داعية إسلامي تلفزيوني يثير الانقسامات في باكستان

مذيع مثير للجدل لكن برامجه حققت نسبة مشاهدة قياسية

عامر لياقت حسين الداعية الديني التلفزيوني الشهير يضع اللمسات الأخيرة على وجهه قبل الظهور على شاشة تلفزيون «جيو» (نيويورك تايمز)
TT

أخذ عامر لياقت حسين، الداعية الديني التلفزيوني الشهير، يتجول في استوديو التلفزيون وهو يطرح أسئلة عن الإسلام. ويتساءل متحديا: «كم عدد أبواب الجنة؟»، فيقفز الأطفال من المقاعد، بينما تصيح أمهاتهم بالإجابة، ويتحفز الآباء ويميلون بأجسادهم نحو الأمام، ويأمل الجميع أن يلفتوا نظر حسين من أجل مكافآت البرنامج التلفزيوني، حيث يجامل ويطرح الأسئلة ويكافئ. وأمر رجل ملتح وهو يسأله عن رمز الأفعى: «أرني لسان الثعبان». وأخرج الرجل لسانه طواعية بكل استسلام، مما أحدث عاصفة من الضحك.

كان حسين يجري قرعة على الجوائز؛ من هواتف جوالة إلى علب من زيت الطهي وكوبونات لقطع أرض صغيرة، وقمصان وملابس. واختفى تماما لفترة قصيرة بعد ذلك ليعود على دراجة نارية تصدر هديرا.

عندما يقدم رجل يبدو عليه الخجل إجابة صحيحة عن مسألة حسين اللاهوتية، يأخذ الداعية يده ويرفعها عاليا في الهواء ويعلنه فائزا، فيما يصفق الجماهير.

وقال مدير الاستوديو وهو يقف وراء الكاميرا: «إنها نسخة إسلامية من برنامج (ذا برايس إذ رايت)». ويعد حسين البالغ من العمر 41 عاما من مشاهير الإعلام في باكستان، وقدم خلال ساعات عمله الطويلة على التلفزيون خلال شهر رمضان المبارك، التي تبلغ 11 ساعة يوميا، مزيجا متنوعا من الدعاء والدعوة والمسابقات والطهي. وحقق للقناة التي يعمل بها «جيو إنترتينمنت» نسبة مشاهدة قياسية. وقال حسين في مقابلة أجريت في كواليس البرنامج وهو يقدم طبق دجاج أعدّه خلال البرنامج: «إنه ليس مجرد برنامج ديني، فنحن نريد تسلية الناس والترفيه عنهم من خلال الإسلام. الناس يحبون ذلك».

مع ذلك يعد حسين شخصية مثيرة للجدل، حيث اتهم باستغلال برنامجه التلفزيوني في الترويج لخطاب يحض على الكراهية ونظريات المؤامرة الخرقاء. وسخر ذات مرة من مقطع مصور يظهر فيه مقاتلو طالبان وهم يجلدون شابة واعتبره «مؤامرة دولية». كذلك دعم دعوات لقتل الكاتب سلمان رشدي.

مع ذلك يبقى الأمر الأكثر إثارة للجدل هو تقديمه برنامجا عام 2008 أعلن فيه رجال دين مسلمون أن أفراد تابعين لأقلية دينية ضعيفة، يستحقون الموت. بعد ذلك بـ48 ساعة، قُتل اثنان من تلك الأقلية؛ واحد منهما أميركي، في ولايتي البنجاب والسند. وحمّل كثير من المنتقدين في مجال الإعلام حسين جانبا من المسؤولية عما حدث، وأثار البرنامج رعب دبلوماسيين أميركيين إلى الحد الذي دفعهم إلى حث وزارة الخارجية الأميركية على إلغاء عقد مربح مع القناة التي اتهموها بـ«استهداف» المنتمين إلى تلك الطريقة، بحسب برقية دبلوماسية بتاريخ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008 نشرها موقع «ويكيليكس».

يقدم حسين نفسه الآن كخاطئ تائب نادم. وصرح في أول ظهور له خلال شهر رمضان بأن تلك الأقلية لها حق في الحرية مثلها مثل الجميع، ونشر اعتذارا عن أي شيء بدر منه قولا أو فعلا. وقدم نفسه في مقابلات دعمتها إدارة القناة باعتباره حاملا لنبراس القيم التقدمية. وقال وهو في انتظار تصحيح ماكياجه: «الإسلام دين التناغم والتوافق والحب والسلام، لكن التسامح هو القيمة الأهم في الإسلام».

ويمثل حسين بشكل ما ثورة قنوات «الكيبل» التي شكلت الخطاب العام في باكستان على مدى العقد الماضي. لقد كان وجه «جيو» عندما بدأت القناة الناشئة الناطقة باللغة الأردية البث من فندق خمس نجوم في كراتشي عام 2002، ثم اتجه إلى مجال السياسة، عندما فاز بمقعد في البرلمان خلال انتخابات العام الماضي.

ومنحته القناة فرصة تقديم برنامج حواري ديني وهو «عالم أون لاين»، الذي يعد منبرا لرجال دين. ولاقى البرنامج ترحيبا كبيرا في مجتمع يعاني من توترات طائفية. كذلك لفت أنظار القائد العسكري بيرويز مشرف إلى حسين، الذي يقال إن ما قدمه في البرنامج مس شغاف قلبه. وعينه الجنرال مشرف عام 2005 وزيرا للشؤون الدينية، وظل في هذا المنصب لمدة عامين.

وينبع نجاح حسين بطاقته الكبيرة وابتسامته سريعة الظهور من طريقته الشعبية في التقديم التي يصفها المعجبون بالساحرة، ويصفها المنتقدون بالمداهنة. ولم يتلق حسين دراسة كافية في الأمور الدينية باعترافه، حيث لم يحصل سوى على دكتوراه في الدراسات الإسلامية عن طريق الإنترنت من جامعة إسبانية، حتى يستطيع الترشح في انتخابات عام 2002. وقال: «أتمتع بخبرة آلاف رجال الدين، حيث توجد داخل رأسي آلاف الإجابات». مع ذلك تشوهت صورة التقوى التي يقدم بها نفسه عام 2011 عندما تسربت أجزاء محرجة من برنامجه على موقع «يوتيوب» يظهر فيها وهو يشتم مثل بحّار خلال فترة الراحة، ويقول عبارات فجة مع رجال دين يضحكون ضحكا مكتوما. وقال حسين: «لقد كان هذا هو الجزء المرح من ذاتي»، بينما زعم قبل ذلك بوجود تلاعب في الشرائط. مع ذلك لم تؤثر هذه الواقعة كثيرًا على شعبيته لدى الطبقة الوسطى في باكستان التي تمثل الجانب الأكبر من جمهوره. وتقول شهيدة راو، إحدى سكان كراتشي وهي محجبة وهي على وشك دخول مكان تسجيل الحلقة مع حفيدها ذي الستة أعوام: «عامر لياقت يتميز بالدفء والصدق واللطف. نحن نحبه كثيرا».

زملائه الأقدم منه في «جيو» أقل حماسة منه. وبعد تزايد الأمور المثيرة للجدل من بينها الحلقة عن الأحمدية، وانتقاد تعليم الجنس عن طريق الكتب الدراسية على الهواء مباشرا، ترك القناة عام 2010.

* خدمة «نيويورك تايمز»