التدخل الأميركي في سوريا يبدو غير وارد

مسؤول بارز: لم نتورط في القتال بعد.. ويمكن لذلك أن يحدث

TT

ركز تصاعد وتيرة القتال، وارتفاع أعداد القتلى من المدنيين في سوريا، والنداءات بمد يد العون لمقاتلي الثوار وموجة اللاجئين الفارين من المعارك، الانتباه الأميركي على صراع شرق أوسطي تكتنفه مخاطر جمة قبل 9 أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية.

بيد أنه بقدر السوء الذي تبدو عليه الحرب السورية، التي وصل عدد ضحاياها إلى 20000 شخص ومئات الآلاف من اللاجئين في دول جوار سوريا، يبدو التدخل الأميركي أو الدول حلما بعيد المنال. فحتى التوسع المحدود في الدور الأميركي الصغير بات غير متوقع خلال الأشهر المقبلة التي تواكب الانتخابات وما بعدها، بحسب مسؤولين أميركيين وأجانب.

ويقول أحد المسؤولين البارزين، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، للحديث عن النقاشات الداخلية والدبلوماسية المعقدة حول سوريا: «قد نتورط في القتال، ما من شك في ذلك، لكننا لم نتورط بعد».

ولا يزال مسؤولون أميركيون وغربيون يتوقعون أن يسقط الرئيس الأسد في النهاية، لكنهم أشاروا إلى أن انقضاء 18 شهرا على النزاع يعد مؤشرا على حرب استنزاف طويلة.

إزاء هذا التقييم غير السار ترفض إدارة أوباما النداءات المتفرقة في أوروبا والجيش السوري الحر لتقديم الأسلحة وإقامة ممر إنساني، أو منطقة عازلة للسوريين النازحين داخل بلادهم.

وقال مسؤول آخر بالإدارة: «الخلاصة هي أن مثل هذه المناطق المحمية ستتطلب منطقة حظر طيران، ولن تدخل أي منظمة إنسانية إلى سوريا دون ضمانات بالحماية من الغارات الجوية». وقال: «سيتطلب ذلك القضاء على الدفاعات الجوية السورية. وهذا منحدر زلق للغاية».

وأصر هذا المسؤول وآخرون على أن كل الاحتمالات، بما في ذلك التدخل العسكري، لا تزال مطروحة على الطاولة، وقال: «لم نترك شيئا لم نناقشه بجدية، ولا يوجد شيء لم يخضع للدراسة من جميع الأوجه. نحن بحاجة إلى القيام بمزيد من الدراسة لكننا نقارن ذلك بما قد يكون فعالا وفي مصلحتنا».

استولى الثوار على الأراضي، وأظهروا قدرات عسكرية متقدمة، لكنهم لا يكافئون الأسلحة الثقيلة لنظام الأسد، ويناشدون للحصول على الدعم الخارجي.

وخلال المقابلة التي أذيعت يوم الأربعاء، اعترف الأسد بتوسيع نطاق الحرب لكنه توقع النصر.

وقال في حوار متلفز مع قناة «الدنيا» الخاصة المؤيدة للنظام: «إننا نخوض حربا عالمية وإقليمية، لذا نحن بحاجة إلى الوقت للفوز فيها. نحن نتقدم، والموقف أفضل من الناحية العملية، لكن لم يتقرر المنتصر، فسوف يتطلب ذلك بعضا من الوقت».

ويشير المسؤولون إلى أن الإدارة تعتقد أن الثوار حققوا تقدما مطردا باستخدام الأسلحة التي استولوا عليها من القوات الحكومية، وتلك التي دفعت ثمنها دول، لكن المسؤولين الأميركيين يخشون من سقوط الأسلحة المضادة للطائرات أو مهاجمة الدبابات السقوط في أيدي المتطرفين في صفوف حركة المقاتلين، التي لم تتوحد بعد حول خطة ديمقراطية قابلة للتطبيق للفترة الانتقالية التي تلي سقوط الأسد.

وقال مسؤول ثالث بالإدارة شارك في التخطيط لسوريا ما بعد الأسد: «ما يقلقنا هو اختراق الإسلام الراديكالي الواسع لسوريا، فنحن لا نرغب في سقوط الأسلحة في الأيدي الخاطئة فيما بعد».

كان الأسبوع الماضي قد شهد سقوط ما لا يقل عن 1600 شخص، في أعلى حصيلة للضحايا الذين سقطوا خلال أسبوع واحد منذ بداية الثورة في مارس (آذار) 2011، بحسب «اليونيسيف».

كما راح ضحية القتال العنيف الذي شهده الشهر الماضي ما لا يقل عن 5440 شخص، بما في ذلك 4114 مدنيا ما يجعل شهر أغسطس (آب) الشهر الأكثر دموية في الصراع، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن.

وقد تمكنت قوات الثوار خلال الأيام الأخيرة من استهداف منشآت عسكرية حكومية في أنحاء متفرقة في سوريا، فأسفر تفجيران في قاعدة عسكرية في وسط دمشق عن إصابة 4 أفراد، بحسب وسائل الإعلام السورية.

وعلى الرغم من ارتفاع حصيلة القتلى، لم تتحرك رغبة الحكومية الأميركية باتجاه الدخول في حرب بعيدة أخرى، أو وجود الضغط الشعبي على الرئيس أوباما للتدخل. وكان الرئيس أوباما قد قال في مؤتمر إخباري الشهر الماضي إن استخدام الحكومة السورية مخزون الأسلحة الكيماوية يشكل خطا أحمر من شأنه أن يغير حساباته.

في حين انتقد المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، ميت رومني، أوباما واصفا إياه بـ«المتردد» تجاه سوريا، لكنه لم يطالب بالتدخل العسكري. وكان كبير مستشاري رومني قد رفض الأسبوع الماضي الدعوات المطالبة بإنشاء «منطقة حظر للطيران».

وحتى الآن تركز الجهود الأميركية على مساعدة تركيا الحليف المجاور لسوريا التي تحمل عبء ما قالت الولايات المتحدة إنه ما يقرب من 230000 لاجئ فروا من سوريا بمعدلات تتزايد سريعا.

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد توجهت إلى تركيا الشهر الماضي لمناقشة طلب أنقرة بإنشاء منطقة حماية للاجئين داخل سوريا. لكن كلينتون وعدت بمساعدات إنسانية إضافية، مؤكدة أن التدابير العسكرية غير عملية أو تفتقر إلى الرؤية، بحسب مسؤولين أميركيين وآخرين تحدثوا عن المؤتمر على المستوى الدبلوماسي، شريطة عدم ذكر أسمائهم.

وعلى الرغم من تعبير فرنسا ودول أخرى عن دعمها لبعض أشكال العمل العسكري، تشارك بريطانيا وباقي دول الناتو الولايات المتحدة ترددها، بحسب دبلوماسيين.

وفي بيانه الموجز في مجلس الأمن، اقترح وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو اتخاذ تدابير عاجلة. وطالب الدبلوماسيين في المجلس بزيارة معسكرات اللاجئين السوريين في تركيا والدول المجاورة، واقترح تشكيل لجنة مشتركة لجيران سوريا ومسؤولي اللاجئين في الأمم المتحدة للتعامل مع القضية.

وبمقارنة موقف سوريا بالمذابح التي تعرض لها المدنيون في البوسنة خلال التسعينات، قال داود أوغلو إن الأمم المتحدة تفوت فرصة تاريخية لتفادي كارثة.

لكن الصين وروسيا كررتا رفضهما قرارات المجلس بتحرك دولي في سوريا. وعلى الرغم من كون تركيا عضوا في الناتو، فإنها رفضت دعوة الحلف إلى القيام بعمل عسكري خشية أن تتهم من قبل الدول العربية بدعوة القوى الخارجية إلى المنطقة.

وقال مسؤول تركي عن التدخل الخارجي: «نعتقد أنه الحل الوحيد، لكن تزعم تركيا المطالب بتدخل الناتو في سوريا سيشجع البعض على القول إن أشقاءنا الأتراك هم من فعلوا ذلك».

وأوضح مسؤولون أميركيون أن رفض سوريا إنشاء مناطق حماية اللاجئين داخل حدودها يعني أن مثل هذه المناطق سيتم إنشاؤها قسرا من قبل الجيوش الغربية.

وقال المسؤول إن المناطق التي أقامها الثوار بالقرب من مدينة حلب، شمال غربي سوريا والحدود التركية (التي يتوقع تحويلها منطقة آمنة أو منطقة حظر الطيران) تقع في مرمى نيران الدفاعات الجوية السورية الواقعة في جنوب دمشق.. وتمتلك سوريا أيضا وحدات دفاع جوي متنقلة.

وقال مسؤول أميركي مطلع على المناقشات إن إنشاء منطقة حظر جوي محدودة، التي طالب بها النشطاء ستكون مثل «نصف حمل»، إذ لا وجود لمثل هذا الأمر.

وعلى الرغم من استشهاد البعض بما قام به الناتو في ليبيا العام الماضي، أوضح القادة الأوروبيون أن الموقف مختلف. فالمعارضة الليبية الموحدة والطبيعة الجغرافية السهلة والدفاعات المحدودة جعلت الدخل أقل خطورة مما سيكون عليه الأمر في سوريا. إضافة إلى ذلك لقيت العمليات في ليبيا موافقة من الأمم المتحدة والجامعة العربية والناتو، والتي لم توافق أي منها على التدخل في سوريا. حيث تشهد الجامعة العربية انقسامات بشأن سوريا، فيما يبدي الناتو ترددا تجاه التدخل خاصة من دون دعم الولايات المتحدة، حتى وإن طلبت تركيا ذلك.

واستحوذ دور القوى الإقليمية على أهمية أكبر بسبب الموقف المتجمد لمجلس الأمن. وقد تشجع بعض جيران سوريا الأسبوع الماضي عندما أصدر الرئيس المصري محمد مرسي استنكارا قويا على غير العادة في حق الأسد، أثناء اجتماع لحركة عدم الانحياز في إيران حليفة الأسد. وعلى الرغم من أنه لم يدع إلى تدخل عسكري، فقد قال مرسي إن جيران سوريا من واجبهم أن يتوسطوا بين الطرفين. ونقلت وكالة أنباء «رويترز» عن مرسي قوله: «إن نزيف الدماء في سوريا مسؤوليتنا.. وعلينا أن نعلم أن إراقة الدماء لا يمكن أن تتوقف من دون تدخل فعال من جانبنا جميعا».

وعندما غادر وزير الخارجية السوري الجلسة غاضبا، قال مرسي إن البلدان الأخرى عليها أن تظهر التضامن من خلال تقديم «رؤية سياسية» لكيفية إيجاد سوريا ديمقراطية.

*شارك في إعداد التقرير من بيروت دباك ديغانبيشة

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»