مدير «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»: الحكومة اليمنية ملتزمة بالعملية الانتقالية

شاه لـ «الشرق الأوسط»: الشعب السوري يعاني من أزمة إنسانية واسعة النطاق

المدير العام للوكالة الأميركية للتنمية الدولية راج شاه (أريك بورديير)
TT

شارك مدير «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (يو اس ايد) راج شاه في مؤتمر المانحين لليمن في الرياض أمس، مشددا على اهتمام الولايات المتحدة بمعالجة الأزمة الإنسانية والاقتصادية في اليمن لضمان العملية الانتقالية فيها وتشكيل انتخاب رئيس جديد في البلاد بعد نحو 18 شهرا من اليوم. وضرورة إنجاح العملية السياسية المبنية على المبادرة الخليجية، لحماية اليمن من تداعيات أمنية وخيمة، تدفع الدول المعنية بالشأن اليمني، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لتكثيف جهودها في معالجة أزمة انعدام الأمن الغذائي وشح المياه وغيرها من مصاعب في البلاد.

وفي حوار خاص بـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من الرياض، شدد شاه على أهمية الشفافية في التعامل مع المساعدات والمنح لليمن التي رصدت في الرياض أمس، مؤكدا على التزام الحكومة اليمنية بهذه العملية. ومن الرياض يتوجه شاه إلى الأردن حيث يلتقي بالمسؤولين الأردنيين لبحث أزمة اللاجئين السوريين التي تشغله بشكل كبير الآن، إذ يعتبر أنها «أزمة إنسانية واسعة النطاق» على المجتمع الدولي أن يعمل لمساعدة الدول المضيفة أن تتحمل أعباءها. وفي ما يلي نص الحوار:

* لقد عبرت الحكومة اليمنية عن حاجتها إلى 11 مليار دولار من أجل معالجة الوضع الاقتصادي في البلاد، هل تتوقعون أن يحصل اليمن على هذا الدعم؟

- هذا المبلغ هو الذي طرحه اليمنيون لبرنامج تنمية على مدار أطول. أعتقد أن اجتماع الرياض يركز على الحصول على الفرص الإنسانية والتنموية والاقتصادية للتحسن، خصوصا في نافذة الـ18 شهرا التي ستسمح لانتقال سياسي فعال. وأعتقد أن الطريقة التي حددها المنظمون للمؤتمر هي تحديد 4.7 مليار دولار، وهو مبلغ يمثل الفجوة المباشرة لفترة الـ18 شهرا أو فترة السنتين أو الثلاث المقبلة، وهم يسعون للحصول على هذا المبلغ.

* وما المبلغ الذي حددته الولايات المتحدة للمساعدة الإنسانية؟

- الولايات المتحدة تعهدت بـ345 مليون دولار هذا العام من الدعم الإنساني والتنموي، وذلك يشكل مضاعفة دعمنا السنوي لليمن، وإننا نسعى لمواصلة هذا المستوى من الدعم في السنوات المقبلة. وهذه زيادة كبيرة في دعمنا لليمن، وهذه المبالغ موجهة للتوصل إلى نتائج ملموسة في مجالات مثل الأمن الغذائي والصحة ولدعم عملية الانتقال السياسي من خلال ما يسمونه الحوار الوطني، ومن خلال دعم الاستثمار الخاص لتشجيع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

* هل هذه المبالغ منح وليست قروضا؟

- التعهد الأميركي هو على شكل منح، ومن اللافت أننا نستخدم بعض هذه المنح لخلق شراكات مهمة مع القطاع الخاص، وذلك يشمل ضمانات القروض التي تعني أن لكل دولار نضمنه يتحول إلى ما بين 16 و20 دولار من القروض إلى شركات في اليمن. ولكن غالبيتها ي منح أو ضمانات قروض.

* هل المنح والمبالغ التي تم الإعلان عنها في الرياض يجب أن تكون مرتبطة بنظام إصلاح سياسي، أم ستكون على شكل مساعدة مباشرة للميزانية اليمنية؟

- هذه الأسئلة الصحيحة التي يجب أن تطرح، يجب أن تكون المساعدات مرتبطة بشكل وثيق مع عملية إصلاح كي تجلب نتائج للشعب اليمني. ولذلك الحكومة اليمنية (اليوم) تعهدت بالالتزام بإطار محاسبة متبادلة ستضمن أن تكون كل المنح مخصصة بطريقة شفافة، وأن هناك آليات يمكن للمانحين استخدامها ورصدها وأن يتم محاسبة الجميع. المساعدات الأميركية ليست من خلال أموال مباشرة للميزانية ولكن السعودية أعلنت عن تحويل مليار دولار إلى البنك المركزي اليمني، وبالطبع ذلك دعم مباشر للميزانية. عملنا يركز على تحقيق نتائج ملموسة، فعلى سبيل المثال نحن نعلم أن 5.2 مليون يمني يعانون من انعدام حاد في الأمني الغذائي، وهذا عدد مذهل، إذ إنه يشكل نحو ربع التعداد السكاني، وهذه النسبة من الذين يعانون من الجوع والحاجة الماسة إلى الغذاء أعلى مما نراه في القرن الأفريقي أو الساحل، مما يجعلها قضية كبيرة. ونعلم أن مساعداتنا الآن وصلت إلى 450 ألف يمني، نمنحهم حصصا تموينية من الغذاء على مدار 3 أشهر، ونعلم أننا نوصل إلى 718 ألف يمني خدمات صحية مبدئية، وما زال اليمن من بين أعلى نسب وفيات بين الأطفال التي يمكن تجنبها، بالإضافة إلى وفيات بين الرضع، ونحن نؤمن بأنه من الممكن أن نعالج ذلك من خلال استثمارات في قطاع الصحة. نحن نعمل على ضمان أن يكون لكل دولار نصرفه نتائج ملموسة جدا ونتائج تساعد اليمن على مسار العملية الانتقالية السياسية.

* هل لديكم ثقة في قدرة الحكومة الجديدة على معالجة هذه التحديات التي تعود إلى زمن طويل؟

- لقد أظهروا التزاما حقيقيا بالعملية السياسية الانتقالية وتركيزا حقيقيا على ضمان المحاسبة ومنع الفساد في تعاملهم مع المجتمع الدولي من حيث الاحتياجات الإنسانية والتنموية. وعلى سبيل المثال من حيث العملية السياسية والحوار الوطني نعمل معهم، وبناء على طلبهم نحن ندعم 165 منظمة مجتمع مدني، وساعدنا على تدريب أكثر من ألفي شاب وشابة في النشاط المدني، وذلك بناء على دعوة الحكومة، ولكن لم يصروا على أن يكونوا مسؤولين عن تلك المساعدات. وبينما نوصل مساعدات غذائية لما يقارب نصف مليون شخص، تشاركنا مع الحكومة للوصول إلى 5 آلاف مزارع لتحسين إنتاجهم للغذاء، ليكون لديهم استراتيجيات أقل تكلفة وأفضل. وفي الحالتين بنينا تحالفا قويا جدا مع الحكومة. ومن بين نتائج اجتماع الرياض تعهد المانحين بدعم بعض برامج الحكومة مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي نعلم أنه يصل إلى مئات الآلاف من العائلات اليمنية كي يحسنوا إدارة مياه الأمطار والوصول إليها، وهذا موضوع يزداد أهمية، إذ يعاني اليمن من شح المياه. وهناك مجالات عدة عملت (الحكومة اليمنية) بكفاءة عالية من حيث المجال الإنساني والتنموي، وهذه المجالات التي نحاول أن نشترك معهم فيها.

* في السابق اشتكى مسؤولون يمنيون من أنه يتم الإعلان عن مبالغ مساعدة ولكن لا تصل تلك المنح في النهاية إلى اليمن، كيف يمكن ضمان وصول كل المنح التي يتم الإعلان عنها في المؤتمرات الدولية في النهاية؟

- هذا أمر مهم جدا. الولايات المتحدة تشكل 36 في المائة من حملة الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية، ونحن نشجع غيرنا من المانحين أن يسجلوا تعهداتهم من خلال عملية الأمم المتحدة، كي يرى الجميع بشفافية كيف تتحول المصادر إلى خدمات تصل إلى الشعب اليمني. ونحن نعمل بشكل متواصل مع منظمات محلية. وقد أتيحت لي الفرصة لزيارة مدينة زنجبار الجنوبية، وكانت المدينة كلها تحت سيطرة تنظيم القاعدة قبل أسبوعين من وصولي إلى هناك في أواخر يونيو (حزيران) الماضي، وعندما وصلنا التقينا بالمحافظ، ولديه فريق من الشركاء التنفيذيين، والكثير منهم شركاء نحن ندعمهم، وكلها منظمات محلية، والعاملون فيها يمنيون ويعملون في مجالات مهمة مثل نزع الألغام في المدارس، ويعدون بناء مراكز صحية ويدربون المدرسين ويقدمون المساعدات الغذائية لأكثر من مائة ألف من العائدين إلى زنجبار بعد أن فروا منها بسبب «القاعدة». وعندما نركز على هذا النوع من التنفيذ، يمكن أن نرى نتائج كبيرة وسريعة، وهذا أمر يخدم أهدافا أمنية وأيضا يساعد على تحقيق مسار تنموي بعيد الأمد يساعد في عملية الانتقال. وفي هذا الاجتماع كانت الرسالة هي تشجيع جميع المانحين، بمن فيهم الشركاء الإقليميون، وأن يركزوا على هذه الآليات، وأعتقد أن مشاريع مثل الصندوق الاجتماعي ستكون من الفائزة من هذا الاجتماع لأنهم يقدمون نتائج نافذة وسريعة لعدد كبير من العائلات اليمنية.

* لننتقل إلى ملف اللاجئين السوريين الذي يشغلك الآن أيضا. تتوجه إلى الأردن من أجل بحث ملف اللاجئين، وبينما يشكو بعض السوريين من الأوضاع العصيبة في مخيم الزعتري، تقول الحكومة الأردنية إنهم يقومون بأفضل جهودهم لاستقبال اللاجئين. هل لديكم مقترحات لمساعدة الأردنيين في التعامل مع الأعداد المتصاعدة من اللاجئين المتدفقين إليها؟

- أولا، كلنا يعلم، ولكن يجب أن نعيد التأكيد على، أن نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد والوحشية التي يمارسها ضد شعبه هو ما يؤدي إلى الحاجة إلى الدعم الإنساني داخل سوريا وللسوريين اللاجئين إلى دول الجوار. هذه هي القضية الأساسية. ثانيا، لدينا جهود وثيقة في ما يخص الجهود الإنسانية، لقد صرفنا 82 مليونا لتقديم المساعدة داخل سوريا، نعتقد أننا نصل إلى 780 ألف سوري بما في ذلك المساعدات الغذائية والمياه والخدمات البسيطة التي تقدمها الأمم المتحدة وأحيانا من خلال الهلال الأحمر السوري، كما يشمل أحيانا مساعدات طبية وعمليات جراحية هادفة للآلاف من ضحايا العنف. جزء من الحل يكمن في توسيع الخدمات داخل سوريا من خلال استخدام شبكات معينة، خصوصا في المجال الطبي مثل الأطباء والممرضين الذين يمكنهم معالجة الأعداد الهائلة والمتصاعدة من ضحايا العنف. ثالثا، في ما يخص الأردن وتركيا ولبنان وغيرها من دول في المنطقة، العمل الرئيسي هو مساعدة تلك الدول والاعتراف بأن هذا عبء كبير عليهم وأن نساعدهم على التغلب على هذا العبء وتزويد المساعدات البسيطة في إطار اللاجئين. وفي ما يخص الأردن، لقد أعلنا للتو نقل 100 مليون دولار إلى الأردنيين، 35 مليون دولار من ذلك المبلغ هدفه تقديم الخدمات تحديدا لتدفق اللاجئين، بالإضافة إلى المساعدات التي نقدمها لشركاء مثل المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة. وسأقوم بزيارة المخيم وسأكون مهتما جدا بالأوضاع العامة والخدمات البسيطة فيه. لقد رأينا أن هناك مجالات يمكن أن يحدث فيها تحسن ملحوظ في نوعية الخدمات المقدمة للاجئين، ونحن نريد أن تكون جميع المخيمات على الأقل متماشية مع المستويات البسيطة للوضع الإنساني الدولي وإذا كان بالإمكان أفضل من ذلك.

* إلى أي درجة تشعرون بالقلق من الأوضاع الأمنية في مخيمات اللاجئين، خصوصا في الأردن؟ ولكن أيضا في تركيا هناك بعض التقارير حول وجود مقاتلين في المخيمات.

- في كل حالات تدفق اللاجئين هناك مخاطر أمنية، ومجتمع المنظمات الإنسانية يحاول جاهدا لحماية مكان آمن إنساني لمساعدة أولئك الأشد حاجة إلى المساعدة. الغالبية العظمى من الذين يحصلون على مساعدات هم النساء والأطفال، ونماذج المساعدات التي يحصلون عليها هي على سبيل المثال طفلة عمرها 6 سنوات تعاني من إصابات عدة في الرأس تحصل على رعاية طبية. فنحن سنبحث هذا الأمر بالطبع، ونحن واثقون، لكن عندما ننظر إلى الصورة الأكبر الغالبية العظمى من المساعدات المقدمة هي مساعدات إنسانية أولية وغالبية المستفيدين منها نساء وأطفال.

* يقترب موعد ابتداء العام الدراسي الجديد، ماذا تفعلون للتأكد من تعليم الأطفال في المخيمات؟

- هذا أمر ذو أهمية هائلة. في أي حالة مشابهة للاجئين حول العالم، التأكد من سلامة النساء والأطفال وضمان نوع ما من التعليم المماثل جزئيا لما تقدمه المدارس، والاستعداد للشتاء كي لا تعاني العائلات المزيد من المعاناة، كلها قضايا نركز عليها الآن كي نتجنب المزيد من الأوضاع المأساوية بعد شهرين أو ثلاثة. وشركاؤنا مثل الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي يعملون جاهدين لضمان الخدمات المطلوبة إلى مخيم الزعتري ويعملون أيضا مع بعض الشركاء الأتراك، ولكن بالطبع المخيمات التركية يديرها الأتراك وعلى مستوى يبدو أعلى.

* يبدو أن اللاجئين سيبقون عالقين على الحدود مع اقتراب موسم الشتاء، كيف يمكن حمايتهم في هذه الظروف الصعبة؟

- داخل المخيمات، هناك بروتوكول معين من حيث التأكد من أن المأوى الأساسي مناسب من حيث إعداده للشتاء، وأن تكون هناك بطانيات توزع على اللاجئين بالإضافة إلى المواد الطبية المناسبة، ووجود المختصين لتقديم مساعدات مثل تلقيح الأطفال، إلى آخره. داخل سوريا هناك أيضا حاجة إلى المساعدة الإنسانية للنازحين وحمايتهم خلال الشتاء، وهناك مساعدات موسعة من قبل الهلال الأحمر السوري. الأمر يحتاج غالبا إلى معدات ومواد بكميات كبيرة، وهذا بالطبع يشكل تحديا.

* هل لديكم أرقام دقيقة حول عدد اللاجئين السوريين في الدول المجاورة الآن، خصوصا أن الأمم المتحدة قالت إن شهر أغسطس (آب) شهد نزوح 100 ألف خارج البلاد؟

- الأرقام الموجود تختلف، نحن نعتمد على عدد 230 ألف سوري هربوا إلى دول الجوار، بعضهم في المخيمات وكثيرون يمكثون عند عائلات مضيفة لهم بدلا من المخيمات. نعتقد أن 2.5 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية داخل بلادهم، من بينهم 1.2 مليون سوري نزحوا من منازلهم داخل البلاد. لذا هذه أزمة إنسانية واسعة النطاق، والولايات المتحدة هي المتبرعة الكبرى لخطة الأمم المتحدة، ونحن نعمل حتى خارج آلية حملة الأمم المتحدة لنعمل كل ما في وسعنا لنقف مع الشعب السوري خلال هذه الأزمة الإنسانية الحرجة. لذلك أنا أزور الأردن، ونحن نقدم الدعم للأردن، ولدينا وفد آخر يزور تركيا لأغراض مماثلة، وسنواصل عملنا مع الشركاء في المنطقة والمنظمات الإنسانية، ساعين إلى مساعدة السوريين داخل بلادهم وفي المخيمات.

* مع إطالة الأزمة السورية وعدم ظهور موعد محدد لإنهاء تلك الأزمة، هل تنظرون إلى فتح برنامج إعادة توطين اللاجئين السوريين إلى دول أخرى، أم ترون أن الأولوية في إعادة اللاجئين إلى سوريا؟

- هذا أمر عادة يحدث بعد وقت من حدوث الأزمة. في الوقت الراهن التركيز هو على تقديم المساعدات البسيطة ووضع خطة للاستعداد للشتاء وتقديم التعليم للأطفال وغير ذلك. أما على النطاق الأوسع، فالولايات المتحدة وشركاؤها يواصلون العمل بكثافة من خلال القنوات الدبلوماسية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومع آخرين للوقوف إلى جانب الشعب السوري، والتأكد بأننا نقوم بكل ما بوسعنا لإنهاء عنف نظام الأسد ضد شعبه. نحن نركز على ذلك الآن.