معركة حلب.. خريطة «حرب الاستنزاف» في شهرها الثاني

سمير النشار لـ «الشرق الأوسط»: نتوقع فرض منطقة حظر جوي قريبا ما سينعكس إيجابا على المعركة

عناصر من الجيش السوري الحر في حلب أمس (رويترز)
TT

دخلت «أم المعارك» السورية التي تدور على أرض حلب شهرها الثاني ولا تزال الاشتباكات تحتدم يوما بعد يوم بين الجيش السوري الحر الذي يؤكد أن سيطرته على أرض الريف تصل إلى 90 في المائة وتتعدّى في المدينة الـ60 في المائة، وبين قوات النظام التي تسيطر بشكل كامل على السماء السورية مستخدمة الطيران الحربي في المواجهة. هذا الواقع يجعل تغيّر موقع كل من الطرفين صعبا في المدى القريب إلا في حال «استشرس» النظام في توسيع دائرة عملياته العسكرية من جهة، أو في حال اتخذ قرار ما لتسليح الجيش الحر ودعمه بمضادات الطائرات، بحسب ما يؤكّد معارضون.

وفي حين توقّع عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري، سمير النشار أنّ يتمّ اتخاذ قرار قريب بفرض منطقة حظر جوي في بعض حلب، الأمر الذي سينعكس إيجابا على وضع النازحين والثوار وعلى ميزان معركة حلب بشكل خاص، وصف رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان في سوريا معركة حلب في تصريح له لوكالة الصحافة الفرنسية بالقول «إنها حرب طويلة. كل طرف يريد تصفية حساباته، هي حرب استنزاف ستطول بعمليات قصف ومعارك كل يوم».

ميدانيا، وفي حين أفاد التلفزيون الرسمي أمس أن «الجيش السوري سيطر على حي الإذاعة في منطقة سيف الدولة في مدينة حلب» ذكر المرصد السوري أنّ اشتباكات عنيفة دارت أمس بين القوات النظامية والجيش الحر في حي سيف الدولة وتعرضت أحياء المرجة وبستان الباشا والخسفة والسكري والعرقوب والقصيلة وبستان القصر والكلاسة والإنذارات وهنانو ومدينة الباب للقصف، لافتا أيضا إلى تعرّض حي الإذاعة لقصف عنيف في محاولة من قوات النظام للسيطرة عليه، وقد سجّل سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين والمقاتلين.

بدوره، يصف عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري، سمير النشار الذي عاد منذ يومين من حلب بعدما أمضى فيها نحو 6 أيام، بالقول «الاشتباكات بين قوات النظام والجيش السوري الحر لا تتوقّف كما الانفجارات والقصف من الدبابات والطيران الحربي والمروحي المستمرة ليلا ونهارا، وذلك من المناطق الموجودة على حدود المدينة ومن بعض المراكز الأمنية ولا سيما فرع المخابرات الجوية والعسكرية لاستهداف الجيش الحر الذي اتخذ من المدارس مراكز له. وفي إحدى الليالي شهدت على وقوع قذيفة على بعد 30 مترا حيث كنت موجودا، وما تسبّبت به من هلع وخوف بين النساء والأطفال في مشهد إنساني مأساوي».

وفي حين يؤكّد النشار أنّ هناك صمودا رائعا للجيش الحر في مدينة حلب وريفها، يلفت إلى أنّ هذا الواقع لا يزال يحتاج إلى ضبط وتنظيم أكبر، مضيفا «ليس هناك من قيادة واحدة بل إن المجموعات موزعة على قوى وفصائل، ومن أهمّها، لواء التوحيد ولواء فتح ولواء درع الشهباء الذي يتألّف من أبناء مدينة حلب بشكل أساسي»، لافتا إلى أن أبناء الريف يميزون أنفسهم عن أبناء المدينة على اعتبار أنهم كانوا السباقين في حمل لواء الثورة.

وعن خريطة وجود كل من الجيش الحر وقوات النظام وسيطرتهما على مناطق حلب، يقول النشار «يسيطر الجيش الحر على المناطق الشرقية الجنوبية، بدءا من صلاح الدين مرورا بهنانو والصاخور والشعار وباب النيرب والسكري والأنصاري وصولا إلى سيف الدولة، فيما تبقى سيطرة الجيش النظامي على المناطق الشمالية الغربية. مشيرا إلى أنّه يبدو واضحا الاختلاف في طبيعة الحياة الاجتماعية بين السوريين في كلتا المنطقتين، ففي حين يعاني السوريون المؤيدون للثورة السورية والتي يسيطر عليها الجيش الحر، وهم في معظمهم متحدرون من الأرياف، من معاناة إنسانية وغذائية وصحية بعدما نزحوا إلى مخيمات اللاجئين، استطاع السوريون في المناطق التي يسيطر عليها النظام الانتقال إلى لبنان أو تركيا أو مصر».

وفيما يتعلّق بالسلاح وكيفية تأمين الجيش السوري الحر له، يلفت النشار إلى أنّ الجيش الحر يستطيع تأمين كميات كبيرة من السلاح الذي ينجح بالاستيلاء عليه من المراكز التابعة للنظام، لكنه في الوقت عينه، يشير إلى عمليات تهريب الأسلحة التي تتمّ عبر الحدود، مشيرا إلى أنّه كان شاهدا على إحدى الصفقات، ويقول «يبدو أنّ الأسلحة كانت مهربة من العراق على أيدي شخص يتكلّم اللهجة البدوية، لم أتمكن من معرفة هويته إذا كان عراقيا أم سوريا، وقد تمّت الصفقة وباع الأسلحة للجيش الحر بأسعار مرتفعة، ومن بينها، مضادات للطائرات لكن بكمية قليلة».

وعن الوضع الإنساني في حلب، وبالتحديد، كيفية إيصال المساعدات إلى النازحين، يؤكّد النشار أنّ من يقوم بتقديم المساعدات هم رجال أعمال سوريون وتقوم بتوزيعها مؤسسات المجتمع المدني، وهي لا تزال تفتقد إلى التنظيم لا سيما أنّها لا تكفي لأعداد العائلات التي تتزايد يوميا، لافتا إلى أنّ المجلس الوطني وبعدما تسلّم من بعض دول مجلس التعاون الخليجي 15 مليون دولار لإغاثة النازحين، وصل إليه أخيرا من الثوار في ليبيا 16 مليون يورو، سيتم توزيعها على كلّ المحافظات السورية.

من جهته، قال أبو محمد، الذي يقود كتيبة صغيرة للمعارضة المسلحة قرب قلعة حلب، لوكالة الصحافة الفرنسية، «في بعض الأحيان أظن أن بشار الأسد يريدنا أن نستولي على مدينة حلب ليعمل بعد ذلك على تطويقها وتجويعنا، ومحاولة عزلنا ويزيد من احتمال ارتكابنا الأخطاء وبالتالي انقلاب المدنيين علينا».

كما أكد سكان في حلب للوكالة نفسها أن الجيش النظامي استعاد ثلاثة أحياء مسيحية في قلب المدينة التي يشكل السنة غالبية سكانها، فيما أكد مصدر أمني أن عدد المتمردين يزداد لكنهم يواجهون نقصا حادا في الأسلحة لأن الطيران دمر عددا كبيرا من مخابئهم.

وأضاف أن الجيش يحاول نشر دباباته ورجاله في الشوارع الرئيسية لعزل الأحياء الواحد تلو الآخر ثم «تطهير» كل منطقة، مؤكدا أن ذلك «يستغرق وقتا طويلا».

وقال عبد الله الذي فر من الجيش لينضم إلى المعارضة المسلحة قبل شهر إن «جيش الأسد أعد هجوما بريا كبيرا ولكن عندما حان وقت القتال انقسم الجنود وتحاربوا فيما بينهم». أضاف أن «الأسد يعرف الآن أنه لا يمكنه أن يثق برجاله إذا أراد إرسال قوات برية»، موضحا أن «معركة إعزاز جرت على نطاق صغير ولكن إذا نشر عشرون ألف رجل لمهاجمة حلب وحدث الأمر نفسه، فتخيلوا النتيجة». وتابع «ستشكل نهاية مصداقيته والجيش بأكمله سينشق والنظام سينهار».