نتنياهو يتنازل عن ضربة عسكرية إذا وضعت واشنطن خطوطا حمراء لإيران

اشترط الامتناع عن تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 20%

TT

مع إعلان رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ الأميركي، مايك روجرز، أمس، أن إسرائيل لن توجه ضربة عسكرية لإيران خلال سنة 2012، كشف النقاب في تل أبيب، أمس، عن مبادرة إسرائيلية جديدة يبدي فيها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، استعداده للتنازل عن توجيه ضربة كهذه بشرط أن تضع الولايات المتحدة شروطا واضحة وخطوطا حمراء أمام إيران تبين أنه في حال إصرار طهران على تطوير السلاح النووي، فإن الولايات المتحدة ستوجه الضربة العسكرية بنفسها.

وقالت مصادر سياسية في القدس الغربية، إن نتنياهو طرح مبادرته أمام المجلس الوزاري الأمني المصغر أمس وحصل على موافقته عليها. وإن الأيام المقبلة ستشهد اتصالات حثيثة بين الطرفين للتفاهم حولها. وحسب الموقع الإخباري الإسرائيلي «واللا» التابع لصحيفة «هآرتس»، فإن ديفيد باتريوس رئيس جهاز المخابرات الأميركية المركزية «سي آي إيه» الذي وصل إلى تركيا، أمس، سيعرج على إسرائيل «في محاولة لتهدئة االتوترات بين البلدين». وسيسافر وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، إلى واشنطن لنفس الغرض.

وقالت صحيفة «معاريف»، أمس، إن هناك بوادر لتخفيف حدة التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة، بعد أن تحدث رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو للمرة الأولى عن خيارات عدم الوصول إلى مواجهة مع إيران. وأضافت أن نتنياهو تقدم باقتراح صفقة مع واشنطن، يبدي فيها استعداده لتجميد خطته لضرب إيران، إذا قادت الولايات المتحدة المجتمع الدولي بطرح وتحديد خطوط حمراء أمام إيران تضمن تراجعها عن مشروع تطوير سلاح نووي. وقال نتنياهو، خلال لقائه مجموعة من جرحى الحروب الأميركيين والإسرائيليين، الليلة قبل الماضية، إنه «كلما كانت هذه الخطوط أكثر وضوحا قلت احتمالات المواجهة العسكرية».

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، قد ذكرت أول من أمس أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يعتزم أن يعرض قريبا «خطوطا حمراء في المسألة الإيرانية، ستقوم الولايات المتحدة في حال خرقها من طرف إيران بالعمل عسكريا ضد المنشآت الإيرانية النووية»، ما يعني أن نتنياهو يتحدث عن أمر بات قرارا في البيت الأبيض.

ونشرت «معاريف» عددا من المطالب الإسرائيلية التفصيلية، التي ستضمنها الصفقة مع واشنطن، وهي: «أن يعلن الرئيس أوباما جهارا بأن الولايات المتحدة مصممة على منع حيازة إيران للقدرات النووية العسكرية، واستعدادها لشن هجوم عسكري على إيران في حال فشلت المحادثات الدبلوماسية، وأن يتوجه أوباما إلى الكونغرس ويطلب أن يعطيه صلاحيات توجيه الضربة إذا لم تتجاوب إيران». وتطلب إسرائيل في إطار هذه الصفقة تزويدها بأسلحة متطورة تمكنها من المحافظة على حريتها في العمل العسكري إذا ما قررت تأجيل توجيه هذه الضربة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، مثل الطائرات القادرة على تزويد المقاتلات بالوقود في الجو، وآخر القنابل الخارقة للتحصينات في عمق الأرض، والقادرة على اختراق تحصينات بعمق 60 مترا.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مصادر إسرائيلية عليمة، إن أوباما بات الآن، خلافا للماضي، على استعداد لتزويد إسرائيل بهذه الأسلحة والوسائل القتالية، حيث يتولى عملية التفاوض بشأنها مع الإدارة الأميركية، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، يعقوب عامي درور.

وتشمل الصفقة أيضا، وفقا للمطالب الإسرائيلية، أن يشارك سلاح البحرية الإسرائيلي في أكبر المناورات البحرية، التي تنظمها الولايات المتحدة بمشاركة 25 دولة في مياه الخليج العربي، قرب مضيق هرمز، لتكون عبارة عن «مظاهرة دولية وحدوية، ضد إيران وتهديداتها بإغلاق مضيق هرمز ومنع تصدير النفط من هناك». وكذلك تكثيف العمليات السرية ضد مشروع النووي الإيراني وتشديد المقاطعة الاقتصادية المفروضة على صناعة النفط الإيرانية، ونصب شبكة من الدفاعات الصاروخية في دولة قطر.

يذكر أن الفترة الأخيرة شهدت تصريحات حادة رفعت درجة التوتر بين تل أبيب وواشنطن حول طرق معالجة الوضع الإيراني، أبرزها تصريحات رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتين ديمبسي بأن الولايات المتحدة لن تنجر وراء إسرائيل في ضرب إيران، وأن إسرائيل لن تستطيع العمل لوحدها. وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن هذه التصريحات هي بمثابة رسالة تحذير خطير لمتخذي القرار في إسرائيل من النتائج الهدامة لهجوم إسرائيلي دون تنسيق مع واشنطن. واعتبرته أيضا دليلا على مدر خطورة التدهور في العلاقات بين البلدين.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية، قد أجمعت في الأيام الأخيرة على القول إن «نتنياهو ألحق أضرارا استراتيجية جسيمة بالعلاقات الإسرائيلية - الأميركية حول إيران»، كما أشارت «يديعوت أحرونوت» أمس. وأضافت أنه حتى لو اتفق على مطالب إسرائيل بوضع خطوط حمراء تتعلق بإيران، فإن ما فعله نتنياهو ترك جراحا لا تندمل في نفوس القادة الأميركيين، وإن واشنطن، في الولاية الثانية لأوباما، ستتخذ إجراءات ضده، أولها الامتناع عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي لإسقاط قرارات ضد إسرائيل.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع، إنه «في حال فوز أوباما في الانتخابات التي ستجرى في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سيحاسب نتنياهو.. وينبغي الاستعداد لفترة صعبة في العلاقات مع واشنطن التي قد تدير ظهرها لإسرائيل». وتابع المسؤول «ينبغي توقع أن تتوقف الولايات المتحدة عن سياسة استخدام الفيتو بشكل أوتوماتيكي على قرارات تدين إسرائيل في الهيئات الدولية خاصة في الأمم المتحدة». وأردف أنه «بكل ما يتعلق بالاستيطان، فإن بإمكان إسرائيل أن تنسى الفيتو الأميركي»، لكنه رأى أن أوباما لن يعمل بقوة من أجل تسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني خلال ولايته الثانية المحتملة، وذلك بسبب عدم وجود احتمالات للاتفاق بين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن). وأوضح المسؤول أنه حتى لو توصلت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تفاهمات بشأن إيران، فإن «دما فاسدا» يسري بين أوباما ونتنياهو، مشددا على أن «غضبا كبيرا تراكم لدى الإدارة الأميركية على نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك بسبب طريقة معالجتهما للتهديد الإيراني»، وأن الإدارة غاضبة من كشفهما معلومات سرية تتعلق بإيران خلال محادثات مع مسؤولين محليين وأجانب. وأضاف أن الأميركيين غضبوا بشكل خاص من أقوال صادرة عن مقربين من نتنياهو وباراك أن أوباما لا يعتزم مهاجمة إيران قبل الانتخابات الرئاسية ولا بعدها، وأن الإدارة رأت بذلك محاولة من جانب نتنياهو لتكبيل أوباما وجره لهجوم في إيران خلال حملته الانتخابية. وخلص المسؤول الإسرائيلي إلى أن الأميركيين غاضبون جراء تدخل نتنياهو في الشؤون الداخلية وأنه «يفعل كل شيء من أجل أن يفوز صديقه المرشح الجمهور ميت رومني».

وقال يوسي بيلين، النائب الأسبق لوزير الخارجية، إن نتنياهو يتحمل كامل المسؤولية عن تدهور العلاقات الإسرائيلية - الأميركية. بينما طرح النائب نحمان شاي، وهو ناطق أسبق للجيش، موضوع إساءة هذه العلاقات للبحث في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية.

وكان رئيس لجنة المخابرات في الكونغرس، قد صرح أمس، بعد أسبوعين من زيارته إسرائيل، بأنه خرج بانطباع قوي بأن نتنياهو لن يأمر بشن ضربة عسكرية لإيران قبل الانتخابات الأميركية، بل سينتظر حتى ما بعد الانتخابات. ومن جهة ثانية، قال الرئيس السابق لجهاز المخابرات الأميركية «سي آي إيه»، مايكل هايدن، في تصريحات لجريدة «هآرتس»، إن الحسم العسكري ضد المشروع النووي الإيراني لن يتم خلال هذه السنة، بل خلال السنة المقبلة وربما السنة التالية.