محاولة لإنهاء الصراع المستمر منذ نحو نصف قرن في كولومبيا

مانويل يسعى لسلام طموح مع القوات الثورية.. ويواجه مقاومة داخلية شرسة

القوات الثورية تلقت ضربات موجعة قبل أن تصعد من عملياتها («واشنطن بوست»)
TT

أعلن الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس يوم الاثنين الماضي أن حكومته تجري «محادثات استكشافية» مع متمردي القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) في محاولة لإنهاء الصراع المرير الذي استمر لنحو نصف قرن من الزمان.

وجاءت الكلمة المتلفزة القصيرة التي ألقاها سانتوس لتؤكد الشائعات المتنامية بوجود مباحثات في كوبا بين ممثلي حكومته ومتمردي القوات المسلحة الثورية الكولومبية، حسب تقرير لـ«واشنطن بوست» نقلا عن وكالة «أسوشييتد برس».

ولم يعلن سانتوس عن أية تفاصيل تتعلق بالمحادثات، مثل توقيت ومكان انعقادها والشخصيات المشاركة فيها وطبيعة النقاط التي طرحت للنقاش. وقال الرئيس الكولومبي: «سوف يتم الإعلان خلال الأيام المقبلة عن نتيجة المحادثات مع (فارك)». وكانت حكومة سانتوس قد قامت بتمرير قانون بالبرلمان في يونيو (حزيران) الماضي من شأنه أن يمنح العفو العام لقادة «فارك».

وكانت «فارك»، التي تضم نحو 9.000 مقاتل، قد تلقت ضربات موجعة خلال الفترة بين عامي 2000 و2010، قبل أن تصعد من عمليات الكر والفر في الآونة الأخيرة، بما في ذلك تخريب منشآت التعدين والنفط والفحم. ويوم الأحد الماضي، أدى انفجار سيارة ملغومة في منطقة ريفية بجنوب شرقي ولاية ميتا إلى مصرع ستة أشخاص، بينهم طفلان.

وقال سانتوس إن العمليات العسكرية سوف تستمر «على كل سنتيمتر من التراب الوطني» مهما كانت النتائج التي تصل إليها المحادثات.

وكان هذا البيان بمثابة إشارة واضحة إلى الحوار الأخير الذي عقد مع «فارك» عندما تنازلت الحكومة عن جزء من جنوب كولومبيا بمساحة سويسرا تقريبا للمتمردين خلال الفترة بين عامي 1999 و2002، ثم انهارت جهود المصالحة، حيث استمر المقاتلون في شن هجمات في جميع أنحاء البلاد على قوات الأمن واختطاف السياسيين والاتجار في المخدرات.

وقال سانتوس: «سوف نتعلم من أخطاء الماضي حتى لا نكررها مرة أخرى».

وجاء البيان الذي أدلى به سانتوس في أعقاب التقرير الذي بثته شبكة «تيليسور» التلفزيونية الفنزويلية يوم الاثنين الماضي التي أشارت فيه إلى أن كولومبيا قد وقعت اتفاقا في العاصمة الكوبية هافانا في وقت سابق من ذلك اليوم بهدف الدخول في مباحثات السلام في العاصمة النرويجية أوسلو بداية من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

ولم يتم تأكيد أو نفي هذا التقرير من قبل المسؤولين الكولومبيين.

وقد تعرض سانتوس لانتقادات لاذعة من سلفه المحافظ ألفارو أوريبي بسبب مبادرات السلام التي قدمها لـ«فارك». وكان سانتوس، الذي يبلغ من العمر 61 عاما وسليل إحدى العائلات الصحافية العريقة، يشغل منصب وزير الدفاع خلال الفترة بين عامي 2006 و2009 عندما كان أوريبي رئيسا للبلاد، ثم فاز في الانتخابات الرئاسية عام 2010 بأغلبية ساحقة.

وخلال الأسابيع الأخيرة، أعلن أوريبي عن معارضته الشديدة للمحادثات بين سانتوس و«فارك». وفي حديثه لمؤيديه يوم الاثنين الماضي عقب إعلان سانتوس عن الدخول في مفاوضات مع «فارك»، قال أوريبي: «ما الذي نتفاوض من أجله؟»، محذرا من أن تلك المفاوضات سوف تنتهي بوضع ضباط الجيش في المعتقلات ووصول المتمردين إلى البرلمان.

وأشار سانتوس في خطابه أيضا إلى أن جيش التحرير الوطني (إلن)، ثاني أكبر جماعة متمردة في كولومبيا، قد أعرب عن رغبته في المشاركة في محادثات السلام، مضيفا: «قد يصبح جزءا من هذه الجهود لإنهاء الصراع».

يذكر أن «إلن» تضم ما لا يزيد على 3000 مقاتل، وقد صعدت في الآونة الأخيرة من الهجمات وعمليات الاختطاف التي تقوم بها. وقد دخلت «إلن»، شأنها في ذلك شأن «فارك»، في سلسلة من محادثات السلام الفاشلة مع الحكومة. وتعمل كل من «فارك» و«إلن» من الأراضي الكولومبية، فضلا عن بعض المواقع في الدول المجاورة مثل فنزويلا.

وكان المسؤولون الكولومبيون قد اتهموا الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بإيواء المتمردين الكولومبيين، كما صرحت الولايات المتحدة بأن مسؤولين عسكريين بارزين من فنزويلا قد سلحوا متمردي «فارك» وساعدوهم على الاتجار في الكوكايين.

ويسعى سانتوس، وهو شخصية اشتراكية تقدمية، إلى تهيئة الظروف للسلام من خلال برنامج طموح لإعادة الأرض التي سيطرت عليها ميليشيات اليمين المتطرف إلى النازحين الكولومبيين الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف، ولكنه يواجه مقاومة شرسة من ريف كولومبيا، الذي توجد به العصابات الإجرامية اليمينية بقوة، على الرغم من اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه خلال ولاية أوريبي الأولى والذي يقضي بتنازل تلك العصابات عن أسلحتها.

وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في الآونة الأخيرة أن شعبية سانتوس قد انخفضت من 64 في المائة في شهر أبريل (نيسان) الماضي إلى 48 في المائة في شهر يونيو الماضي.

وقوبلت تصريحات سانتوس بترحيب واسع من قبل المحللين، ولكنهم شددوا على وجود مجموعة كبيرة من العقبات الهائلة التي تقف في طريق اتفاق السلام مع «فارك»، بداء من قدرة الحكومة على ضمان سلامة المتمردين الذين سيتخلون عن أسلحتهم. وكانت هناك محاولة جادة للوصول إلى اتفاق سلام مع «فارك» في الثمانينات من القرن الماضي، ولكنها فشلت بسبب المذابح الكبيرة التي ترتكبها فرق الموت اليمينية التي يقدر عدد أعضائها بـ5000 مقاتل والذين قرروا التخلي عن أسلحتهم ودخول المعترك السياسي.