مصادر فرنسية: روسيا تبرر تشددها في الموضوع السوري بسؤال «ما الذي سيحدث بعد سقوط الأسد؟»

قالت إن «المدخل» الوحيد لأي عمل عسكري من خلال الفقرة 5 من ميثاق الأطلسي في حال الاعتداء على تركيا

TT

أجهضت المعارضة الروسية آخر المحاولات الغربية في مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي في موضوع الأزمة السورية، إلى درجة أن باريس التي دعت إلى الاجتماع الوزاري ورأسته تخلت حتى عن طرح مشروع قرار أو مجرد بيان رئاسي بخصوص الوضع الإنساني.. مما يعني أن المجلس «معطل تماما» حتى إشعار آخر.

لذلك، فإن كل الكلام الصادر عن عدد من العواصم، والذي يدعو إلى إقامة ممرات أو مناطق آمنة أو حظر طيران، يبقى من باب «التمنيات» أو «تقطيع الوقت» طالما أن الوضع في مجلس الأمن على حاله، وطالما أن الدول الغربية ما زالت متمسكة بالحصول على «ضوء أخضر» منه للتحرك الميداني.

ومن هذا المنظور، تنحصر إمكانية الالتفاف على مجلس الأمن والقيام بتحرك عسكري وميداني اليوم، وفق المصادر الفرنسية، بـ«الجبهة التركية». ففي حال تعرضت أنقره إلى «اعتداء» من جانب قوات النظام السوري، ستتمكن عندها من طلب تفعيل البند الخامس من معاهدة واشنطن الخاصة بإنشاء الحلف الأطلسي. وينص البند المذكور على أن أي اعتداء يحصل «على عضو من الحلف» في أوروبا أو أميركا الشمالية يعتبر اعتداء ضد كل الأعضاء. وفي هذه الحال، فإن بإمكان أي عضو أن يساند الطرف المعتدى عليه فرديا أو جماعيا، عملا بالمادة 51 من شرعة الأمم المتحدة الخاصة بالدفاع المشروع عن النفس، وذلك بأي وسيلة كانت بما فيها العمل العسكري..

ولدى إسقاط الدفاع الجوي السوري الطائرة التركية الحربية، اكتفت أنقره باللجوء إلى المادة الرابعة التي تنص على التشاور بين الدول الأعضاء «كل مرة تكون فيها السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي أو أمن أحد الأعضاء يتعرض لتهديد». وكان واضحا في حالة إسقاط الطائرة التركية أن الحديث عن الدفاع المشروع عن النفس لم يكن متيسرا، الأمر الذي حفز أنقرة للاكتفاء بالبند الرابع.. أما إذا ارتكبت دمشق «خطأ» فاضحا، فإن الأمور عندها ستتغير حتما.

غير أن المصادر الفرنسية، وعلى الرغم من الطريق المقطوع إلى مجلس الأمن، لم تفقد الأمل من أن تصل موسكو إلى لحظة تجد معها أن عليها «إعادة النظر» في موقفها أقله، وفق ما تقوله هذه المصادر، من زاوية «الحفاظ على مصالحها» في سوريا نفسها وفي مجمل المنطقة.

وقبل أيام، قام مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية بزيارة إلى موسكو. حيث أجرى محادثات معمقة مع نظرائه الروس، أتبعت باتصال هاتفي بين الوزير لوران فابيوس ونظيره سيرجي لافروف تركز على «ما يمكن عمله» بشأن الأزمة السورية. والخلاصات التي توصلت إليها باريس من مجمل الاتصالات التي جرت مع موسكو في الأيام الأخيرة تدفع إلى الاعتقاد أن موسكو «غير منغلقة تماما» على التحولات، لكن ذلك لا يعني - بعد - أنها «جاهزة» لاتخاذ مواقف مغايرة في مجلس الأمن. ومن الأسباب التي تحفز موسكو على التشدد في مجلس الأمن أنها «لا تريده بيد الغربيين».

وكشفت المصادر الفرنسية أن السؤال المركزي الذي يطرحه الجانب الروسي هو التالي: «ما الذي سيحصل في سوريا في اليوم التالي لسقوط الرئيس الأسد؟».

تقول المصادر الفرنسية إن موسكو «تعي أنه يتعين تفادي انفجار وتفتت سوريا»، وتتفهم الحجة الغربية القائلة إنه «كلما استمر التقاتل وبقي الوضع في طريق مسدود زادت مخاطر الانفجار». غير أنها في الوقت عينه مسكونة بعدد من «الهواجس»، وأولها تخوفها مما تسميه «السلفية السنية الجهادية» وامتداد عدواها إلى روسيا نفسها التي تعد من بين مواطنيها 20 في المائة من السنة. ولذا، فالتخوف الروسي هو من أن تتحول سوريا إلى «منطلق جهادي» باتجاه الداخل الروسي نفسه، ما سيعيد إحياء الثورة الشيشانية مثلا ويزيد من خطر الاضطرابات في الجمهوريات السوفياتية السابقة ذات الأكثرية المسلمة.

غير أن موسكو، وفق النظرة الفرنسية، تستخدم الأزمة السورية من أجل إعادة ترميم وضعيتها السياسية والاستراتيجية كقوة عالمية كبرى «لها كلمتها ومصالحها» في شؤون العالم، وخصوصا في شؤون الشرق الأوسط القريب منها جغرافيا. ولذا، فإن الطرف الروسي يستفيد من مجلس الأمن الدولي - حيث يتمتع بحق النقض (الفيتو) - لكي «يثأر» من الغرب الذي يعتبر أنه «خدعه» في موضوع ليبيا حيث أعطى للقرارين الدوليين 1970 و1973 تفسيرات «موسعة» واستغلهما للإطاحة بنظام القذافي، بينما «جوهر» هذين القرارين كان «حماية المدنيين».

يضاف إلى ذلك اعتبارات متنوعة، منها حاجة موسكو لسوريا كـ«آخر موطئ قدم لها» في الحوض المتوسطي، فضلا عن العلاقات المتينة القائمة منذ عقود بين أجهزة المخابرات في البلدين التي تدفع موسكو للبقاء وفية لتحالفاتها وعلاقاتها السابقة.

وتلعب الكنيسة الأرثوذكسية دورا باتجاه دفع الكرملين والحكومة الروسية للثبات على نهجهما، باعتبار أن روسيا اليوم هي «وريثة» روسيا القيصرية التي كانت منذ عقود حامية الأرثوذكس في السلطنة العثمانية كما كانت فرنسا حامية الكاثوليكية.

هكذا تتداخل العوامل في بعضها البعض. ولأنه واضح وضوح الشمس أن الطرف الأميركي «غير جاهز بعد» للتحرك الجدي في الملف السوري، فإن المراقبين في باريس يتوقعون أن يستمر الموقف الروسي على حاله، على الرغم من بعض «المؤشرات» التي صدرت عن موسكو، ومنها مثلا استقبالها لوفود معارضة وقبولها أن يناقش الملف السوري في مجلس الأمن بعد أن كانت ترفض ذلك سابقا بشكل مطلق.

وترى مصادر أخرى في العاصمة الفرنسية أن الجانب الروسي لا يرى أن زمن «إبرام صفقة شاملة» تتضمن مصير سوريا بالطبع، وأيضا المصالح الروسية والضمانات الخاصة بها وربما بعضها لا علاقة مباشرة له مع ما هو حاصل في دمشق، قد حان. ولعل حصول تحول ميداني عسكري حقيقي قد يسرع من عملية إعادة النظر في السياسة الروسية، وبالتالي حصول التحولات التي ينتظرها كثيرون.