واشنطن تدرس خيارات لكبح جماح إيران نوويا.. وتهدئة مخاوف إسرائيل

بينها توجيه ضربة سرية شبيهة بالهجوم على المفاعل السوري.. والمساعدة في الإطاحة بالأسد

TT

في ظل الجدل الإسرائيلي العلني حول توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية خلال الأشهر المقبلة، تتجه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نحو اتخاذ عدد من الخطوات لا تتضمن الحرب، أملا في إثناء إسرائيل عن شن هجوم، في الوقت الذي تجبر فيه الإيرانيين على الالتزام بالجدية في المفاوضات المتجمدة.

وقد تم التحضير لمناورات عسكرية بحرية بالفعل وأنظمة مضادة للصواريخ في الخليج، وفرض المزيد من القيود على عائدات النفط الإيراني. كذلك تفكر الإدارة الأميركية في تصريحات جديدة من قبل الرئيس أوباما بشأن ما يمكن أن يؤدي إلى عمل عسكري أميركي فضلا عن أنشطة سرية تم التفكير فيها من قبل ورفضها حينها.

في وقت لاحق من الشهر الحالي، سوف تقوم الولايات المتحدة مع أكثر من 25 دولة بأكبر مناورة لكسح الألغام في الخليج في إطار ما قال عنه مسؤولون عسكريون إنه مؤشر على الوحدة وخطوة دفاعية لمنع إيران من محاولة غلق مضيق هرمز لقطع طريق نقل النفط. وقد أعلنت كل من الولايات المتحدة وإيران عن القيام بمناورات ترقى إلى مناورات دفاعية خلال الخريف الحالي في محاولة من كل دولة لأن تثني الأخرى عن مهاجمتها.

وتسارع الإدارة نحو الانتهاء من إنشاء نظام رادار جديد في قطر خلال الأشهر القليلة المقبلة. وسيشكل هذا النظام مع أنظمة الرادار الموجودة في إسرائيل وتركيا غطاء شاملا مضادا للصواريخ، على حد قول مسؤولين عسكريين. الرسالة الموجهة إلى إيران هي أنها حتى إذا صنعت سلاحا نوويا ووضعته على قمة أسطولها المتنامي من الصواريخ، يمكن أن تتصدى لها الأنظمة المضادة للصواريخ.

ولا تزال درجة الصراحة المناسبة لتحذيرات أوباما لإيران مثار جدل في الداخل وترتبط ارتباطا وثيقا بسياسات العام الذي يشهد الانتخابات الرئاسية. ويرى بعض مستشاري أوباما أن إسرائيل تحتاج طمأنة علنية أكبر تؤكد عزمه على القيام بعمل عسكري قبل امتلاك إيران السلاح النووي. مع ذلك، يرى بعض المسؤولين الآخرين رفيعي المستوى أن إسرائيل تحاول وضع أوباما في مأزق ودفعه على الالتزام بالقيام بعمل عسكري لا يحتاج إلى القيام به حتى هذه اللحظة.

وبدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، منتقدا أوباما لغموض حديثه عن المدى الذي قد تصل إليه إيران. وقال لحكومته: «لا يضع المجتمع الدولي لإيران خطا أحمر واضحا، وإيران لا ترى عزما من جهة المجتمع الدولي لمنع المشروع النووي. وإلى أن ترى إيران خطا أحمر واضحا وكذلك هذا العزم، لن تتوقف عن مشروعها النووي.. ويجب أن لا يتم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي».

ولم تتضمن أي من الخطوات التي اتخذتها إدارة أوباما معالجة لأكثر أهداف الولايات المتحدة وحلفائها إلحاحا وهو إبطاء تقدم إيران النووي. لذا هناك جدل مستمر داخل الأجهزة الاستخباراتية الأميركية والإسرائيلية بشأن العملية السرية التي حملت اسم «دورة الألعاب الأولمبية» والتي بدأت خلال إدارة بوش وتقدمت بخطى حثيثة خلال إدارة أوباما واخترقت خلالها أجهزة الطرد المركزي الإيرانية وتسببت في تعطلها لفترة. ولم تنتبه إيران للهجوم عام 2010 إلا بسبب خطأ في شفرة الكومبيوتر. ومنذ ذلك الحين، تم إدخال تغييرات على كثير من المواقع النووية حتى تتمكن من التصدي لهذه الهجمات، بحسب خبراء مطلعين على المحاولات.

وتهدف كل هذه الخيارات إلى كسب الوقت حتى تمنح المسؤولين الإسرائيليين بديلا قابلا للتطبيق للهجوم العسكري الذي من المؤكد أنه سيستدعي رد فعل إيرانيا، وقد يفجر صراعا جديدا في الشرق الأوسط وهو ما يخشاه البيت الأبيض والبنتاغون. وفي الوقت الذي لا يفصح فيه فريق الأمن القومي في إدارة أوباما عن المناقشات المكثفة التي تجري مع نتنياهو، عبر رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، في لندن يوم الخميس، عن بعض المخاوف.

وكرر ديمبسي الموقف الأميركي المعروف بأن الهجوم الإسرائيلي «سيؤجل البرنامج النووي الإيراني، لكنه لن يقوضه». بعد ذلك، تجاوز أي تحذير وجهه أوباما إلى إسرائيل علنا، وقال إن الائتلاف الدولي الذي يطبق عقوبات ضد إيران يمكن أن «يتقوض»، إذا تم «تعجل» توجيه ضربة ضد إيران. وأضاف: «لا أريد أن أُتهم بمحاولة التأثير على القرار، ولا أريد أن يُنظر إلي على أنني متواطئ في حال ما اختاروا توجيه ضربة».

وقال مسؤولو الاستخبارات الأميركية إنه ليس لديهم دليل على اتخاذ قادة إيران الخطوات النهائية باتجاه تصنيع سلاح نووي. ولا تزال نوايا إيران غير واضحة، على حد قول مسؤولين استخباراتيين.

واقترحت الإدارة بهدوء اتفاق «تعليق عمل» يحمل إيران على تعليق إنتاج الوقود الذي يصل إلى درجة تخصيب تصل إلى الدرجة اللازمة لصنع سلاح نووي ونقله من البلاد، بحسب دبلوماسيين من دول مختلفة مشاركة في النقاشات. ومع ذلك، رفض مسؤولون إيرانيون هذه الدعوات، مؤكدين على ضرورة رفع العقوبات. ولم يكن هناك حديث عن اتفاق أكثر شمولا ودواما.

ومن الخيارات التي وافقت عليها الإدارة الأميركية بالفعل هي المناورات العسكرية التي من المقرر أن تتم بدءا من 16 إلى 27 سبتمبر (أيلول) الحالي، والتي ستتدرب فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها على رصد وتدمير الألغام بالسفن والمروحيات والغواصات التي تعمل من دون قائد. وستظل السفن بعيدة عن مضيق هرمز لتفادي الاحتكاك المباشر بالبحرية الإيرانية.

واستباقا للمناورات، ضاعفت البحرية الأميركية بداية الصيف الحالي عدد كاسحات الألغام في المنطقة بحيث وصلت إلى 8 حاويات. ويأتي هذا في إطار سلسلة من التعزيزات العسكرية في الخليج خلال الأشهر القليلة الماضية، التي تقول الولايات المتحدة عنها إنها دفاعية.

ويعد هذا تفسيرا للمحاولات الأميركية لإنشاء نظام دفاع صاروخي إقليمي في الخليج من أجل حماية المدن ومصافي النفط وخطوط الأنابيب والقواعد العسكرية من أي ضربة إيرانية.

مع ذلك، تسود حالة من القلق بين المخططين الاستراتيجيين الأميركيين من احتمال تأويل إيران هذه الأفعال على أنها محاصرة، وتشجيع هذه الأفعال من يريد الإسراع نحو امتلاك القدرة النووية إن لم يكن السلاح النووي ذاته في هذا البلد.

ويمكن أن يحدث واحد من الخيارات، التي يؤيدها كثير من الديمقراطيين والجمهوريين لإحداث هزة في إيران، وهو المساعدة في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، التي تعد تقريبا الصديق الوحيد لإيران في المنطقة، التأثير نفسه.

ودار نقاش داخل البيت الأبيض حول ما إذا كان أوباما بحاجة إلى إعادة صياغة استراتيجية التفاوض التي يتبناها بحيث ترتكز على «خطوط حمراء» واضحة لإيران لن تسمح الولايات المتحدة لها بتجاوزها.

وحتى إذا رسم أوباما «خطا أحمر» واضحا، ستبقى جديته محل شك. بحسب حسابات غراهام أليسون، الخبير في الصراع النووي بجامعة هارفارد، سمحت الولايات المتحدة وحلفاؤها لإيران بتخطي سبعة «خطوط حمراء» سابقة على مدى الثمانية عشر عاما الماضية دون أن يكون لهذا عواقب كثيرة.

وهذا يفسح المجال لخيار واحد آخر يكره المسؤولون مناقشته وهو القيام بعمل سري جديد.

وقد تم تفضيل شن هجوم «الألعاب الأولمبية» على أجهزة الطرد المركزي في إيران على نهج آخر كانت إدارة أوباما تناقشه وهو استهداف شبكات كهربائية تغذي العمليات النووية. مع ذلك، رفض أوباما شن أي هجوم قد يؤثر على مدن أو منشآت قريبة قد يلحق ضررا بالمواطنين الإيرانيين العاديين. وتم التفكير في خطط أخرى في الماضي، لكن يتم إعادة التفكير فيها حاليا؛ ومنها التركيز على أهداف أخرى في العملية النووية بداية من تصنيع الوقود الخام ووصولا إلى المنشآت المرتبطة بتصنيع الصواريخ. وحدث انفجار في مصنع صواريخ العام الماضي ودارت الشكوك حول إسرائيل، لكن لم يتم إثبات ذلك. وينفي مسؤولون أميركيون وجود أي علاقة للولايات المتحدة بذلك الحادث.

ومن المقترحات الأخرى، التي تتم مناقشتها في واشنطن ويؤيدها بعض مسؤولي الأمن القومي السابقين، توجيه ضربة عسكرية «سرية» شبيهة بالتي وجهتها إسرائيل ضد المفاعل النووي السوري عام 2007. لقد استغرق الأمر أسابيع ليعرف أن الموقع قُصف بطائرات إسرائيلية. وربما لأن إسرائيل لم تعترف رسميا بشن هذا الهجوم؛ ولأن نجاحه كان محرجا جدا لسوريا، فإنه لم يكن هناك رد عسكري عليه.

*خدمة «نيويورك تايمز»