مرسي لحلفاء دمشق:حان الوقت لرحيل نظام الأسد

الرئيس المصري يختتم زيارته للصين بعد توقيع اتفاقيات ثنائية بين البلدين

الرئيس المصري محمد مرسي يتلقى باقة ورد من طفلة صينية لدى وصوله إلى العاصمة بكين أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

قال الرئيس المصري محمد مرسي إن سياسته الخارجية ستقوم على التوازن، وطمأن إسرائيل إلى عدم المساس بمعاهدة السلام التي أبرمتها مع مصر، كما لمح إلى اتباع نهج جديد مع إيران، ودعا حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد إلى المساعدة في الضغط عليه حتى يتنحى. وقال الرئيس مرسي إنه «آن الأوان لكي يقف هذا النزيف، ولكي ينال الشعب السوري حقه كاملا، ولكي يذهب من المشهد هذا النظام الذي يقتل شعبه». وقال إن «الشعب المصري يقف بكل قوة مع الشعب السوري في هذه المحنة ويؤيد مطالب الشعب السوري في الحياة الديمقراطية الدستورية المستقرة». وتابع قائلا: «لم يعد هناك مجال الآن إلا لأن يحصل الشعب السوري على حريته وأن يقوم على أمر نفسه وأن يدير شأنه بنفسه». وقال مرسي في مقابلة مع «رويترز» وهي أول مقابلة يجريها مع وكالة أنباء عالمية منذ انتخابه رئيسا في يونيو (حزيران) الماضي بعد ترشحه عن جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة: «مصر الآن دولة مدنية بالمفهوم الذي أوضحناه قبل ذلك.. الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة». وأضاف مرسي الذي كان مهندسا وتعلم في الولايات المتحدة والذي بدا واثقا وحازما في قصره الرئاسي: «العلاقات الدولية بين كل الدول مفتوحة، والأصل في العلاقات الدولية هو التوازن. ونحن لسنا ضد أحد، ولكننا نحرص على تحقيق مصلحتنا في كل الاتجاهات، ولسنا أبدا طرفا في نزاع وإنما نريد أن نكون دائما طرفا في عملية متكاملة واستقرار للمنطقة وللعالم».

جرت المقابلة في غرفة مخصصة لاستقبال كبار الزوار، تحتوي على أثاث يعود للعهد الملكي وبها صور زيتية وزخارف على الجدران.

وتولى مرسي، (61 عاما)، السلطة بعد أن دفعت ثورة شعبية الرئيس السابق حسني مبارك للتنحي العام الماضي. وكان مبارك حليفا مخلصا للولايات المتحدة وضامنا لمعاهدة السلام التي أبرمتها مصر مع إسرائيل. ويشير تأكيد مرسي على التوازن إلى أنه يتطلع إلى دور موال للولايات المتحدة بشكل أقل وضوحا في المنطقة، لكنه يسعى أيضا لطمأنة الحلفاء التقليديين. وتصف جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي إسرائيل بأنها دولة عنصرية وتوسعية، لكن مرسي استقال من الجماعة لدى توليه السلطة وتجنب اللغة الرنانة في حديثه.

وأكد موقفه بأن مصر مستمرة في الالتزام بالمعاهدات الدولية ومن بينها اتفاقية السلام التي أبرمتها مع إسرائيل عام 1979. ودون أن يذكر إسرائيل بالاسم أشار إلى أنه ليس لديها ما تخشاه من حملة عسكرية جديدة أمر بها في شبه جزيرة سيناء، بعدما هاجم مسلحون موقعا حدوديا مصريا وقتلوا 16 جنديا وحاولوا عبور الحدود ومهاجمة إسرائيل. وقال الرئيس المصري: «مصر تمارس دورها الطبيعي جدا على أرضها ولا تهدد أحدا. ولا ينبغي أبدا أن يكون هناك أي نوع من أنواع القلق الدولي أو الإقليمي من وجود قوات للأمن المصري»، مشيرا إلى انتقال قوات شرطة وجيش إضافية إلى المنطقة. وأضاف أن الحملة العسكرية التي تقوم بها مصر في سيناء تتم «باحترام كامل لكل الاتفاقيات الدولية»، وتفرض معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية قيودا على انتشار قوات الجيش المصري في سيناء. وعبر مسؤولون في إسرائيل عن قلقهم من تعزيز المدفعية الثقيلة المصرية في سيناء للقضاء على المتشددين. ولم يقل مرسي ما إذا كان سيقابل مسؤولين إسرائيليين. وكان مبارك يستقبل كبار المسؤولين الإسرائيليين بانتظام إلا أنه زار إسرائيل مرة واحدة لحضور جنازة.

وفي مسعى لتعزيز دور مصر في الشؤون الإقليمية، دعا مرسي إلى الحوار بين مصر والسعودية وتركيا وإيران لإيجاد طريقة لوقف نزيف الدم في سوريا. ورحبت إيران - الدولة الوحيدة في هذه المجموعة التي تناصر الأسد - بالمبادرة.

ووجه مرسي أثناء المقابلة دعوة قوية على نحو خاص للأسد لترك السلطة، الأمر الذي يشير إلى استعداده للعب دور قوي في الشؤون الإقليمية.

وقال مرسي: «آن الأوان لكي يقف هذا النزيف، ولكي ينال الشعب السوري حقه كاملا، ولكي يذهب من المشهد هذا النظام الذي يقتل شعبه».

وأضاف: «ليس لدينا مجال أن نتحدث عن طرفين أو عن حوار بين الطرفين أو إصلاح، إنما نتحدث لدعم إرادة الشعب السوري بضرورة التغيير وبضرورة رحيل هذا النظام عن الشعب السوري».

وذكر مرسي الذي بدأ زيارة للصين، أن مصر أعلنت من قبل عدة مرات أن «الأصدقاء للشعب السوري في الصين أو في روسيا أو في غيرها من الدول» يجب أن يدعموا الشعب السوري، لكنه أكد أنه يرفض التدخل العسكري في سوريا بكل أشكاله.

وفي زيارة قد تصبح مؤشرا مهما على تغير يطرأ في المنطقة، سيتوجه مرسي إلى إيران هذا الأسبوع، في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. وانقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين آنذاك بسبب دعم مصر لشاه إيران وبسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، ولم تعد العلاقات لسابق عهدها منذ ذلك الحين. ورسميا، يزور مرسي إيران لحضور مؤتمر حركة عدم الانحياز التي تضم 120 عضوا. ولم يتطرق بشكل محدد إلى ما إذا كانت مصر ستستأنف علاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع إيران. وردا على سؤال حول ما إذا كان يرى تهديدا في إيران التي يثير برنامجها النووي مخاوف في الغرب وتهديدات من إسرائيل بشن ضربة عسكرية ضدها، قال مرسي: «نرى أن كل دول المنطقة في حاجة إلى الاستقرار وإلى التعايش السلمي مع بعضها البعض. وهذا لا يكون بالحروب، وإنما يكون بالعمل السياسي والعمل الحر والعلاقات المتميزة بين الدول في المنطقة». وبعد إيران، يزور مرسي الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول). وتمنح واشنطن مصر مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار.

وردا على سؤال بشأن تأثير نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة على العلاقات مع مصر، قال مرسي: «نحن نتعامل مع الولايات المتحدة كمؤسسة وليس كأشخاص. الولايات المتحدة الأميركية مؤسسة مستقرة». واجه مرسي انتقادات في مستهل فترته الرئاسية، إذ رأى فيه البعض موظفا في جماعة الإخوان أكثر منه رجل دولة منتظرا. وعزز قرار اتخذه يوم 12 أغسطس (آب) بإحالة كبار قادة الجيش إلى التقاعد من سلطته بشكل أسرع بكثير مما توقع البعض. وصعود مرسي إلى سدة الرئاسة ليس فقط تحولا بالنسبة لمصر، ولكن للرئيس نفسه الذي خرج من قرية فقيرة في دلتا النيل ليواصل دراسته في كاليفورنيا قبل أن ينضم إلى جماعة الإخوان. ومثل الكثيرين من «الإخوان»، سجن مرسي لفترات أيام حكم مبارك قبل أن يتبادل الرجلان الأماكن، حيث يقبع مبارك، (84 عاما)، الآن في مستشفى سجن طرة.

وأثنى مرسي في المقابلة على دور القوات المسلحة في الفترة الانتقالية ووصفها بأنها جزء من النسيج الوطني.

ويخشى ليبراليون من أن يؤدي صعود مرسي و«الإخوان» إلى فرض أحكام الشريعة الإسلامية في مصر، حيث يتخوفون من فرض قيود اجتماعية في بلد يمثل المسيحيون عشر عدد سكانه البالغ 82 مليون نسمة، ويزور السائحون شواطئه وآثاره الفرعونية وتعتبر السياحة موردا حيويا للدخل.

وقال مرسي: «الآن، الحركة السياحية تجاه مصر تتزايد». وأضاف أن السياحة ستكون أفضل مما كانت عليه. وردا على سؤال حول ما إذا كان الدستور الجديد الذي تكتبه جمعية تأسيسية حاليا قبل أن يعرض على الشعب للاستفتاء سيطبق الشريعة الإسلامية، قال مرسي: «الدستور المصري سوف يعبر عن الشعب المصري. وما يقرره الشعب المصري في الدستور هو الذي سيطبقه رئيس مصر وتطبقه الإدارة المصرية».

الى ذلك يختتم اليوم (الأربعاء) الرئيس المصري محمد مرسي زيارته الأولى إلى الصين، والتي بدأها أول من أمس، ثم يتوجه غدا إلى إيران. وكان في استقبال الرئيس المصري لدى وصوله إلى بكين أمس، الرئيس الصيني هو جينتاو. وجرت مراسم استقبال رسمية لمرسي بقاعة الشعب الكبرى بوسط العاصمة الصينية أعقبها جلسة مباحثات ثنائية جمعت مرسي بنظيره الصيني، يأتي هذا في الوقت الذي ثار فيه جدل في الداخل بعد الإعلان عن الفريق الرئاسي المعاون للرئيس.

وأكد الرئيسان المصري والصيني خلال جلسة المباحثات على ضرورة تعزيز وتعميق علاقات التعاون المشترك بين البلدين، وقال مرسي في كلمة له خلال المباحثات الموسعة إن الشعب المصري في مرحلة جديدة من النهضة والبناء والتنمية ويسعى للتواصل مع الجميع، من جانبه أكد الرئيس الصيني أن الزيارة فرصة لتبادل وجهات النظر حول سبل تنمية وتعزيز العلاقات الثنائية وبحث كل القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وشهد الرئيسان عقب جلسة المباحثات، توقيع عدة اتفاقات ثنائية شملت مجالات التعاون المشترك الاقتصادية والتجارية ودفع الاستثمارات المشتركة بين البلدين، وتضمنت الاتفاقات التي تم توقيعها بين الجانبين، تقديم الصين منحة لا ترد بقيمة تبلغ 450 مليون يوان صيني (71 مليون دولار) لإقامة مشاريع مشتركة في مجالات البنية التحتية والكهرباء والبيئة، واصطحب مرسي خلال الزيارة عددا من الوزراء والمسؤولين المصريين بالإضافة إلى وفد كبير ضم 80 رجل أعمال من مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية، حيث وقع الطرفان المصري والصيني عددا من الاتفاقيات في المجالات الأمنية والسياحية والصناعية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما شملت الاتفاقات مجالي البحث العلمي والاتصالات.

ومن المقرر أن يلتقي مرسى اليوم (الأربعاء) عددا من المسؤولين الصينيين من بينهم نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء ون جيا باو، ثم يلتقي عددا من أبناء الجالية المصرية في الصين قبل أن يزور المنطقة التكنولوجية المتقدمة في بكين.

ويغادر مرسي الصين فجر غد (الخميس) متوجها إلى طهران للمشاركة في الجلسة الافتتاحية لقمة دول عدم الانحياز التي تستضيفها إيران حيث يلقي كلمة مصر أمام القمة ويسلم رئاستها إلى إيران قبل أن يعود لأرض الوطن، واعتبرت وكالة الأنباء الصين الرسمية أن زيارة مرسي ستفتح آفاقا اقتصادية جديدة في التعاون بين البلدين.

ويقول السفير السيد إبراهيم شلبي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن العلاقات المصرية - الصينية وطيدة منذ زمن وإن الرئيس المصري السابق زار الصين 9 مرات وإن زيارة مرسي لا تعتبر تحولا في السياسة الخارجية المصرية كما يدعي البعض، وأضاف شلبي: «التوجه نحو الشرق والصين ليس جديدا على السياسة الخارجية المصرية ولكن المأمول من هذه الزيارة هو أن يتم تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في هذه الزيارات وأن تفتح البيروقراطية المصرية أبواب البلاد أمام الاستثمارات الصينية وأن يزيد حجم التبادل التجاري وأن تسعى الحكومة المصرية لإصلاح عجز الميزان التجاري بينها وبين الصين». وتصدر مصر إلى الصين بضائع تبلغ قيمتها الإجمالية 1.5 مليار دولار، لكنها تستورد منتجات بقيمة إجمالية تبلغ 7.5 مليار دولار من الصين، كما أن العجز في الميزان التجاري لصالح الصين بواقع 6.5 مليار دولار.

وتابع شلبي لـ«الشرق الأوسط»: «أيضا الزيارة لها أهداف سياسية خاصة قبيل زيارة الرئيس مرسي لطهران ما يدل على تنوع توجهات الخارجية المصرية والتطرق لأوضاع إقليمية بينها الأوضاع في سوريا»، وقال مرسي قبل ذهابه إلى بكين إن الشعب السوري يجب أن يحصل على حريته، وأضاف مرسي لوكالة رويترز إن مصر ضد أي عمل عسكري في سوريا ولكنها دعت لتكوين مجموعة عمل دولية لحل الأزمة السورية.