باريس: الرد الدولي سيكون «فوريا وصاعقا» إذا استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية

مصادر فرنسية رسمية: هذه هي الأسباب الحقيقية لـ«برودة وتردد» واشنطن إزاء الأزمة السورية

طفل سوري ينتظر على باب مخبز في مدينة حلب على أمل الحصول على خبز لأسرته (رويترز)
TT

لم يأت اجتماع مجلس الأمن الدولي على المستوى الوزاري الذي دعت إليه وراسته فرنسا بأكثر مما هو متوقع منه. والسبب الظاهر «والمفهوم» يقول إن معارضة روسيا والصين عطلت القرارات التي كان يريد الغربيون والكثير من الدول العربية والدول الأخرى الحصول عليها في نيويورك ومنها إقامة منطقة حظر جوي أو مناطق آمنة أو ممرات إنسانية وخلافها.

غير أن ما لا يركز عليه هو وجود «تمايز» في الرؤية إلى ما يتعين القيام به في سوريا بين الدول الغربية نفسها الموجودة في مجلس الأمن أو خارجه. ولعل أبرز تجل لهذا التمايز أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لم تحضر الاجتماع الوزاري الذي أعلنت باريس عن تاريخ عقده قبل أكثر من أسبوعين. وإذا كان المتعارف عليه أن اقتراب الانتخابات الأميركية يشغل إدارة الرئيس أوباما ويمنعها بالتالي من القيام بمبادرات قوية، غير أن هناك أسبابا أخرى بقيت حتى الآن في الظل وكشفت عنها مصادر رسمية فرنسية تتابع عن كثب تطورات السياسة الأميركية من الأزمة السورية وخلفياتها.

تقول المصادر الفرنسية رفيعة المستوى إن «الطابع العام» لسياسة واشنطن يتميز بـ«البرودة والتردد» باستثناء الموقف «القوي» الذي أعلنه الرئيس أوباما والذي نبه فيه النظام السوري من أي استخدام للأسلحة الكيماوية أو التهديد باستعمالها «سيغير قواعد اللعبة» وسيدفع الولايات المتحدة الأميركية للتحرك، الأمر الذي جاراه فيه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في خطابه أمام السفراء الاثنين الماضي في قصر الإليزيه وما كرره الوزير فابيوس في حديث إذاعي صباح أمس. وقال فابيوس إن الرد الدولي سيكون «فوريا وصاعقا» وإن بلاده تعتبر الرئيس السوري بشار الأسد «مسؤولا» عن استخدام هذه الأسلحة أو عن محاولة استخدامها بطريقة «مباشرة أو غير مباشرة». ووفق فابيوس، فإن تطورا من هذا النوع من شأنه تغيير قواعد التصرف إذ أن «السلاح الكيميائي أو الجرثومي مختلف عن السلاح العادي» ولذا «لا يمكننا أن نحتمل استخدام هذه الأسلحة ولو للحظة».

غير أن الوزير الفرنسي لم يذهب إلى تفصيل الإجراءات الردعية التي يمكن أن تلجأ إليها باريس في هذه الحالة.

وباستثناء هذا الجانب الذي يمس أمن إسرائيل مباشرة وفق ما قاله أوباما نفسه، الأمر الذي يمكن ربطه بالانتخابات الرئاسية والمنافسة الحادة بين الرئيس الحالي وخصمه الجمهوري، تعتبر المصادر الفرنسية أن واشنطن «غير مستعجلة» للتدخل. ومن العناصر التي تفسر هذا الموقف، بحسب المصادر الفرنسية، أن ترجيعات الأزمة السورية على المستوى السياسي والإعلامي «ضعيفة» بعكس ما هو الحال مثلا في عدد من الدول الأوروبية وبينها فرنسا.

ورغم إشارة وزيرة الخارجية الأميركية إلى إقامة منطقة حظر جوي كما حصل لدى زيارتها الأخيرة إلى تركيا أو تأكيد أن «كل الخيارات على الطاولة» فإن باريس «لا تعتقد أن واشنطن ستسير في هذا الخيار» لا بل إنها تعبر عن «التحفظ» في اللقاءات المغلقة لأن العمل بمثل هذا الإجراء «يعني أنه سيقع على كاهل واشنطن وهو ما لا تريده في الوقت الحاضر».

وثمة عاملان إضافيان «يكبحان» واشنطن: الأول، أنها لا تثق بالجيش السوري الحر، والثاني أن موقفها «متحفظ» من المجلس الوطني السوري الذي تدفع به باريس إلى الواجهة منذ انطلاقه الخريف الماضي لكنه يعاني من انقسامات ومنافسات ما برز مؤخرا مع استقالة بسمة قضماني، عضو المجلس التنفيذي ومسؤولة العلاقات الخارجية والناطقة السابقة باسمه من صفوفه.

ولا تبدي واشنطن حماسة إزاء الوسيط الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي الذي «لا تنتظر منه الكثير» بعد الفشل الصاعق الذي مني به المبعوث السابق كوفي أنان. كذلك فإن واشنطن «لا ترى فائدة» من التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بسبب الموقف الروسي والصيني وهي بالتالي «تنتظر التطورات التي ستحصل على الأرض» والتي من شأنها أن تغير المعادلات الموجودة اليوم.

أما ما الذي يمكن أن يحرك واشنطن، فإن المصادر الفرنسية تحصرها بثلاثة عوامل أولها، بطبيعة الحال، استخدام النظام للأسلحة الكيماوية، وثانيها حدوث تطور دراماتيكي على هضبة الجولان المحتلة الأمر الذي سيحمل الإدارة الأميركية على الخروج من تحفظها لتحاشي نشوب حرب إقليمية، وثالثها ارتكاب جيش النظام السوري مجازر كبرى سيصعب معها على واشنطن الاكتفاء بالإدانات أو قصر تدخلها على توفير الدعم المحدود للمعارضة السورية المسلحة الذي لا يشمل الأسلحة ولا التجهيزات «القاتلة».

غير أن للموقف الأميركي «تبعات» كبرى أولها إبقاء الحلف الأطلسي بعيدا عن الأزمة السورية. فطالما «نأت» واشنطن بنفسها عن التدخل، فمن الصعب تصور الحلف يقوم بدور عسكري ما في منطقة بالغة الحساسية. وبموازاة ذلك، تتراجع كل الخطط لإقامة منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي لا بل إن خطط الإمداد الإنسانية للداخل السوري تتراجع بدورها لأنها بحاجة إلى حماية عسكرية. من هنا يمكن فهم التراجع الذي حصل في الخطاب الفرنسي بين ما قاله الرئيس هولاند الاثنين الماضي عن «العمل» على إقامة مناطق آمنة وما كرره الوزير فابيوس في باريس ونيويورك من «صعوبة» تنفيذ تدبير كهذا يحتاج إلى فرض منطقة حظر طيران الذي بدوره يحتاج لقرار من مجلس الأمن الدولي. وبين هذا وذاك، تراجعت الخطط «الكبيرة» لتقتصر على زيادة المساعدات المالية والإنسانية ودعم المناطق «المحررة» وفق التعبير الفرنسي أي تلك التي خرجت تماما عن سلطة الدولة السورية فضلا عن دفع المعارضة لتشكيل حكومة انتقالية «جامعة وتتمتع بصفة التمثيلية» إذ أن المطلوب، كما قال الوزير فابيوس «ليس التخلص من بشار الأسد ليأتي مكانه نظام أصولي أو نظام يشبهه».