مصادر في نيويورك لـ «الشرق الأوسط»: موعد استئناف مفاوضات الصحراء لم يحدد بعد

المغرب ينتقد تقرير «مركز كنيدي».. وبوادر ارتياح بشأن إنصاف الرباط في الأزمة مع روس

TT

قالت مصادر دبلوماسية متطابقة في نيويورك لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يتم حتى الآن تحديد موعد جديد لاستئناف مفاوضات نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو، وإنه من السابق لأوانه الحديث عن ذلك، مشيرة إلى أنه من البديهي أن تستأنف هذه المفاوضات في يوم من الأيام.

ويسود اعتقاد حاليا في كواليس الأمم المتحدة أن ملف نزاع الصحراء لا يشكل أولوية بالنسبة للمنتظم الدولي نظرا لأن العالم مشغول بقضايا أخرى ضمنها الأزمة السورية، والملف النووي الإيراني، والأزمة الاقتصادية التي تلقي بظلالها على العالم.

وفي غضون ذلك، علمت «الشرق الأوسط» من أوساط معنية بملف نزاع الصحراء في الرباط، أن ما يهم المغرب حاليا هو إنصاف الأمم المتحدة له بعد أن سحب في أبريل (نيسان) الماضي ثقته من كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام المكلف نزاع الصحراء، واعتبره منحازا لجبهة البوليساريو والأطروحة الجزائرية المتعلقة بالنزاع. وثمة قناعة اليوم في الرباط أن التوقف عند شخص روس ليس مهما ما دام كي مون أكد لها التشبث بمعايير الأمم المتحدة التي تعتمد الحل المتفاوض عليه، وهذا فيه إنصاف للمغرب.

وكان بيان للديوان الملكي المغربي صدر يوم 24 أغسطس (آب) الماضي قد أشار إلى تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة في اتصال هاتفي جرى بينه وبين الملك محمد السادس على أن الأمم المتحدة لا تعتزم إدخال أي تغييرات على مهامها في مجال الوساطة التي تتوخى إيجاد حل سياسي لهذا النزاع، مقبول من لدن الأطراف. كما أكد أن مبعوثه الشخصي وممثله الخاص الجديد سيضطلعان بمهامهما ضمن إطارها المحدد من قبل مجلس الأمن من أجل تحقيق تقدم في مسلسل التسوية، وبالتالي المساهمة في إقامة علاقات ثنائية منشودة مع الجزائر.

وتوقفت الأوساط ذاتها عند الفقرة المتعلقة بـ«إقامة علاقات ثنائية منشودة مع الجزائر» في البيان المغربي، الذي اعتبرته بيانا مشتركا بين القصر الملكي المغربي ومؤسسة الأمم المتحدة، وقالت إنها تحمل دعوة صريحة للمبعوث الشخصي والممثل الخاص للعمل على تطوير العلاقات ما بين المغرب والجزائر، وإن كي مون يشير من خلالها بطريقة واضحة إلى الجزائر باعتبارها ليست غريبة على نزاع الصحراء بل هي طرف أساسي فيه، وبالتالي إذا لم تتحسن العلاقات بين الرباط والجزائر فلن يتم التوصل إلى أي حل لهذا النزاع الذي طال أمده، وهو ما يعتبر اعترافا أكثر من صريح بأن الجزائر هي مفتاح حل النزاع.

ويعتقد كثير من المهتمين بملف الصحراء في الرباط أن المغرب كان بإمكانه المضي قدما في رفض روس بحكم أنه دولة ذات سيادة لكن الربح السياسي الناتج عن المكالمة الهاتفية بين الملك محمد السادس وكي مون يظل كبيرا، ومن ثم فإن الأشخاص لا يهمون بقدر ما يهم ما يقوله القائم على مؤسسة الأمم المتحدة.

وفي سياق ذلك، قالت مصادر مطلعة في الرباط لـ«الشرق الأوسط»: «إن من مهام المبعوث الشخصي للأمين العام تفعيل قرارات مجلس الأمن التي تتحدث عن الحل السياسي المتفاوض عليه، وتصف مبادرة الحكم الذاتي المغربي بأنها جدية وذات مصداقية»، وبالتالي فإنها ترى أن في مضمون حديث كي مون مع ملك المغرب إشارة مباشرة لروس للعودة إلى الالتزام بضوابط مجلس الأمن، وهو ما خلق حالة ارتياح في دوائر القرار بالرباط، واعتبر إنصافا للمغرب، وإعادة للأمور إلى نصابها في علاقته مع الأمم المتحدة.

وتبعا لذلك، ثمة قناعة في العاصمة المغربية أن ما يهم في هذا السياق ليس هو شخص روس، نظرا لأن ذهابه أو بقاءه يظل أمرا ثانويا، بيد أن المثير هنا كان سيكون هو لو بقي روس في مكانه دون أن يقول كي مون ما قاله للعاهل المغربي كون الأمم المتحدة لا تريد تغيير شيء في معايير المباحثات، وأن قرارات مجلس الأمن هي قرارات مرجعية في عمل المبعوث الشخصي، هنا فقط كان المغرب سيعاني من تعقيدات.

على صعيد ذي صلة، انتقدت الحكومة المغربية أمس (الثلاثاء) بشدة التقرير الأولي الذي أصدره «مركز روبرت كنيدي للعدالة وحقوق الإنسان» الأميركي حول وضعية حقوق الإنسان في الصحراء. وكانت بعثة من المركز برئاسة كيري كنيدي زارت المنطقة، حيث زارت العيون، كبرى مدن الصحراء، ومخيمات جبهة البوليساريو في تندوف (جنوب غربي الجزائر).

وبينما أشار المركز إلى وجود «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء»، وانتقد «الوجود المكثف لرجال الأمن في كل مكان»، قال مسؤول حكومي مغربي إن التقرير لن يساهم في إيجاد تسوية لنزاع الصحراء، وإن الرباط بصدد إنجاز رد شامل حول ما أثير في التقرير الذي وصفه بـ«المنحاز وغير المحايد».

وكانت كنيدي والوفد الحقوقي المرافق لها، التقوا خلال زيارتهم مدينة العيون ناشطين صحراويين مؤيدين لجبهة البوليساريو وممثلي السلطات المحلية، وعددا من العائلات الصحراوية المقسمة بين طرفي النزاع. كما التقت في الرباط إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بيد أنها تجنبت اللقاء مع جمعيات صحراوية مؤيدة لفكرة الحكم الذاتي في الصحراء، كما تجنبت أخرى حقوقية صحراوية كانت تريد إثارة مسألة خرق الجبهة لقرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بإحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف، وعن بعض حالات التعذيب والاختطاف في المخيمات.

ومن الرباط انتقلت كنيدي إلى مخيمات تندوف، والتقت قياديين في جبهة البوليساريو بينهم أمينها العام محمد بن عبد العزيز، بيد أن البرنامج الذي وضع لها هناك لم يتضمن اللقاء مع بعض الصحراويين المناهضين لقيادة «البوليساريو»، كما أنها لم تزر الرابوني حيث مقر قيادة الجبهة، وحيث مظاهرات الاحتجاج عليها، وذلك لتفادي لقائها بالمناوئين لقيادة الجبهة. واعتبر مراقبون التزام كنيدي بالبرنامج الذي وضعته لها «البوليساريو» خلال زيارتها لتندوف، إما يعبر عن أن أمنها في المخيمات لم يكن مضمونا، وبالتالي يؤكد نظرية اختراق المخيمات من قبل مجموعات إرهابية، أو أن قيادة «البوليساريو» أرادت أن تخفي عنها حقيقة المشكلات التي توجد في المخيمات. وأشار تقرير المركز إلى أن الوفد تعرض للمراقبة من قبل الشرطة السرية، كما منع فعليا من مراقبة فض مظاهرة سلمية، إضافة إلى تعرضه لحملة تضليل على نطاق واسع تهدف إلى تقويض مصداقيته.

وفيما يتعلق بالوضع في مخيمات اللاجئين الصحراويين، ذكر التقرير أنها تعيش في فقر مدقع وعزلة، وأن مستويات العيش غير كافية. وقال إنه بعد مرور ما يقرب من أربعة عقود فإن هذه المعايير لم تعد مقبولة وتؤثر بشكل خطير على حياة وتطلعات اللاجئين الصحراويين في المخيمات، الذين قدر المركز عددهم بمائة ألف شخص.

من جانبه، انتقد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال (الإعلام) الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية «السرعة التي طبعت التقرير الذي أعده مركز كنيدي حول زيارتها لكل من الأقاليم الجنوبية ومخيمات تندوف بالجزائر للوقوف على أوضاع حقوق الإنسان بهما».

كما سجلت الحكومة، يضيف الوزير الخلفي، الطابع المنحاز وغير المحايد لهذه المنظمة في تعاملها مع النزاع المفتعل في الصحراء، مبرزا أن التقرير جاء حافلا باتهامات بعضها يفتقد للأدلة، وبعضها الآخر استند إلى معطيات ضعيفة. وقال الخلفي في تصريح أوردته وكالة الأنباء المغربية إن التقرير «اتسم كذلك بعدم التوازن وتجاهل أوضاع حقوق الإنسان المتردية في مخيمات تندوف».

وأضاف أن التقرير الذي وضعته مؤسسة كنيدي غير منصف وتعامل بـ«انتقائية واختزالية» مع قضية حقوق الإنسان، «حيث لم يعط الجهود التي بذلها المغرب لتوسيع مجال هذه الحقوق حق قدرها على الرغم من إشادته الجزئية بما جاء في المراجعة الدستورية الأخيرة في هذا المجال وبتطوير المجلس الوطني لحقوق الإنسان».