بعد تعثر عبورهم إلى تركيا.. نازحون يجدون ضالتهم على الحدود

باب السلامة يتحول إلى «ملاذ آمن» .. والبعض ما زال يخشى هجمات النظام

عائلة سورية تجلس على الرصيف بعد تعثر عبورها إلى تركيا هربا من جحيم القتال (واشنطن بوست)
TT

حينما تعرضت أحياؤهم الحضرية لقصف جوي من قبل قوات النظام، اختبأ كثير من السوريين في الشمال في القرى المجاورة. وحينما تم قصف تلك القرى، فر اللاجئون إلى الحقول. وعندما تم استهداف الحقول، لم يكن لديهم خيار سوى التوجه إلى هذا المعبر الحدودي الذي يسيطر عليه الثوار، ومحاولة العبور إلى تركيا.

ولكن مع اتجاه تركيا لإنشاء المزيد من المخيمات لاستيعاب العدد الهائل من اللاجئين النازحين، وجد آلاف السوريين أنفسهم عالقين بشكل مؤقت هنا عند حظائر تفتيش المركبات، وقال كثيرون هذا الأسبوع إنهم سوف يبقون هناك.

وثمة شائعات يتم تداولها عن سوء الأوضاع داخل المخيمات التركية، ويرى كثير من اللاجئين أن الطائرات السورية ليس من المرجح أن تشن هجمات على تلك المنطقة القريبة من الحدود. ومن ثم، فقد تم إنشاء منطقة عازلة هنا بحكم الواقع، نسخة افتراضية للملاذ الذي ترغب تركيا وكثير من السوريين في إنشائه على نطاق أكبر داخل سوريا.

وقال أحد النازحين، ويدعى خالد عبد الله، 40 عاما، الذي كان يجلس على ملاءة ذات ألوان قاتمة ويستند إلى أكوام طويلة من الخبز المسطح السوري في حرارة الظهيرة القائظة، إنه ليست لديه أي نية للمغادرة. وقال: «هذا المكان آمن».

كان عبد الله واحدا من بين قرابة 10 آلاف سوري ينتظرون على الحدود التركية هذا الأسبوع، الذين كان معظمهم يحاول اللحاق باللاجئين البالغ عددهم 80 ألفا، والذين عبروا الحدود. وفي يوم الخميس، طالبت تركيا بممر إنساني داخل سوريا يوفر الحماية للمدنيين. وعلى الرغم من أن بعض الدول، من بينها فرنسا، قد عبرت عن دعمها لتلك الفكرة، فإنها لم تحظ سوى بزخم محدود على الصعيد الدولي. وأشارت الأمم المتحدة هذا الأسبوع إلى أن المقترح يثير «تساؤلات خطيرة».

تحدث وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، يوم الخميس في الأمم المتحدة قائلا: «إلى متى سنظل واقفين موقف المتفرجين، بينما يباد جيل بأكمله جراء القصف العشوائي والاستهداف المتعمد الشامل؟». وأضاف: «نحتاج إلى التركيز على الخطوات التي يجب اتخاذها في داخل الحدود السورية». وفي باب السلامة، التي قد أصبحت تمثل نوعا من المناطق الآمنة المصغرة المؤقتة، قد يتفق كثيرون على هذا الرأي. نرى ثوارا يدخنون سجائر يقومون بختم جوازات سفر على مقربة من فرع مكتب بريد سابق في حلب، بينما يراقب آخرون ويحافظون على النظام. يقدم عاملون بإحدى المؤسسات الخيرية أرزا وخبزا، فيما يعد آخرون منازل متنقلة يضم كل منها 7 أماكن للاستحمام، وهي منحة من الحكومة التركية. ويقوم رجل قال إن النظام السوري قد اعتقل والده لمدة 31 عاما ببيع زجاجات المياه الغازية في أحد المتاجر. وقال عبد الله، وهو بقال من مدينة ماريا المجاورة، إنه لفترة من الوقت، كانت أسرته قادرة على الاختباء أسفل السلالم أثناء قصف قوات النظام. لكن عندما بدأت الطائرات النفاثة السورية - «الميغ»، مثلما يشير إليها هو وآخرون هنا - في قصف المنطقة قبل عدة أسابيع، أصبح الوضع لا يطاق.

وقال إن الأطفال أصبحوا يفزعون لدى سماعهم أي صوت، ولم يعد يستطيع البالغون الخروج لشراء اللبن. وقد ألقيت المسؤولية على عاتق عبد الله، أكبر الأبناء، لقيادة 44 امرأة وطفلا إلى ملاذ آمن. أنجبت زوجته طفلهما الـ9، فتاة ولدت ميتة، أثناء اختبائهم في الحقول على الطريق، على حد قوله، دون أن يظهر أي إشارة تنم عن الحسرة. «إنني على استعداد للتضحية بـ3 من أطفالي في سبيل التخلص من بشار»، هذا ما قاله عبد الله. يجوب أطفال عبد الله، إلى جانب آخرين لا يحصون عددا، هذا المعبر الحدودي المسيج في حالة من الحماس. وقال إنه على يقين من أن كثيرا من الضباط السوريين سوف ينشقون عن النظام، إذا ما توفر لأسرهم مثل هذا المكان ليذهبوا إليه.

وإلى جانب عبد الله، كان هناك طفل صغير يرتدي لباسا رياضيا يشير إلى خرطوشة. واستجمع فتى صغير شجاعته لترديد أغنية معارضة للأسد، مطلعها: «أيها الإيرانيون.. قولوا وداعا لكلبكم».

وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا أحد يزعم أن باب السلامة مكان مثالي، ويريد كثير من السوريين هنا دخول تركيا. تحلق الصواريخ على بعد. وتشير هجمات النظام على المناطق الأخرى التي يسيطر عليها الثوار إلى عدم وجود ضمان للأمان.

قال عبد المؤمن (21 عاما) وهو في حالة من القلق بينما يحاول تحدث الإنجليزية التي قد درسها في جامعة حلب: «تعقبتنا الطائرة لقصف منزلنا. وعندما فررنا إلى منطقة أخرى، تعقبتنا أيضا».

واستكمل قائلا: «ربما يرسل نظام الأسد طائرات لقصف هذه القاعدة. نحن خائفون من ذلك».

لمدة ثلاثة أسابيع، استهدفت الغارات الجوية مدينة أعزاز، التي تفصلها 10 دقائق بالسيارة، والريف المحيط، على حد قول سمير حاج عمر، وهو مدرس سابق يرأس الآن المكتب السياسي للجيش السوري الحر في أعزاز.

وقال عمر، وهو يسير بخفة في باب السلامة: «النظام يرغب في تدمير الدولة بأكملها». وأضاف: «العالم بأسره يقف موقف المتفرج ولا أحد ينبس ببنت شفة».

الظروف هنا مروعة. هناك مياه، لكن يتعين على الآلاف أن يتشاركوا حمامين. توفر الحظائر الضخمة المفتوحة ملاذا وتسمح بتجدد الهواء. وتعتبر الرعاية الطبية نادرة، ويقول اللاجئون إن ديدان المعدة تنتشر بين الأطفال. وعلى حاجز جداري بالقرب من لافتة تحمل عبارة «مدخل شاحنة محملة»، قال رجل له قدم مصابة بالغرغرينا يحيط بها الذباب إنه قد دخل تركيا وحرم من الرعاية الطبية. وقال إنه الآن يشعر بأنه محاصر. وقال محمد نور، أحد ممثلي الجيش السوري الحر تم توقيفه في سيارة «هيونداي» فضية تحمل لوحة معدنية خاصة بالثوار: «ليس هذا حلا مثاليا. إذا ذهب هؤلاء الأفراد إلى تركيا، سوف يأتي المزيد». وفي ظهر إحدى الحظائر، جلس أبو حسن، وهو خياط مهندم الثياب، على حصيرة رفيعة مع ابنيه الصغيرين، اللذين كانا يرتديان ملابس متجانسة الألوان. وبعد أسبوع من وجودهم هنا، ما زالوا يبدون في حالة من الحيرة نسبيا.

ويروي أبو حسن أنهم في حيهم في حلب نعموا بحياة بها بعض لمسات الرفاهية؛ شقة تقع في الطابق الخامس لها شرفة، وكان يستحم مرتين يوميا. بعد أن قامت طائرات نفاثة بقصف مبنيين متاخمين، على حد قوله، أمضى هو و12 من أقاربه أسابيع هاربين، متنقلين من قرية لأخرى، إلى أن استقر بهم المقام هنا. وأشار إلى أن السواد الأعظم منهم قد يبقون هنا، لكنه هو وزوجته وأطفالهما الثلاثة سوف يرحلون.

قال أبو حسن: «سأعود إلى حلب. الاختباء في منزل أفضل من البقاء هنا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»