جمعية بريطانية في شوارع الهند لإنقاذ الأطفال المشردين

تقدم المساعدة لنحو 50 ألف طفل في العام بميزانية تقدر بـ4.4 مليون دولار

جمعيات خيرية بريطانية تدعم أطفال الهند (واشنطن بوست)
TT

قبل شهر تقريبا، ركض مادان بهادور (13 عاما)، واثنان من أصدقائه بعيدا عن قريتهم الفقيرة في نيبال، والتي تقع بالقرب من الحدود مع الهند، واستقلوا القطار المتوجه إلى لكنو، العاصمة التاريخية لولاية أتار برادش الواقعة شمال شرقي الهند.

يقول مادان: «كنت أعتقد أن لكنو ستكون أفضل حالا، وإنني سوف أتمكن من العثور على فرصة عمل جيدة هناك».

ومع وصول الثلاثي إلى «محطة سكك حديد شارباغ» الصاخبة في مدينة لكنو منذ خمس سنوات، كان من المحتمل للغاية أن يقعوا فريسة في أيدي العصابات التي قد تجبرهم على بيع المياه أو تجميع الزجاجات الفارغة مقابل الحصول على الطعام والحماية، أو يتحولون إلى شم الغراء أو حتى ارتكاب جرائم أكثر بشاعة أو إدمان المخدرات.

ولكن مصير هؤلاء الأطفال الذين وصلوا إلى «محطة سكك حديد شارباغ» من دون رفقة ذويهم قد تغير بصورة جذرية بسبب العمل الذي تقوم به جمعية «ريال واي تشلدرن»، وهي جمعية خيرية يقع مقرها في بريطانيا وتسعى لمنع استغلال الأطفال الهاربين من منازلهم أو غيرهم من الشباب الضعفاء أو إساءة معاملتهم في الشوارع. وفي مدينة لكنو، قامت منظمة «إحساس» غير الهادفة للربح، التي تتلقى التمويل والدعم من جمعية «ريال واي تشلدرن»، بالتعاون مع مسؤولي السكك الحديدية والشرطة والبائعة الجائلين والحمالين لعمل نظام جديد لتحديد ومساعدة الأطفال الذين يصلون إلى محطات السكك الحديدية من دون رفقة ذويهم. وبعد ساعات قليلة من وصول مادان وأصدقائه إلى المحطة، قام أحد العاملين في مجال التوعية المجتمعية في منظمة «إحساس» باصطحابهم إلى أحد مراكز المنظمة للحصول على طعام ومكان آمن للنوم. قام المستشارون المدربون في المنظمة بالاجتماع بهؤلاء الأطفال لحثهم على التفكير مليا في مستقبلهم والبدء في عملية البحث عن أسرهم في نيبال.

وبعد عقد الكثير من جلسات المشورة على مدى أسابيع قليلة، قرر هؤلاء الأطفال العودة إلى ديارهم، ثم جاء أولياء أمورهم في عطلة نهاية الأسبوع الماضي لتسلمهم. تقول أشميتا، وهي والدة مادان التي كانت متأثرة للغاية بعد لم شملها مع ابنها: «لم أكن أدري هل ذهب إلى الهند أم أنه لم يعد له وجود في هذا العالم». تعمل جمعية «ريال واي تشلدرن» مع بعض الشركاء والحكومة الهندية على تكرار المبادرة التي تم إطلاقها في شارباغ، والتي باتت تسمى رسميا أول محطة سكة حديد صديقة للأطفال في الهند، في شتى أنحاء البلاد. تم تأسيس هذه الجمعية الخيرية في عام 1995 من قبل ديفيد مايدمنت، الذي كان وقتها يشغل منصب مدير إدارة السلامة في شركة السكك الحديدية الإنجليزية. وبعد أن طبعت في ذاكرته واقعة الفتاة تبلغ من العمر 7 أعوام، والتي كانت تقوم بجلد نفسها خارج محطة «فيكتوريا تيرمينوس» في مومباي، بدأ مايدمنت في البحث في مشكلة أطفال الشوارع. وبينما تقوم الكثير من المؤسسات الخيرية بتقديم الخدمات لأطفال الشوارع، تركز القليل منها على التدخل في حياة الأطفال الهاربين من المنازل في المراحل الأولى من رحلتهم، مثلما تفعل جمعية «ريال واي تشلدرن».

تقول تيرينا كين، الرئيس التنفيذي للجمعية: «تحاول كل المنظمات إعادة دمج الأطفال الذي قضوا أوقاتا طويلة في الشوارع. لا تقوم أي من هذه المنظمات بتخصيص جزء من وقتها وجهدها للتركيز الحقيقي على التدخل المبكر في حياة هؤلاء الأطفال بمجرد أن يصلوا إلى الشوارع». تعمل اليوم هذه الجمعية الخيرية في الهند وشرق أفريقيا وبريطانيا وتقدم المساعدة لنحو 50 ألف طفل في العام بميزانية تقدر بـ4.4 مليون دولار. تركز الجمعية كثيرا من جهودها على نقاط العبور والعثور على الأشخاص الهاربين من ديارهم حديثا ومحاولة لم شملهم مع أسرهم أو توفير رعاية بديلة عندما يصبح لم الشمل أمرا غير ممكن أو عندما يكون هؤلاء الأطفال معرضين لخطر المعاملة السيئة في منازلهم.

وفي الهند، ينصب تركيز الجمعية الخيرية على محطات القطار، وتعطي أهمية خاصة للسكك الحديدية الهندية، وهو ما يرجع إلى كونها نظام النقل الجماعي الوطني في البلاد، فضلا عن أن الكثيرين من هؤلاء الأطفال الذين يستقلون القطار متجهين صوب المدن الكبرى لا يتجاوزون محطات السكك الحديدية أبدا.

وبحسب تقديرات جمعية «ريال واي تشلدرن»، هناك نحو 112 ألفا من هؤلاء الأطفال يعيشون في 60 محطة قطار كبرى في الهند ويكسبون قوت يومهم من خلال بعض الأعمال الصغيرة، والتي عادة ما يتم تنظيمها من قبل العصابات التي يديرها بعض الشباب الذين ربوا أنفسهم في الشوارع.

وفي معظم محطات القطارات، عادة ما تنظر السلطات إلى هؤلاء الشباب على أنهم «مصدر للإزعاج» يجب تجاهله، إلا عندما تأتي كبار الشخصيات إلى هذه المحطات، حيث يتم طرد الأطفال لفترة وجيزة. ولكن في محطة شارباغ، تلقى المسؤولون والشرطة والباعة الجائلون التدريب اللازم للنظر إلى هؤلاء الأطفال على أنهم ضعفاء ويستحقون الرعاية، في الوقت الذي تم فيه طرد العصابات، بصورة كبيرة، من محطات القطار.

ومنذ شهر يناير (كانون الثاني) عام 2010، قامت قوات الشرطة في محطة شارباغ بتسليم نحو 1.200 من هؤلاء الأطفال الذين يصلون إلى المحطة من دون رفقة أهاليهم إلى منظمة «إحساس» وغيرها الكثير من المنظمات الخيرية المحلية التي تهتم بهؤلاء الأطفال. يساعد مستشارو المنظمة الأطفال في التفكير مليا في مستقبلهم على المدى البعيد. تستغرق هذه العملية الكثير من الوقت، حيث يشعر الكثير من هؤلاء الأطفال بالتردد في البداية في الإفصاح عن أسرارهم الشخصية.

نشأ سانوج كومار، أحد العاملين في مجال التوعية المجتمعية في منظمة «إحساس»، في محطة شارباغ بعد أن توفي والداه، وشهد عن قرب مدى التأثير الذي قد تسببه المخدرات والعنف على الأطفال الذين يعيشون في الشوارع. وفي صباح يوم السبت، قام كومار برصد أحد هؤلاء الأطفال الهاربين في المحطة. لم يكن موكيش شاة، الذي يبلغ من العمر 12 عاما، والذي كان يرتدي قميصا قذرا كريمي اللون وسروالا رياضيا ونعلا مطاطيا رخيص الثمن، يمتلك أي شيء سوى تذكرة قطار إلى مدينة نيودلهي في هذه الليلة.

أكد الطفل أن والدته قامت بإرساله إلى العاصمة الهندية نيودلهي للانضمام إلى شقيقه الأكبر، والذي كان من المفترض أن يكون موجودا في محطة القطار لاستقباله، ولكنه لم يكن لديه رقم الهاتف الجوال الخاص بشقيقه. وبخلاف ذلك، كان الصمت التام هو الإجابة الوحيدة التي يرد بها موكيش على جميع الأسئلة الأخرى.

وفي نهاية المطاف، تمكن كومار من إقناع الطفل بزيارة أحد مراكز منظمة «إحساس»، مؤكدا له أنه يستطيع المغادرة وقتما يشاء. وعندما دخل إلى المركز، أكد الطفل للمستشار أنه افترق عن أحد جيرانه الذي كان سيأخذه للعمل في ولاية جوجارات، التي تقع غرب البلاد، ولكنه أصر بعد ذلك على أن والدته أرسلته للإقامة مع شقيقه الذي يعيش في نيودلهي.

وفي مساء ذلك اليوم، كان لا يزال من الصعب للغاية معرفة حقيقة حكاية موكيش، ولكنه قام بإلغاء تذكرة القطار التي كانت في حوزته واختار البقاء في المركز. وبعد أن ارتسمت البسمة على شفاهه للمرة الأولى في ذلك اليوم، قال موكيش: «قررت البقاء هنا في الوقت الحالي، فأنا أستطيع المغادرة في أي وقت لمقابلة شقيقي في وقت لاحق».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»