علاوي: لم ولن ألتقي المالكي إذ لا شأن لي به.. ولن أحضر أي مؤتمر وطني لأنه ضحك على الذقون

زعيم ائتلاف العراقية في حديث لـ «الشرق الأوسط»: لن نتخلى عن استجواب رئيس مجلس الوزراء

إياد علاوي («الشرق الأوسط»)
TT

لا يتراجع أو يتردد الدكتور إياد علاوي عن خوض المعارك التي تدار ضده وضد ائتلافه (العراقية)، فهو وائتلافه فازا في الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2010، وتصدت إيران لتشكيل الحكومة، ووافق على التنازل لزعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي «شرط أن يجري الإصلاحات السياسية وقيام حكومة شراكة وطنية حقيقية حسب اتفاقية أربيل»، على حد قوله. ثم تنازل الدكتور علاوي عن منصب كان له، حسب اتفاقية أربيل، وهو رئاسة مجلس السياسات العليا، لكنه لن يتنازل عن «تحقيق مشروع (العراقية) بتنفيذ برنامج وطني يحفظ للعراق والعراقيين مكانتهم وحقوقهم»، مثلما يؤكد.

وها هو علاوي يخوض اليوم، ومعه مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، وقيادات العراقية، معركة تصحيح الأوضاع السياسية عبر إجراء استجواب لرئيس الحكومة في مجلس النواب. في هذا الحوار المطول الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع علاوي، خلال وجوده القصير بلندن، يكشف زعيم ائتلاف العراقية ورئيس الوزراء الأسبق عن محاولاتهم لسحب الثقة عن المالكي، كما يتحدث عن عموم الأوضاع في العراق الذي هو «اليوم على كف عفريت»، وعموم المنطقة، داعيا إلى تغيير سريع للأوضاع في سوريا «حفاظا على دماء السوريين». وفيما يلي نص الحوار:

* إلى أين تتجه الأمور في بغداد اليوم؟ هل صار الاستجواب فعلا ماضيا؟

- لا.. الاستجواب لا يزال قائما، حيث تهيأ الملفات التي ستطرح في عملية الاستجواب، وفي نفس الوقت هناك فرصة لرئاسة الحكومة لإجراء الإصلاحات التي يدعون أنهم ماضون بها.

* كنتم ماضين بعملية سحب الثقة عن نوري المالكي رئيس الحكومة وبقوة ثم أجهضت هذه العملية، بصراحة من كان وراء إجهاض عملية سحب الثقة؟

- دعني أتحدث بمنتهى الصراحة عن هذا الموضوع، كان السيد مقتدى الصدر وما زال قد وقف وبقوة معنا في إجراء سحب الثقة والتزم بهذا الموقف، وقال إذا حصلتم على 124 صوت، فأنا عندي 40 صوتا جاهزا في البرلمان لإكمال النصاب القانوني، هذا بالإضافة طبعا لموقف الأخ مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، وعُرف عنه الالتزام بكلمته وموقفه بقوة، وموقفنا نحن معروف من هذا الموضوع، لكن هناك جزءا من ائتلاف العراقية اختل التوازن عندهم؛ فعندما طلب فخامة رئيس الجمهورية الأخ جلال طالباني أسماء وتواقيع النواب الذين يريدون التصويت على سحب الثقة وبعثت لفخامته، اتصل به أحد أعضاء العراقية وأخبره عن تراجع 7 أو 8 أعضاء من العراقية، وهذا كان هذا أول العراقيل، وقد أساء للعملية برمتها بالنتيجة، ولأن السيد رئيس الجمهورية راعٍ للجميع والمحافظ على سلامة الدستور، ولا يريد أن ينحاز لجهة ضد أخرى فإنه لم يقدم على الطلب من البرلمان سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، بسبب عدم توفر النصاب الدستوري، وهذا من حقه. السبب الأول هو تصرف هذه المجموعة الصغيرة من «العراقية»، وهذا انتهى حيث عادت هذه المجموعة إلى الائتلاف، ونحن الآن بخير.

* وهل انتهى هذا الخيار (أعني سحب الثقة) بالنسبة لكم؟

- في الأساس كان أمامنا خياران؛ الأول عن طريق طلب رئيس الجمهورية والثاني عن طريق الاستجواب في البرلمان، ونحن كنا نفضل الثاني حتى يبقى رئيس الجمهورية بصفته الحامي للدستور، وأن يقف بحيادية من الجميع، وأن يكون بمنأى عن مثل هذه المواقف، ونحن ماضون في الإجراء الدستوري الثاني، وأعني الاستجواب.

* هل بالفعل استطاع المالكي أن يخترق «العراقية» ويضعف موقفها؟

- لا أعتقد ذلك.. المسألة لا علاقة لها باختراق المالكي لـ«العراقية»، وحتى أكون أكثر صراحة أقول إن إيران تدخلت بقوة في الموضوع، وهددت جهات عدة وعلى نطاق واسع كي تجهض عملية سحب الثقة، كما أن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن راغبة في تحقيق هذا الموضوع، كونها منشغلة بالانتخابات الرئاسية. نعم، هناك ومثلما قلت من اختل التوازن عنده في «العراقية»، ولكن ائتلافنا فيه قيادات وأعضاء متمسكون بقوة بمشروع «العراقية» الوطني وتحقيقه، هناك من اتخذ مواقف ترك الائتلاف وهذا يحدث في جميع التحالفات وحتى الأحزاب، فاليوم هناك أكثر من انشقاق في حزب الدعوة، واليوم يوجد 3 أحزاب دعوة، والجبهة الكردستانية حدث تغيير في مواقف بعضهم؛ فتشكلت حركة التغيير وكذلك مواقف الإسلاميين الأكراد، وكذلك على صعيد المجلس الأعلى الإسلامي والتحالف الوطني، هذه المتغيرات طبيعية وتحصل هنا وهناك، لكن وعلى مستوى ائتلاف العراقية فهناك من فكر بأن مشروعنا يتعارض مع مصالحه، ولم يلتزم به، لكن على صعيد قيادات «العراقية» وتياراتها الرئيسية؛ فالجميع ملتزم وبقوة بالمشروع الوطني.

* وليس هناك تغيير في مواقف أسامة النجيفي وصالح المطلك؟

- لا، أبدا.. مواقف الأخ الأستاذ أسامة النجيفي وطنية وواضحة وقوية، وهو ملتزم بقوة بالمشروع الوطني الذي تعمل «العراقية» من أجله، وكذلك الأخ الدكتور صالح المطلك، ولا أشعر بأن هناك تغييرا في مواقفه وهو نائب رئيس الوزراء، لكني أرى أن على المالكي أن يعتذر من المطلك ومن «العراقية» على تصرفه معهم. المطلك يتمتع بتاريخ وطني طويل ومشرف ومنيع لا يمكن أن يخترقه المالكي، حتى وإن تغيرت بعض قناعاته من بعض القضايا وهذا من حقه.

* هل لنا أن نعرف ماذا حصل في اجتماعات أربيل ومن ثم النجف؟

- لي أن أقول حقيقة أنها كانت اجتماعات وطنية عراقية بامتياز لم تتدخل بها أي حسابات طائفية أو قومية، ولم تتدخل بها أجندات أو قوى أو دول خارجية، بل إن بعض الدول، وخاصة الولايات المتحدة، كانت تريد أن تعرف ما يحصل وكل يوم كان المسؤولون الأميركيون يتصلون هاتفيا بطرف لمعرفة ما يجري، وأنا الوحيد الذي لم يتصلوا به، وكانت الروح الوطنية الحريصة على أوضاع البلد والشعب هي الغالبة، وهي التي جمعت كل الأطراف، هناك أطراف وطنية أخرى لم تشارك في هذه الاجتماعات، لكنها أيدتنا وعبرت عن تأييدها لموقفنا خلال اللقاءات الخاصة.

* مثل المجلس الأعلى الإسلامي؟

- لا أريد أن أذكر أسماء هنا؛ لا المجلس ولا غيره، لكن هناك أطرافا كثيرة ومهمة متعاطفة مع مواقفنا، بينها أطراف في ائتلاف دولة القانون، وهناك أطراف في الحكومة لعبت دورا أساسيا في عرقلة هذه الاجتماعات، إلى جانب إيران طبعا، كونها صاحبة السطوة الرئيسية في الأوضاع بالعراق.

* وهل ستجري بينكم وبين ائتلاف دولة القانون مفاوضات أو اجتماعات؟

- بالنسبة لنا وبالتأكيد ليست هناك أي مفاوضات أو مؤتمر وطني، هناك إصلاحات نصت عليها اتفاقية أربيل ووافقوا عليها، هذه الإصلاحات ذاتها وافق عليها مجلس النواب السابق، فإذا نفذوا هذه الإصلاحات فأهلا وسهلا، وبعكسه نحن ماضون في عملية الاستجواب وتشكيل محكمة اتحادية عليا وفق ما أقره الدستور، وماضون أيضا في مسألة تحديد الولايات بالنسبة لرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء. بالنسبة لرئيس الجمهورية محددة ولايته بدورتين.

* وماذا عن رئاسة مجلس النواب؟

- رئاسة مجلس النواب تخضع للانتخابات والتصويت، أما رئاسة مجلس الوزراء فتأتي ضمن صفقات سياسية، مثلما حدث مع السيد المالكي الذي بقي في منصبه بضغوط إيرانية وأميركية، والجميع يعرف أنه حصل تعدٍّ كبير وواضح على الاستحقاق الانتخابي، حيث فاز ائتلاف العراقية في الانتخابات، ولم يعهد له بتشكيل الحكومة، لا نريد أن تبقى السلطات مطلقة إلى ما لا نهاية، وإلا فهذا يعني أننا لم نفعل ولم ننجز أي شيء، لهذا نعتبر مسألة تحديد ولاية رئيس مجلس الوزراء بدورتين مهمة، لأن الصلاحيات كلها بيده، لهذا نرى اليوم أنه ينتهج أسلوبا متفردا في إدارة الصراع والأوضاع بصورة عامة في العراق.

* هل سيصار إلى تحديد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء أيضا، مثل قيادته العامة للقوات المسلحة، كما أقرها الدستور؟

- بالتأكيد يجب أن يحدث هذا.. هناك خروقات كبيرة تجري للدستور على العكس من ادعاءات (ائتلاف) دولة القانون وادعاءات المالكي.. هناك خروقات فظيعة للدستور، وعلى رأسها عدم وجود نظام داخلي لمجلس الوزراء؛ ففي الدستور ليس هناك منصب اسمه رئيس الوزراء، لهذا المالكي ليس رئيسا للوزراء، وإنما هو رئيس لمجلس الوزراء، وهناك فقرة في الدستور تقول إنه يجب أن يكون هناك نظام داخلي لمجلس الوزراء وهذا لا يوجد، فهو (المالكي) يحكم في هذه الدورة منذ ما يقرب من عامين، إضافة إلى الدورة السابقة، ومجلس الوزراء يعمل بلا نظام داخلي. أما التعيينات وحسب الدستور، فإن تعيين الوزير أو وكيل الوزير والمستشارين والمديرين العامين وقادة الفرق العسكرية ومسؤولي الأجهزة الأمنية يجب أن يتم التصويت عليه في البرلمان، وهذا غير متحقق، وهذا خرق دستوري آخر، وهناك أيضا موضوع حقوق الإنسان المضروب بها عرض الحائط، هذا بالإضافة إلى الخروقات الأمنية الفظيعة.

* باعتقادكم، من تجب محاسبته في موضوع الخروقات الأمنية؟ من المسؤول عن إهدار الدم العراقي؟

- يفترض أن تتحمل الحكومة، وبالتحديد رئاسة مجلس الوزراء، مسؤولية ذلك، والقائد العام للقوات المسلحة وقادة الأجهزة الأمنية المسؤولة عن مكافحة الإرهاب، مثل اللواء 56 ومديرية مكافحة الإرهاب والمخابرات والاستخبارات والقوات الخاصة وغيرها من أجهزة كثيرة تخضع للقيادة العامة للقوات المسلحة، كل هؤلاء يتحملون مسؤولية هدر دم العراقيين الأبرياء، ويجب على مجلس النواب استدعاؤهم للاستجواب حتى يفهم الناس ماذا يجري، كل يوم تخرج تصريحات من الحكومة تؤكد استتباب الأمن، وقالوا إذا خرجت القوات الأميركية فلا خشية على الأوضاع الأمنية، والوضع الأمني سيئ بوجود القوات الأميركية سابقا، وبعد خروجها.

* يدور الحديث اليوم عن مؤتمر وطني يجمع الأطراف الرئيسية برعاية رئيس الجمهورية جلال طالباني بعد عودته من العلاج.

- لن أحضر أي مؤتمرات أو لقاءات، إذا كانوا يبحثون عن الإصلاحات فالإصلاحات واضحة، واتفاقية أربيل كان فيها جانبان، جانب اسمه الشراكة الوطنية التي لم تتحقق ولن تتحقق ولن يحققوها، والجانب الآخر الإصلاح السياسي والاقتصادي، وهذا موجود ووثائقه موجودة، ولهم أن يحققوه، هذا بالإضافة إلى وثيقة الإصلاح السياسي التي أقرها البرلمان السابق وهي موجودة أيضا، لماذا المؤتمر الوطني إذن؟ ماذا سنقول فيه؟ هل سنرتب لقاءات أخرى ونقبل بعضنا الآخر ونتحدث بينما البلد ينزف الدم؟! البلد مدمر والعراق اليوم على كف عفريت، القتل قائم على قدم وساق، والخدمات متوقفة، والأوضاع السياسية منهارة، والأوضاع الأمنية منتهية، والبطالة في ازدياد، والغلاء فاحش، وكل الأمور تمضي نحو الأسوأ؛ لماذا المؤتمر الوطني؟ كل يوم لقاءات وحوارات، وماذا تجدي هذه الحوارات إذا لم تحقق أي نتائج؟ نحن نتحاور منذ 10 سنوات وماذا بعد؟ وقبلها ومنذ 30 سنة عندما كان صدام حسين في السلطة كنا نتحاور، وماذا تحقق؟ كل شيء ما صار، ولم يتحقق أي شيء. الأغرب من هذا أن هذا يقول: نسميه مؤتمرا وطنيا، وذاك يقول: لا نسميه اجتماعا وطنيا، ويأتي من يقترح تسميته لقاء وطنيا، هذا كله ضحك على الذقون. يريدون القيام بإصلاحات، الوثائق موجودة ولينجزوها، وأنا لا أعتقد أنهم جادون في إجراء أي إصلاح حقيقي، وهناك البديل الدستوري الذي نحن نعتمده، وهو الاستجواب في مجلس النواب وتحت قبة البرلمان.

* لكنكم من المحتمل أن تواجهوا قرارا من المحكمة الاتحادية بعدم دستورية أو قانونية استجواب المالكي.

- لهذا نحن مهتمون جدا بتشكيل المحكمة الاتحادية العليا للبت بالأمور حسب الدستور، ليس من المعقول أن يبقى القضاء محصورا بأيدي مجموعة من الناس. هؤلاء أيضا يتعرضون للضغوط، وبغض النظر عن الضغوط، هناك مادة في الدستور تقول: يجب تشكيل المحكمة الاتحادية العليا، وإلا لماذا كُتب الدستور وتم الاستفتاء عليه؟ أنا كنت وما زلت أقول إن هناك فقرات يجب تعديلها في الدستور، لكن هذا لا يعني عدم احترام الدستور وعدم تطبيقه.

* لكن المالكي يقول يجب أن نحتكم للدستور، وأنتم والأكراد والتيار الصدري والمجلس الأعلى تقولون يجب أن نحتكم للدستور. إذن من يخرق الدستور؟

- أنا أسأل من الذي يخرق الدستور؟ يخرقه من بيده السلطة، أما أمثالنا المطاردون من قبل السلطة فليس بيدنا أي إجراء لنخرق الدستور، يخرق الدستور من يطارد الآخرين ومن يقتل ومن يفصل الوزراء كما يريد أو يهاجم نائب رئيس الوزراء أو يتهم نائب رئيس الجمهورية؛ فهو من يخرق الدستور، نحن من يتمسك بالدستور وندافع عن طريقه عن حقوق الشعب العراقي كله بعربه وأكراده وكل أقلياته، يخرق الدستور من بيده السلطة ولا يطبقه، من يضع النظام الداخلي لمجلس الوزراء؟ من يضع ويطبق قوانين النفط والغاز والانتخابات والأحزاب؟ نحن أم من بيده السلطة؟ ليطبق المالكي الدستور ثم يتحدث عن حمايته للدستور والتمسك به. هناك ضحك على الآخرين ومحاصصة قبيحة غير مبنية على أسس مهنية ووطنية، مبنية على أسس تعتمد العرق والجهة والطائفة وهذا لا علاقة له بالدستور ولا يخدم البلد ولا الشعب.

* هل حدث خلال الفترة القريبة الماضية أي لقاء أو اتصال بينكم وبين المالكي؛ سواء كان مباشرا أو غير مباشر، وهل طلب أحدكما لقاء الآخر؟

- لا أبدا. بل العكس المالكي يعمل جاهدا لإبعادي عن العملية السياسية عبر محاولاته غير الناجحة لتفتيت ائتلاف العراقية، أنا لم أتصل به وليس عندي أي شأن معه، التقينا بعد الانتخابات ومنحناه استحقاقا ليس له وتنازلنا عن حقنا في تشكيل الحكومة من أجل أن تتحقق إصلاحات حقيقية وشراكة وطنية لصالح خير البلد والعراقيين، وهذا لم يتحقق؛ فلماذا ألتقي به مرة أخرى؟ هو يجد نفسه في موقع قوي، وهذا صحيح، فالسلطة بيده وتدعمه إيران وأميركا، بينما نحن ليس لنا سوى الله تعالى والشعب العراقي والحمد لله.

* كيف تنظرون للمشكلة بين المالكي وإقليم كردستان؟

- المشكلة ليست بينه وبين إقليم كردستان فقط بل مع جميع المحافظات العراقية، وهذا ما دفع غالبية المحافظات للمطالبة بأن تتحول إلى أقاليم.. المشكلة بين بغداد وأربيل أو بين رئيس الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان تقع في خانتين؛ الأولى عدم توفر الثقة وحسن النية، وإذا توفرت الثقة وحسن النية، فإن جميع المشكلات تحل بسهولة، والثانية يجب أن توضع قوانين تفسر المواد الواردة بالدستور، التي هي بحاجة إلى قوانين، مثلا لا بد من وجود قانون يوزع الثروات المالية بعدالة، ولا بد من وجود قانون النفط والغاز، إضافة إلى عشرات القوانين التي تنظم العلاقة في كيفية إدارة العراق، الآن تعتمد هذه الأمور على الأحاسيس والعقد الشخصية والجهوية، لهذا تدار الأمور بشكل عشوائي، وليس اعتمادا على قوانين أو مؤسسات، لهذا يحقق البلد تراجعات في أمور كثيرة ومنها مثلا الاستثمار، لا أحد يغامر باستثمار أمواله في العراق، كثير من الناس وبينهم أصدقاء نعرفهم يريدون استثمار أموالهم لكن ليست هناك قوانين واضحة، وكل يوم هناك معركة من الحكومة ضد محافظ البنك المركزي، إضافة إلى الفساد والرشاوى. إذن المشكلة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية هي جزء من الفوضى العارمة التي تجتاح البلد بسبب سياسات الحكومة الاتحادية، وكان يجب أن تعالج الأمور بين بغداد وأربيل، ولأهميتها، بقوانين تتناسب مع مواد الدستور، ومن جانب آخر يجب أن يتوفر حسن النية، وأتذكر عندما كنت رئيسا للوزراء وعندما كانت تحصل أي مشكلة بين بغداد والإقليم نحلها بزيارة وحديث، أما أن أزور الأخوين طالباني وبارزاني أو يزوراني ونحل المشكلة بهدوء، ولهذا لم تكن هناك مشكلات حقيقية بيننا وبينهما خاصة أن هناك خلفية تاريخية من النضال والأخوة والعمل الوطني، ثم أريد أن أنبه لمسألة ضرورية، وهي أن علينا أن نقرر من هو العراقي ومن هو غير العراقي؟ هل الكردي العراقي مواطن عراقي أم لا؟ وهل التركماني والسني والشيعي والمسيحي والصابئي واليزيدي والشبكي والكاكائي مواطن عراقي أم أنه أميركي أو فرنسي؟ أما أن نعتبر أنفسنا أبناء شعب واحد ونعيش في بيت واحد ونحرص عليه ونحيا بالتساوي؟ أو أن تعتبر بعض الأطراف المسألة عكس ذلك؟ ومثلما يحدث اليوم، فيسود الاقتتال والظلم والمشكلات والفوضى والتوتر، وهو موجود بشكل خطير في البلد، وأنا متأكد أن هذه المشكلة وجملة المشكلات الأخرى هي نتيجة التفرد بالوضع السياسي وخرق الدستور وعدم وجود قوانين تنظم مواد الدستور، فهناك (أعتقد) 68 مادة تركت لها عبارة (وتنظم بقانون)، وحتى اليوم لم تنظم هذه القوانين، هناك قانونان مهمان يحلان غالبية الإشكالات سواء في العلاقة بين المركز وإقليم كردستان أو مع بقية المحافظات، وهما قانونا توزيع الثروات وقانون النفط والغاز.

* تحدثتم قبل فترة قريبة عن وجود محاولة جديدة لاغتيالكم.

- ليست محاولة، بل خطط جاهزة وموضوعة لقتلي نبهت إليها مجموعة دول، بالإضافة إلى معلوماتنا الخاصة، وهذه مستمرة، وأول من حذرني من هذه الخطط وقتها القوات متعددة الجنسيات، وبتقرير رسمي موجود عندنا، وأول هذه الخطط اغتيالي من قبل قناص.

* وما احتياطاتكم؟

- أي احتياطات؟ أين نذهب؟ هل نترك البلد مثلا؟ نحن لا نعرف من هم هؤلاء الذين يريدون قتلي، فنحن لسنا في السلطة، والحكومة لا توفر لنا المعلومات، ولا نعرف من الذين في الحكومة، وما خططهم وارتباطاتهم وبأي جهات، ووقتها أعلنت عن هذه الخطط، والحكومة أنكرت ذلك، وقالت: هذا غير صحيح. عندها أعلنت عن تقرير القوات المتعددة الجنسيات، وقلت: أما أن الحكومة تعرف وتنكر ذلك، أو أن القوات المتعددة الجنسيات لم تبلغ الحكومة عن معلومات تتعلق بخطة لاغتيال سياسي وزعيم حركة سياسية ورئيس وزراء سابق، عند ذاك اعترفت الحكومة بصحة المعلومات، وقالت: نعم، نحن نعرف بهذه المعلومات.

* هل تعرفون من وراء هذه الخطط والمحاولات؟

- بالتأكيد هناك جهات مقتدرة ومتمكنة من الوصول إلي وتنفيذ خططها لاغتيالي، وهذا يعني أجهزة دولة، وليس أفرادا، وأنا أعرف أن هناك دولا لا تحبني ولا تريدني، وعلى رأسها إيران التي وقفت ولا تزال تقف ضدي، كما أن السلطة (الحكام) في بغداد لا يمكن الركون والاطمئنان إليها، ولا نعرف ماذا تريد. وعلى سبيل المثال أذكر لكم أني عندما كنت عضوا في مجلس الحكم زودني أصدقاء بسيارة مصفحة، ثم اشتريت أنا ومن أموالي الخاصة سيارتين مصفحتين، وهذه السيارات تعبت، ومؤخرا اشتريت أيضا ومن أموالي الخاصة سيارتين مصفحتين، بقينا ننتظر أكثر من 7 أشهر للحصول على موافقة الحكومة العراقية لإدخالهما، وبالتأكيد ما كنت سأحصل على الموافقة لولا أني تحدثت عن الموضوع في الإعلام، وقلت أنا كمواطن عراقي أريد موافقة على إدخال سيارة مصفحة. والظاهر أن هناك أجهزة داخل السلطة في العراق متعاونة مع أجهزة معينة لتسهيل عملية قتلي.

* كيف تجدون الأوضاع في المنطقة اليوم؟

- هناك تغييرات كبيرة ستحدث في المشهد العام في المنطقة، وما سيحصل بعد شهرين أو 3 سيغير الكثير.

* هل تقصدون ما يحدث في سوريا؟

- نعم، على رأس هذه التغييرات ما يحدث وما سيحصل في سوريا وفي مناطق أخرى في المنطقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، «القاعدة» أصبحت قوة لا يستهان بها؛ ففي اليمن صار لهم معاقل قوية، وفي مالي والصومال صارت لهم سيطرة رسمية، وفي جنوب ليبيا صار لهم وجود واضح وسيطرة على الأرض.

* كيف تقرأون المشهد السوري اليوم؟

- هناك أزمة خطيرة ومدمرة في سوريا، وبعد كل هذا الدم الذي يسيل من الشعب السوري يجب أن لا يستمر النظام.. وعلى النظام السوري أن يقرر ما يفعله، ولا أدري إن قرر أن يخوض معركة كاملة ضد الشعب السوري، وهذا غير صحيح، الأمور تمضي هناك نحو نتائج سيئة، وإلا كيف يمكن لرئيس الوزراء السوري الذي تم اختياره في ظروف صعبة أن ينشق ويترك البلد ويهاجم النظام الحاكم؟ ولنا أن نتصور إلى أي سوء قد وصلت الأمور هناك.

* لكن رئيس الحكومة العراقية (المالكي) قال إن النظام السوري باق وقوي ولن يتغير.. ولماذا يتغير؟ فماذا تقولون أنتم؟

- لا أدري إن كان المالكي يقرأ الغيب أم لا، لكني أرى أن النظام السوري لن يستمر، الشعب السوري لا يريده، ولن يتركه يبقى، والعالم سوف يتعامل معه.

* ماذا تفسرون إذن تعامل الحكومة العراقية مع النظام السوري اليوم؟

- عندما تم تفجير وزارتي الخارجية والعدل ببغداد وذهب المئات من الضحايا العراقيين هاجم المالكي النظام السوري واتهمه بالمسؤولية عن هذه التفجيرات، وبأن سوريا مسؤولة عن دعم تنظيم القاعدة وإدخاله إلى العراق، واليوم انقلب الموقف إلى دعم المالكي للنظام السوري، نحن لا نعرف سياسة رئيس الحكومة في العراق، ولا تتوفر عندي معلومات عن الأوضاع وطبيعة العلاقات، ولا عن أسباب هذا الدعم، لكنني أعرف ومتأكد مما يحصل في سوريا، وأن الوضع هناك خطير جدا، وأن أوضاع اللاجئين السوريين سيئة، وهناك ضعف في دعم السلطات العراقية للاجئين ومساعدتهم.

* ما تداعيات الوضع السوري على المنطقة اليوم؟

- التداعيات خطيرة جدا، لهذا يجب أن تنتهي الحكومة السورية ويرحل النظام بسرعة، خشية من حصول مضاعفات خطيرة، ومستوى الدماء التي تراق في سوريا خطير جدا، هناك رؤساء عرب صارت ضدهم ثورات، وفضلوا الرحيل عن السلطة، مثل تونس ومصر، أما في سوريا، فقد فضل النظام محاربة الشعب وإراقة دمائه، وهذا يترك تأثيره على لبنان والأردن والعراق، ولا أعرف لماذا بقي النظام السوري حتى اليوم، مع أن الشعب لا يريده؟ هل من المعقول أن كل هذه الآلاف التي سقطت والتي تركت البلد ولجأت في دول الجوار إرهابيون؟ هذا غير معقول وغير مقبول على الإطلاق. تغيير النظام في سوريا سوف يضعف دور إيران ومن تدعمه في المنطقة.

* العراق اليوم يترأس القمة العربية، لكن علاقات الحكومة العراقية ليست جيدة عربيا، كيف تفسرون هذا؟

- للأسف هناك كراهية من بعض الحكام في العراق لقادة ولدول عربية، بل هؤلاء يكنون كراهية شديدة للعرب، ونحن عرب، وأنا عربي وعندي صلات واسعة مع دول عربية؛ قسم أتفق معها، وقسم آخر لا أتفق مع سياستها، لكن يبقى هذا الفضاء وهذا الجوار العربي مهم للعراق والعراقيين، ولا يمكن أن نكون في معزل عنه. يعني لا نستطيع اليوم أن نقول: لا توجد مشكلة في سوريا. وعلاقات العراق اليوم مع محيطه العربي تبلغ درجة الصفر، وليست هناك سياسة خارجية واضحة للحكومة العراقية وعلاقاتها سيئة مع معظم دول العالم باستثناء إيران، لقد بذلوا جهودا جبارة وبدعم أميركي كبير، من أجل عقد مؤتمر القمة العربية ببغداد، وهذا المؤتمر فشل فشلا ذريعا؛ إذ لم يحضره عدد كبير من قادة الدول، ولم تشارك به كل الدول العربية، وهذا بسبب سوء السياسة الخارجية، وهذا لا يتحمله وزير الخارجية، بل هذا مرتبط بسياسة الحكومة ورئاسة الوزراء، ومجلس النواب حتى الآن لم يستطع أن يضع سياسة خارجية تلتزم بها الحكومة، ولم يحاسبها على سوء سياستها الخارجية.. وبالنتيجة، العراق ليس له أي علاقات جيدة مع أي دولة في العالم سوى إيران.. إيران فقط، أنا لست ضد أن تكون للعراق علاقة مع إيران، لكنها يجب أن تكون علاقة متوازنة ولصالح الشعبين العراقي والإيراني، بينما اليوم إيران تتمتع بالنفوذ الأكبر والأوسع في العراق، وهي صاحبة القرار السياسي في البلد، وهذا ما لمسناه بعد الانتخابات الأخيرة وتشكيل الحكومة.

* كيف تفسرون مشاركة رئيس الحكومة العراقية بوفد مهم في قمة عدم الانحياز الذي عقد مؤخرا في طهران؟

- باعتقادي لم تعد أي أهمية لدول عدم الانحياز اليوم، هذه المنظمة كانت مهمة خلال الحرب الباردة عندما كان هناك عمالقة في العالم، أمثال عبد الناصر وتيتو ونهرو، أما اليوم ليس لها أهمية، على العكس من ذلك كان مؤتمر قمة التعاون الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة مهما جدا، حيث يمر العالم الإسلامي بمنعطف خطير للغاية سواء في أفغانستان وشمال أفريقيا نزولا إلى الصومال، والدم الإسلامي يراق اليوم بشكل رخيص للأسف، وكان يجب أن يكون تمثيل العراق مهما بهذا المؤتمر، بغض النظر عمن يترأس الوفد لكن هذا لم يحدث.