح لي بهذه الكلمة: أنا أعلم مدى صعوبة تقبّل الواقع، وصعوبة تغيير القناعات، أنا مثلك كنت فترة طويلة جدا أعتقد بعض الأمور وكنت أجزم بصحّة رأيي ومنهجي الذي أنتهجه في هذه المسائل.. وعايشت صعوبة تغيير القناعة.

لكن من كان دين الله نور قلبه.. وبصره.. يسهل عليه كل شيء.

يا أخي الغالي، أنت كنت تقول بتكفير مسلمين، وأعرف أن ذلك منكَ من باب الحماس للدين وليس من فساد في النيّة.

وتبين لك أن مسألة التكفير خطيرة وأن من يكفّر فلانا وعلانا أو الدولة السعودية يمكن الردّ عليه ورد كلامه.

أبيك تدعو المولى سبحانه أن ينجيك من هذه الفتنة.

ووالله إني أدعو لك.

أما بالنسبة لما قلته من مسألة التترس و... إلخ أنا كنت أريد أن أبدأ في التعليق على شبهة المفجّرين الثانية، وهي مهمة وأكثر حساسية وتشويشا من الأولى (مسألة نقض العهد بسبب قتالهم واعتدائهم على المسلمين في أماكن ثانية).

وأقول وأكرر شبهة المفجرين وليست شبهتك.. فأنت ولله الحمد بعيد عن نهجهم وطريقتهم.

أنا دخلت في نقاشات كثيرة، ويمكن أنت اطلعت على بعضها في المنتدى، وشفت كيف بعض الناس ما يبي أصلا يسمع!! المهم سأجيبك على مسألة التترس التي يدندن حولها أهل التفجير - هداهم الله.

مسألة التترس وقتل المسلمين تجوز في حالة توفر هذه الشروط: 1 - الضرورة.

2 - حالة حرب مع الكفار.

3 - أن يتخذ الكفّار المسلمين تُرسا ودرعا.

4 - الخوف على المسلمين الآخرين (غير المتترس بهم) بالضرر.

قال ابن تيمية: (ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك) («مجموع الفتاوى» 20/ 52).

فأينَ هذا الفقه وهذه الضوابط وهذه الحالات من واقع العمليات العشوائية التي تفعلها خلايا «القاعدة» في السعودية؟! هل نحن في حالة حرب مع هذا الفرنسي المهندس؟ أو البريطاني التقني؟ أو الهندي المبرمج؟

هل قام الأميركان في مجمع المحيا بأخذ مجموعة من السعوديين رهائن واتخذوهم تُرسا؟

أين عقول هؤلاء؟! صدقني هذه عمليات صبيانية لا فقهية ولا يحزنون..

انظر في التاريخ الإسلامي كله والمعارك الإسلامية والفتوحات وجهاد الدفع والطلب و... إلخ لا يمكن أن تجد الأمة في حالة من حالاتها تفعل ذلك إلا إن كانوا فئة بلا علماء وبلا ولاة أمر.. يعني فئة خارجة ضالة.

أما علماء المسلمين المحققون عبر القرون عاشوا في جزيرة العرب، وقامت دول وكانت هناك معاهدات ومراسلات وبعوث مع غير المسلمين، ولم يحدث أن خرج علينا أحد بمثل ما جاء به هؤلاء الذين يدعون الجهاد! ومع ذلك.. وعلى الرغم من ذلك.

أرجع وأقول أصلا هذه الدماء معصومة وهؤلاء أعطوا الأمان ونحن أهل أمان وعدل ولسنا أهل خيانة وغدر.

(الكتيبة)

* لا طاعة ولا إذعان لمن بدل دين الله وظاهر أعداء الله وهذا بإجماع المسلمين وبنص الكتاب المبين.

قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وهؤلاء وادّوا من حادّ الله ورسوله.

هؤلاء أعانوهم ونصروهم على إخواننا المسلمين وعلى المجاهدين.

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ).

فأي ولاء أعظم من مدهم بالسلاح والمعلومات وكشف أسرار وأراضي المسلمين ونحورهم لهم ليقتلوهم شر قتلة؟! قال ابن حجر رحمه الله: «إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها».

وقال النووي رحمه الله: «قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تُعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل». وقال: «وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها». ا.هـ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «من حالف شخصا على أن يوالي من والاه، ويُعادي من عاداه، كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان، ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى، ولا من جند المسلمين، ولا يجوز أن يكون هؤلاء من عسكر المسلمين، بل هؤلاء من عسكر الشيطان». ا.هـ.

فأي كفر أظهر من هذا؟! هذه ردّة والعياذ بالله فهل تخالف في كتاب الله؟

وكفروا مرارا وتكرارا.

وازدادوا كفرا وارتدادا بتحكيم القوانين الوضعية في البلاد، كالقانون التجاري والإعلامي والمحاكم العسكرية والأنظمة الإدارية.

(حملة السكينة) أخي الكريم.. الكتيبة

* حتى نخرج بنتيجة لا بد من ترتيب الحوار..

أنا طلبتُ منك أن تعلق على نقطتين، أجبتني عن الثانية ولم تجب عن الأولى، الهدف من ذلك أن أبين لك أننا نتفق على أصول.

حتى إذا احتجنا هذا الاتفاق وجدنا مقررا بيننا.

أظنك توافقني على الأمر الأول، وهو وجوب طاعة ولي الأمر المسلم والإذعان له وإن جار وإن ظلم.. ولا يجوز الخروج عليه.

أرجو تأكيد ذلك لأنه يهمني.

الأمر الثاني، وهو ما عرضته (حفظك الله) من استنباطات واستدلالات على كفر الدولة السعودية.

1 - مسألة الولاء ومظاهرة المشركين.

2 - تحكيم القوانين الوضعية.

3 - استحلال الربا، وانتشار الفساد والمنكرات.

4 - مطاردة من تسميهم مجاهدين (هداهم الله).

اسمح لي الآن أن أعلق على استدلالك الأول.

تقولون: الحكومة والت أعداء الله الأميركان وساعدتهم على نصرة المسلمين، وهذا كفر بواح.

أقول لكَ (حفظكَ الله):

تعرف قصة حاطب بن أبي بلتعة (رضي الله عنه) المشهورة، حيثُ (أعان) كفارَ قريش بمكاتبتهم بخبر غزو النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم.

لاحظ معي. حالة حرب. ويقوم الصحابي - رضي الله عنه وأرضاه - بتسريب خبر الغزو.. مما قد يضرّ المسلمين.. وربما تسبب في خسارتهم..

على قاعدتك التي ذكرتها.. ووفق تصوّرك العام العائم يجب أن نقول بتكفير الصحابي الجليل!! وهذا لا يقوله أحد من أهل السنة والجماعة.

ولذلك لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفره، ولم يوافق عمرَ (رضي الله عنه) في تكفيره لحاطب.. بل، ورجعَ عمرُ وبكى.

ولذلك استفصلَ النبي - صلى الله عليه وسلمَ - من حاطب - رضي الله عنه - فسأله: (ما حملكَ؟!).

المقام خطير جدا..

إسلام.. وكفر..

لابد من التثبت والبينة ومعرفة الدوافع لهذا العمل الذي ظاهره الكفر والردة والخيانة.. لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمام حادثة عين فيأتي هنا الاستفصال..

واقرأ كلام ابن كثير - رحمه الله - حول هذه الواقعة: (قبلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب لما ذكر أنه فعل ذلك مصانعة لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد). (4/ 410).

فهمَ أهل العلم من هذه القصّة ومن مجموع أدلة أخرى التفريق بين الموالاة المكفّرة التي تخرج من الملّة.

والموالاة التي لا تخرج من الملّة.

لذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبا ينقص به إيمانه ولا يكون به كافرا» («الفتاوى» 7/ 522).

فما كان من باب دفع شرهم أو التقرب لهم لأجل دنيا (مُلك، مال... إلخ) هذا لا يدخل في الكفر.

وما كان من قصد إعلان الكفر على الإسلام هذا كفر.. أو لأجل محبة دينهم هذه هي الموالاة المكفّرة.

ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله -: «وأما قوله (ومن يتولهم منكم) وقوله (لا تجد قوما..) وقوله (.. لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا) فقد فسّرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة، وأصل الموالاة هو الحب والنصرة والصداقة، ودون ذلك مراتب متعددة ولكل ذنب حظّه وقسطه من الوعيد والذم، وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وغيره» («الرسائل والمسائل» 3/ 10).

فليست كل موالاة في الظاهر كفرا..

وأهل العلم فرقوا بين هذا وذاك..

إذا تبيّن ذلك..

نعرف عدم صحّة استدلالكم على كفر الدولة السعودية بشبهة الموالاة..

هذا بعد التنزل معكم، والإقرار بأن الموالاة واقعة وأنهم فعلوا وفعلوا.. على الرغم من أنها أخبار صحف وإذاعات لا تبرأ بها الذمّة.

لكن حتى لو ثبتت.

لا يجوز لكَ دينا أن تكفّرهم بهذا السبب..

لأنه ليست كل موالاة كفرا..

فقد تكون موالاتهم هذه لسبب دفع مفاسد كثيرة عن البلاد والعباد! وقد تكون هذه الموالاة لأجل رغبتهم في سلامة مُلكهم وأموالهم وأموال الدولة وحفظ حقوق الناس! كل هذه أسباب لا يكفرون بها ولأجلها..

ولو قلتَ بكفرهم لأجل ذلك للزمك تكفير الصحابي الجليل حاطب - رضي الله عنه - ولخالفتك بذلك كلام أهل العلم الذي عرضته عليك.. ولا أظنك كذلك؛ فقد لمستُ فيكَ محبتك للعلم وللحق..

ومعذرة على الإطالة، مع أني حاولت الاختصار بقدر المستطاع..

أريد أسمع منك قبل الانتقال للنقطة الأخرى..

والله يرعاك.