متطوعون من جميع الفئات لمراقبة الاحتجاجات في تشيلي

يرتدون خوذات ويتسلحون بالمفكرات والكاميرات وأجهزة التسجيل وأقنعة الغاز

المظاهرات الطلابية عادت مجددا إلى احتلال الشوارع والمدارس في العاصمة التشيلية سانتياغو (نيويورك تايمز)
TT

إنهم يظهرون وسط المظاهرات الطلابية التي عادت مجددا إلى احتلال الشوارع والمدارس في سانتياغو، ثم بعد ذلك في المستشفيات ومراكز الشرطة التي تستقبل النتائج: إنهم فرق صغيرة من المراقبين الذين يرتدون خوذات زرقاء أو بيضاء ويتسلحون بالمفكرات والكاميرات وأجهزة التسجيل وأقنعة الغاز.

وهم لم يذهبوا إلى هناك من أجل الانضمام للاحتجاجات أو التدخل فيها، بل ذهبوا فقط لمراقبة وتسجيل ما يحدث عندما تبدأ الشرطة في قمع الاحتجاجات، كما فعلت مع تزايد العنف هذا العام، وكذلك لمساعدة أي مصاب أو أي شخص يتعرض لمعاملة مهينة. وهم مشغولون هذا الشهر أكثر من أي وقت مضى.

وهؤلاء المراقبون المتطوعون، الذين يعرفون باسم «أفراد الخوذات»، هم مواطنون عاديون من جميع الأعمار والفئات، من حرفيين وعمال مصانع وطلاب جامعيين وأرباب معاشات، تجاوز بعضهم السبعين من العمر، يرون أن العمل الذي يقومون به في غاية الأهمية. فتقول مارتا كيستيرنا (45 عاما)، المتحدثة باسم واحدة من جماعات الخوذات وهي جماعة «مراقبي حقوق الإنسان»: «علينا أن نسجل أدلة على ما نراه. لا أحد آخر يراقب تصرفات رجال الشرطة».

وعندما احتشد الطلاب العام الماضي للمطالبة بإجراء تغيير شامل في نظام التعليم العالي في البلاد والتعهد بتقديم تعليم عام تتوافر فيه الحرية والمساواة والجودة، كان رد الفعل الرسمي أكثر تحفظا. وهذا العام، لم تبد الحكومة أي تسامح مع عمليات احتلال المدارس، وقامت باستدعاء قوات الشرطة الخاصة من أجل إخلاء المباني. وبعد ساعات أو أيام، تم احتلال المدارس مرة أخرى وعادت الشرطة، في لعبة قط وفأر غالبا ما تؤدي إلى صدامات عنيفة ومئات من الاعتقالات. وفي غضون ذلك، قامت جماعات صغيرة من الطلاب المتطرفين بإقامة المتاريس وإلقاء الحجارة وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة.

وعادة ما تتفجر معارك في الشوارع بين المسيرات الاحتجاجية ورجال الشرطة، الذين يستخدمون الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه المخلوطة بالمواد الكيميائية من أجل تفريق الحشود، كما يستعينون بالهراوات لإلقاء القبض على المتظاهرين، حيث يعاني بعض الطلاب من إصابات في الرأس وكسور في الأنف وتشنجات ومشكلات في التنفس، كما تعرض بعضهم للدوس بأقدام ضباط شرطة الخيول، وكشفت جماعات المراقبين عن تزايد البلاغات من جانب المعتقلين عن تعرضهم لأعمال إهانة جنسية من جانب رجال الشرطة.

وهذا هو السبب في وجود أفراد الخوذات هناك، فقبل كل حركة احتجاجية، يتصلون ببعضهم البعض من أجل توزيع المهام والمواقع، ثم ينزلون إلى الشوارع وهم يرتدون خوذات واقية مكتوب عليها «DDHH» - وهي اختصار لعبارة «حقوق الإنسان» باللغة الإسبانية - كما يعلقون بطاقات هوية كبيرة حول عنقهم حتى يكون الدور الذي يقومون به أوضح ما يمكن، وهم يتدربون على الأساسيات القانونية ويسيرون وفق قواعد صارمة: إذ يمنع تماما التدخل في الأحداث أو سب رجال الشرطة، كما يحرصون على العمل دوما في شكل أزواج.

وتوضح كيستيرنا، التي تعمل معالجة تخاطب: «أول شيء نفعله هو التحدث إلى الضابط المسؤول، فنخبره بأننا هناك من أجل مراقبة الإجراءات التي تتبعها الشرطة، ونحن لا نتدخل أو نحاول تحرير المعتقلين منهم، لكننا نجعلهم يعرفون عندما يرتكبون شيئا غير قانوني أو غير مألوف أنهم لن يستطيعوا أن يضربوا الناس، وأننا نراقب كل شيء ولدينا أسماؤهم ورتبهم، لذا فإنهم ينتبهون جيدا».

وقد كانت جماعتها من أولى جماعات المراقبين الميدانيين التي ترتدي خوذات بيضاء - كما يرتديها أيضا أعضاء منظمة «سوترا»، وهي واحدة من نقابات العمال هناك - وتراقب رجال الشرطة أثناء الإضرابات العمالية والاحتجاجات الشعبية وكذلك الحركات الطلابية. وهناك جماعة ثالثة أنشئت العام الماضي، وهي جماعة «مراقبون ومدافعون عن حقوق الإنسان»، ترتدي خوذات زرقاء شبيهة بتلك التي ترتديها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. كما قام طلاب كليات الحقوق الشهر الماضي بإنشاء جماعة رابعة للمراقبين، وهي الأخرى تقدم المساعدة القانونية إلى المحتجزين.

وقد جعلهم شهر أغسطس (آب) الجاري مشغولين تماما، حيث احتل الطلاب ما يزيد على 25 مدرسة عليا في سانتياغو وغيرها من المدن، كما استولوا على المبنى الرئيسي في «جامعة تشيلي»، وبدأوا إضرابا في ثماني جامعات أخرى على الأقل. وفي الأسبوع الماضي، دخلت مجموعة من طلاب المدارس العليا في إضراب عن الطعام، وقام آخرون بتقييد أنفسهم إلى المباني الحكومية واحتلال مكاتب منظمة اليونيسكو في سانتياغو. ويوم الخميس الماضي، تحركت مسيرة مكونة من 10 آلاف طالب من 14 نقطة مختلفة في العاصمة، وتم إلقاء القبض على نحو 140 طالبا. وقد امتنع مسؤولو الشرطة عن التعليق على عمل جماعات المراقبين.

وتقوم الجماعات بالتنسيق مع بعضها البعض على نحو مرن لتغطية مناطق أكبر وتنبيه بعضها البعض إلى البقع الساخنة غير الخاضعة للمراقبة، ولا يتجاوز إجمالي عدد المراقبين في هذه الجماعات بضع عشرات.

وقد اعتاد منظمو الاحتجاجات الآن على الاتصال بجماعات الخوذات مقدما، حيث تؤكد جيرمين تشاو (66 عاما)، وهي مفتشة في مجال تعليم الكبار تعمل مع جماعة «مراقبي حقوق الإنسان»: «إنهم يشعرون بقدر أكبر من الحماية إذا كنا هناك، على الرغم من أنهم يفهمون أن هناك حدودا لما يمكننا فعله».

ولكن على الرغم من تلك الحدود، فإن أفراد الخوذات أحيانا ما يتعرضون هم أنفسهم للاعتقال، حيث تعرض ماتياس سوتيلو، وهو طالب تمريض سابق يبلغ من العمر 23 عاما ومتطوع مع «جمعية الصليب الأحمر»، للاعتقال يوم 20 يوليو (تموز) الماضي وهو يساعد طالبا كان يعاني من ضيق في التنفس أثناء إحدى المسيرات. ويقول سوتيلو إنه تم ضربه ودفعه داخل إحدى عربات الشرطة مع 12 متظاهرا، ثم ألقي في الحجز الانفرادي لمدة 8 ساعات. وأضاف أن إلقاء القبض عليه وعلامة الصليب الأحمر المميزة الموجودة على خوذته الزرقاء، والتي ترمز إلى الإسعافات الأولية، أديا إلى طرده تماما من «جمعية الصليب الأحمر في تشيلي».

ويحرص أفراد الخوذات على تصوير ما يرونه، وتسجيل روايات شفهية مع المتظاهرين والشهود، وتدوين لوحات أرقام عربات الشرطة وأسماء الضباط الذين يقودون فرق الشرطة، ومتابعة كل من يتعرض للاعتقال، ومعظم هذه المعلومات يتم بثه فورا على شبكة الإنترنت من خلال رسائل على موقع «تويتر»، وهم يستمرون في عملهم حتى إطلاق سراح آخر معتقل لدى قوات الشرطة.

* خدمة «نيويورك تايمز»