دعوات للمعارضة السورية بـ«التأني» قبل الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية

البيت الأبيض: الإليزيه لم ينسق مع الدول الأخرى.. ومصادر فرنسية: هولاند حسم خياره نحو «السبق السياسي»

عمرو العظم أحد اعضاء تيار التغيير الوطني يعرض خطة «اليوم التالي» لمرحلة ما بعد الاسد في برلين أمس (أ.ف.ب)
TT

استقبلت معظم الدوائر الدبلوماسية الغربية تصريحات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي أوضح خلالها استعداد بلاده للاعتراف بحكومة مؤقتة تشكلها المعارضة السورية بحيث تصبح الممثل الشرعي الجديد لسوريا بحذر بالغ، فيما دعت في أغلبها المعارضة السورية للتمهل والتأني وتنظيم صفوفها جيدا قبل الإعلان عن تشكيل مثل تلك الحكومة.

وصرح مسؤولون أميركيون أن تصريحات هولاند تعد سابقة لأوانها، حيث ترى الإدارة الأميركية أن المعارضة السورية ممزقة وغير قادرة على تشكيل حكومة بديلة. وأشار مسؤولون بالبيت الأبيض إلى أن الإليزيه لم ينسق مع الدول الأخرى، التي تعمل لإيجاد حل سياسي للحرب الأهلية الدائرة في سوريا، قبل الخروج بهذه التصريحات، وأن الولايات المتحدة لن تكرر مقترحات الرئيس الفرنسي خلال المدى القريب.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند «نعمل مع المعارضة السورية منذ وقت حول تخطيطها لحكومة انتقالية، وقد دعونا إلى القيام بتنسيق أفضل لعمل السوريين خارج سوريا وداخلها واعتماد خطة انتقال سياسي مطروحة بالفعل منذ الثالث من يوليو (تموز)». وأضافت: «إنهم يستمرون في التشاور بين بعضهم البعض، والأكثر أهمية أنه مع المضي قدما أن تقوم المعارضة خارج سوريا وداخلها بالتعاون والتنسيق فيما يتعلق بشكل سوريا التي يرغبون في رؤيتها، والشكل الانتقالي الذي يريدونه والزعماء الذين يرونهم».

وحول مدى قرب المعارضة السورية من نقطة يمكن عندها الحديث عن تشكيل حكومة مؤقتة قالت نولاند إن «هذا القرار يعود إلى السوريين أنفسهم وما يهم هو أن يعكس ذلك آراء الشعب السوري، وأن يكون شيئا يجري التشاور حوله بشكل واسع النطاق بين جميع الجماعات في سوريا، وأن تكون ممثلة على نطاق واسع لمختلف الخلفيات والعرقيات وأجزاء الدولة، وأن تجسد الأهداف الموجودة في مدونة قواعد السلوك وهي احترام حقوق الإنسان ودفع المسار الديمقراطي إلى الأمام».

وحول إعلان الرئيس الفرنسي باعتراف باريس بحكومة انتقالية سورية فور تشكيلها، أكدت نولاند أن أول شيء يجب على المعارضة السورية القيام به هو الاتفاق على ما يجب أن يشبه انتقالا سياسيا، وقالت: «على هؤلاء المعارضين أن يقرروا الوقت الذي سيكونون فيه على استعداد للبدء في اختيار أشخاص للحكومة المقبلة».

وأوضحت نولاند أن فرنسا تتولى رئاسة مجلس الأمن خلال الدورة الحالية، وأنهم سيناقشون الوضع الإنساني عند الحدود السورية واعتبرت نولاند اجتماع مجلس الأمن يوم الخميس فرصة جيدة لتوسيع نطاق ما يقومون به والقيام بتنسيق أفضل في محاولة لتوسيع نطاق مجموعة الدول التي تستجيب لنداء الأمم المتحدة ونداء تركيا والأردن.

وعلى الجانب الآخر، تشير المصادر الفرنسية إلى أن ثمة رأيين يتنازعان الدبلوماسية الفرنسية: الأول، الذي اعتمده الرئيس هولاند، وهو يدعو المعارضة السورية للتعجيل بتشكيل حكومة انتقالية «جامعة وتتمتع بصفة التمثيلية» مع الاستعداد للاعتراف بها فور تشكيلها. والثاني يرى أن خطوة كهذه «متعجلة» وتحتاج قبل الوصول إليها إلى الكثير من العمل بين أطراف المعارضة ومعها، من أجل التغلب على النزاعات الداخلية التي تعاني منها والاتفاق على برنامج واضح للمرحلة الانتقالية ولما بعدها.

وحسم هولاند الموقف الفرنسي لصالح الرأي الأول وبذلك يكون قد قطع خطوة متقدمة وسباقة على المستوى السياسي في طريقة التعامل مع الأزمة السورية.

وترى مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن كلام الرئيس الفرنسي يأتي «امتدادا» لما كان صدر عن وزير الخارجية لوران فابيوس منذ أكثر من شهر عندما حث المعارضة على تشكيل الحكومة، ولكن من غير الإعلان عن الاستعداد للاعتراف بها. وبرأي هذه المصادر، فإن دعوة هولاند تشكل عملية ضغط مزدوجة: على المعارضة من جهة من أجل أن تكتم نزاعاتها وتشكل قاعدة مشتركة للعمل السياسي مع إعطائها وعدا بمنحها الشرعية عن طريق الاعتراف الدولي بها، والثاني على النظام السوري الذي سيفقد بذلك شرعيته الدولية بحيث تزداد عزلته السياسية والدبلوماسية ما سيضاف إلى العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية المفروضة عليه.

وتعتبر هذه المصادر أيضا أن الخطوة الفرنسية، في حال قامت حكومة المعارضة الانتقالية، ستكون حافزا للكثير من الدول الغربية والعربية ولتلك التي شاركت في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في باريس أوائل يوليو الماضي إلى الاحتذاء بها، ما يعني أن العشرات من الدول ستعترف بشرعية الحكومة المؤقتة على غرار ما حصل في حالة ليبيا مع المجلس الوطني الانتقالي.

وتترافق هذه الخطوة، من جهة، مع اتجاه الكثير من الدول الغربية عن عزمها على زيادة مساعدتها للمعارضة السورية المسلحة رغم أنها امتنعت «رسميا» حتى الآن عن تقديم المساعدات العسكرية لها، ومن جهة أخرى مع البحث عن إقامة مناطق آمنة داخل الأراضي السورية، فضلا عن إنشاء منطقة حظر جوي «جزئيا» لحماية هذه المناطق.

وتعترف المصادر الفرنسية بصعوبة التوفيق بين أجنحة المعارضة في الداخل والخارج والعسكرية والسياسية المنقسمة بشدة على نفسها ودفعها إلى التفاهم على برنامج حكومة مؤقتة وتوزيع الصلاحيات فيها للمكونات السياسية والإثنية والطائفية، علما بأن باريس كانت قد جعلت من المجلس الوطني السوري محاورها الأول وسعت خلال أشهر طويلة لتوفير الصفة التمثيلية له عبر مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري. غير أنها في الفترة الأخيرة انفتحت على التيارات الأخرى وعلى الشخصيات التي نجحت في الخروج من سوريا وتحديدا العميد المنشق مناف طلاس. وتفيد معلومات متطابقة أن المخابرات الفرنسية هي التي نجحت في إخراج طلاس من سوريا عبر البوابة اللبنانية. وكان وزير الخارجية الفرنسية أول من أعلن توجه طلاس إلى باريس التي يتنقل بينها وبين بلدان الخليج وتركيا.

وترفض المصادر الفرنسية الخوض في الأسماء المتوقعة للحكومة السورية المأمولة، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «تريد أن تترك للسوريين مسؤولية تشكيل حكومتهم الانتقالية» لأن فرنسا «لا تريد أن تحل مكانهم». لكن باريس تضع بعض «المواصفات» لمثل هذه الحكومة وتريد منها أن تكون ضامنة لحقوق الأقليات والمكونات السورية على مختلف تنوعاتها، فضلا عن حقوق الإنسان واللعبة الديمقراطية بحيث إن انتخابات عامة يجب أن تفضي إلى حكومة منتخبة تتولى كتابة دستور جديد مع ما يستتبع ذلك من إجراءات.. ولا تستبعد باريس أن يحصل تعاون مع أشخاص من نظام الأسد، وهو ما لا يستبعده أيضا المجلس الوطني السوري.

من جهته، لم يبد الاتحاد الأوروبي أمس رد فعل واضحا حيال المقترح الفرنسي، وقال متحدث باسم الممثلة العليا للسياسة الأمنية والشؤون الخارجية بالاتحاد كاثرين أشتون: «قلنا دائما إن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بدول أو حكومات، فهذا شأن ثنائي للدول الأعضاء في الاتحاد».

وبصورة غير مباشرة، أشاد وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي بالخطة التي أعلنها معارضون سوريون في ألمانيا أمس حول فترة ما بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد.. ووصف الخطة التي حملت اسم «اليوم التالي» لرسم معالم المرحلة الانتقالية بعد الأسد بأنها «إشارة مشجعة للغاية». وقال فسترفيلي، بحسب وكالة الأنباء الألمانية، إن ما جاء في الخطة يعد «أفكارا مهمة لبداية ديمقراطية جديدة».