غيب الموت مؤسس كنيسة التوحيد الأب سون ميونغ مون، الذي اكتسب شهرة واسعة بسبب إقامته حفلات زفاف جماعية لآلاف الأزواج، عن عمر يناهز الثانية والتسعين. وكان مون بارعا في الناحية التجارية بقدر براعته في هداية الناس إلى مذهبه.
وتقول كنيسة التوحيد إن عدد أتباعها قد وصل إلى 3 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن أعضاء سابقين ونقادا يرون أن عدد أتباعها لا يزيد بأي حال من الأحوال على 100.000. وفي الحقيقة، لا يمكن التشكيك في اتساع نطاق الإمبراطورية التجارية التي أنشأها مون من خلال كنيسته، حيث أقام كثيرا من المشاريع في عدة بلدان، بدءا من المستشفيات والصحف وصناعة السيارات والسوشي وحتى الفرق الرياضية المحترفة وفرقة الباليه، حسب تقرير لـ«واشنطن بوست» نقلا عن وكالة «أسوشييتد برس».
وتوفي مون أمس، الاثنين، في أحد المستشفيات التابعة للكنيسة بمقاطعة جابيونغ، شمال شرقي العاصمة سيول، بعد أسبوعين من دخوله المستشفى بسبب إصابته بالتهاب رئوي، حسب تصريحات المتحدث باسم كنيسة التوحيد، آهن هو يول، لوكالة «أسوشييتد برس». وأضاف آهن أن زوجة مون وأولاده كانوا إلى جانبه لحظة وفاته.
وتم تنكيس الأعلام أمس، الاثنين، بكنيسة التوحيد في سيول، وتدفق أتباع الكنيسة من كل حدب وصوب والدموع تنهمر من أعينهم، وانحنت إحدى السيدات وبكت بشدة أمام نسخة من صحيفة «سيغي تايمز» المملوكة للكنيسة، كانت موضوعة على الطاولة وتحمل صورة كبيرة لمون على صفحتها الأولى، في حين انحنت سيدة أخرى أمام تمثال صغير لمون وزوجته. وقال بو هي باك، وهو رئيس المؤسسة الثقافية الكورية التي تدعمها كنيسة التوحيد، خارج المستشفى الذي كان يرقد به مون: «أنا منهار، ولا أستطيع السيطرة على مشاعري والتركيز في عملي بسبب الحزن على فقدان الأب».
وتم نقل جثمان مون إلى القصر الأبيض بجبل جيونسيونغ المطل على البحيرات والغابات المورقة لمقاطعة جابيونغ، وسوف تقام الجنازة في الخامس عشر من سبتمبر (أيلول) الحالي بعد 13 يوم من الحداد. وسوف يبدأ المركز الرياضي والثقافي الجديد، الذي تم تشييده في الآونة الأخيرة في فناء الكنيسة المترامي الأطراف، في استقبال المشيعين بداية من يوم الخميس المقبل، حسب البيان الصادر عن الكنيسة، الذي أضاف أن مون سوف يدفن في جبل جيونسيونغ.
ولا تعد فترة الحداد أطول من المتعارف عليه في كوريا الجنوبية بفترة تتراوح بين 3 و5 أيام فحسب، ولكنها أيضا أطول من فترة الحداد على الرئيس الكوري الجنوبي الراحل داي جونغ والزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم جونغ إيل. ويأتي هذا تماشيا مع الحياة المتكلفة التي كان يعيشها مون، الذي كان يحث أتباعه على أن يطلقوا عليه هو وزوجته اسم «الآباء الحقيقيون».
وكان مون، الذي ولد في منطقة ريفية في ما يعرف الآن باسم كوريا الشمالية، قد أسس مذهبا قائما على الكتاب المقدس في سيول عام 1954، بعد عام واحد من نهاية الحرب الكورية. وكان مون يزرع أصدقاءه وسط القادة السياسيين في الولايات المتحدة - على الرغم من أنه كان مناهضا للشيوعية - وكوريا الشمالية، على الرغم من أنه قضى فترة في السجن في كلا البلدين. وقد اكتسب مون شهرة واسعة لقيامه بعقد قران آلاف الأتباع في مراسم زفاف جماعي. وكان مون غالبا ما يعقد قران الغرباء القادمين من بلدان مختلفة، كجزء من رؤيته لعالم ديني متعدد الثقافات وموجه نحو الأسرة.
وقد واجهت الكنيسة جدلا واسعا على مدار أعوام طويلة، وتم اتهامها باستخدام أساليب ملتوية وخداع أتباعها من أجل الحصول على الأموال. وقد أعرب آباء أتباع الكنيسة الشباب في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان عن قلقهم من قيام الكنيسة بعملية غسل مخ لأبنائهم لكي ينضموا إليها. ومن جهتها، رفضت الكنيسة تلك المزاعم، مؤكدة أن كثيرا من الحركات الدينية الجديدة قد واجهت اتهامات مماثلة خلال السنوات الأولى لها.
وادعت الكنيسة أن عدد أتباعها وصل لنحو 3 ملايين، بما في ذلك 100.000 تابع في الولايات المتحدة وحدها، وأشارت إلى أنها أرسلت بعثات تبشيرية إلى 194 دولة، حسب تصريحات المتحدث باسم كنيسة التوحيد، آهن.
وقال ريتشارد بانزر، وهو رئيس معهد التوحيد اللاهوتي في باريتاون بولاية نيويورك، إن التراث الذي تركه مون لن يموت بموته وسوف يستمر، وأضاف: «نعتقد أن مون كان شخصية عظيمة في تاريخ الدين، وأنه أسهم بقدر كبير في فهم السلام العالمي».
ويعد المعهد، الذي قام مون بإنشائه عام 1975، مؤسسة للتقارب بين الأديان ويعمل به أساتذة ينتمون للديانات البوذية والمسيحية والإسلامية.
وعلاوة على ذلك، أقامت الكنيسة كثيرا من المشاريع التجارية المربحة على مر السنين، بما في ذلك صحيفة «واشنطن تايمز» وفندق «نيويوركر»، ومبنى شهير وسط مدينة مانهاتن وفقا لموجة التصميم الشعبية التي كانت سائدة خلال الفترة بين عامي 1920 و1939 التي كانت تعرف باسم «آرت ديكو»، وشركة لتوزيع المأكولات البحرية، وهي التي تزود المطاعم اليابانية في جميع أنحاء الولايات المتحدة بالسوشي. وبالإضافة إلى ذلك، منحت الكنيسة جامعة بريدجبورت 110 ملايين دولار على مدى أكثر من عقد من الزمن، حتى تتمكن كلية كونيتيكت من مواصلة عملها. وفي كوريا الجنوبية، تملك الكنيسة منتجعا للتزلج، وأندية محترفة لكرة القدم، علاوة على عدد من المدارس والمستشفيات وغيرها من الشركات، كما تملك فندق «بوتونجانج» في بيونغ يانغ، ولها حصة في شركة صناعة السيارات الكورية الشمالية، ومعهدا «للسلام» في العاصمة الكورية الشمالية.
وكان مون قد أعرب عن أمله في المساعدة على إعادة الوحدة بين الكوريتين. يذكر أن مون ولد في مقاطعة بيونغان الشمالية عام 1920، عندما كانت بيونغ يانغ تعرف بأنها مركزا رئيسيا للمسيحيين في كوريا الشمالية. وقال مون إنه كان في السادسة عشرة من عمره عندما رأى المسيح لأول مرة وطلب منه أن يكمل المسيرة التي بدأها على الأرض قبل 2000 عام. وتراجع انتشار المسيحية عقب انقسام شبه الجزيرة الكورية إلى كوريا الشمالية الشيوعية وكوريا الجنوبية التي كانت تحظى بدعم من الولايات المتحدة عام 1945، بينما كان مون سجينا في الأربعينات من القرن الماضي من قبل السلطات الكورية الشمالية بسبب اتهامه بالتجسس لصالح كوريا الجنوبية، وهي الاتهامات التي نفاها مون.