بوادر إصلاح في كوريا الشمالية ذات النظام الاستبدادي

كيم عازم على إدارة البلاد بطريقة تختلف عن أسلوب والده

كيم تحدث عن إنهاء سياسة التقشف وتحسين مستوى معيشة المواطنين (واشنطن بوست)
TT

حدث تحول كبير في خطاب كوريا الشمالية في الشهور القليلة الماضية، تحت قيادة زعيمها الجديد كيم جونغ أون، حيث اتجه نحو التركيز على الاقتصاد لا الجيش. وهناك بوادر إصلاحات تتم على نطاق صغير في مجال الزراعة من خلال تقديم حوافز رأسمالية بحسب دبلوماسيين ومجموعات معارضة لديها مصادر في كوريا الشمالية.

لا تزال التغيرات، التي تسمح للمزارعين بالاحتفاظ بالمزيد من محاصيلهم وبيع الفائض في السوق غير التابعة للدولة، في مرحلة التجريب ومن السهل أن تتوقف وتعود الأمور لما كانت عليه كما يحذر محللون. مع ذلك يقول حتى المراقبون لكوريا الشمالية المتشككون إن سياسات كيم الجديدة وطريقته وصراحته في الحديث عن مشاكل كوريا الشمالية الاقتصادية تشير إلى حدوث انفتاح اقتصادي مشابه للانفتاح الذي حدث في الصين في نهاية السبعينات.

وهناك أسباب تدعو إلى الشك في إمكانية إجراء إصلاحات في كوريا الشمالية، منها كونها دولة بوليسية تدير شؤونها العائلة، حيث وصل الحكم إلى الجيل الثالث، وتتحكم في معسكرات عمل بحجم مدينة، ويتم استغلال الموارد الكبيرة في تمويل البرنامج النووي لا في الإنفاق على ملايين الفقراء. لقد تأرجح الحلم بإجراء إصلاح اقتصادي في الماضي بين اليأس والأمل، وكان آخر ذلك منذ 10 سنوات عندما كانت الدولة بصدد تبني سياسات ليبرالية داعمة للسوق الحرة قبل أن تتراجع. ويقول محللون ومسؤولون حكوميون في الخارج إن ما سيحدد ما إذا كانت هذه المرة مختلفة أم لا هو طموحات زعيمها الذي إما سيخرج بلاده الفقيرة من العزلة أو سيبقي على انعزالها، مع العلم بخطر تخفيف القيود التي تفرضها السلطة على البلاد.

ويؤكد محللون أن الحصول على إجابة واضحة قد يستغرق سنوات، لكنهم يشيرون في الوقت ذاته إلى مؤشرات مبكرة تدل على أن كيم عازم على إدارة البلاد بطريقة تختلف عن طريقة والده، الذي توفي منذ ثمانية أشهر. بعض هذه المؤشرات ظاهرية بحتة بغرض تجميل الصورة، حيث تصور وسائل إعلام الدولة كيم باعتباره رجلا عصريا دمث الخلق من خلال تقديمه إلى جانب زوجته التي تساير خطوط الموضة وظهوره مبتهجا في عروض نجمات البوب اللاتي يرتدين تنورات قصيرة جدا.

تأتي المؤشرات الأكبر من خطابات كيم في المناسبات، التي تحدث خلالها عن إنهاء سياسة التقشف التي تنتهجها الدولة وتحسين مستوى معيشة المواطنين. ووبخ مسؤولين كوريين في حدث حظي بتغطية إعلامية بارزة بسبب طريقة تفكيرهم «البالية العقائدية». ولم يُعرف بعد ما إذا كانت وجهة نظر كيم، الذي تلقى تعليمه في سويسرا، عن العالم تختلف عن والده العسكري الصارم، أم لا. وفي خطوة اتخذها الزعيم الجديد منذ شهرين ووصفها بعض المحللين بالمشجعة، أقال كيم مسؤولا عسكريا متشددا كان من مساعدي والده المقربين.

ويقول سكوت سنيدر، زميل في الدراسات الكورية بمجلس العلاقات الخارجية «من السابق لأوانه الحكم على ما سيحدث، لكننا كنا العام الماضي في نظام سياساته معدة سلفا وكانت رجعية ولم يكن هناك أي احتمال لتغييرها. وأعتقد الآن أن هناك توقعا لصخب يشي بحدوث أمر جديد».

وذكرت العديد من المنابر الإعلامية، التي يعمل بها معارضون من كوريا الشمالية، بما فيها «راديو آسيا الحرة» ومقره واشنطن، أن بيونغ يانغ تعمل على إدخال تغييرات على السياسة الزراعية تمثل ابتعادا كبيرا عن اقتصاد تسيطر عليه الدولة.

وتقلل هذه الإجراءات حجم وحدات الزراعة التعاونية، حيث أصبحت تتراوح بين 4 و6 بعد أن كانت تتراوح بين 10 و25 بحسب التقارير الإعلامية. هذا الخفض مهم للغاية لأنه يسمح لأسرة أو اثنتين، لا المجتمع كله، بتخطيط شؤون مزارعهم والاعتناء بها. ولا يزال على المزارعين الوصول إلى حصة من الإنتاج، لكنهم يستطيعون الاحتفاظ بـ30 في المائة من محاصيلهم، بعد أن كان لا يسمح لهم سوى بالاحتفاظ بـ10 في المائة. كذلك يمكنهم بيع الباقي إلى الحكومة بأسعار السوق، لا بالأسعار التي تحددها الدولة، ويمكنهم الاحتفاظ بأي كمية فائضة من المحاصيل وبيعها للقطاع الخاص. هذه التغييرات ليست سارية في كل أنحاء البلاد، فقد تم تطبيقها في ثلاث مناطق ريفية منذ يوليو (تموز) بحسب ما أفادت به التقارير.

ولا يمكن التحقق من صحة هذه التغييرات من مصدر مستقل نظرا للقيود الصارمة التي تفرضها كوريا الشمالية على الأجانب، فغير مسموح لكثيرين بزيارة مناطق فقيرة خارج العاصمة بيونغ يانغ. ولم يتضح بعد ما الذي يدفع الحكومة إلى السماح للمزارعين بالتمتع بالمزيد من السيطرة على حياتهم. من المحتمل أن كوريا الشمالية تحاول امتصاص المزيد من الإنتاج من المزارعين «بدافع الحاجة لا بدافع الفضيلة» نظرا لتحطم نظام الترشيد المركزي الذي تتبعه على حد قول فيكتور تشا، مدير الشؤون الآسيوية السابق في البيت الأبيض. ويقول إنه من المحتمل أن تتراجع الدولة عن هذه الخطوات عندما تخف وطأة نقص الغذاء. وأوضح تشا قائلا «كلما زاد الوقت الذي يضطرون فيه لعمل ذلك ويدعون الاقتصاد ليعمل خارج سيطرتهم، كان ذلك أفضل لنا جميعا. يمكنك أن تقول للمزارعين إن باستطاعتهم الاحتفاظ بـ30 في المائة من المحصول لمدة ستة أشهر، لكن كلما طال الوقت الذي تفعل فيه ذلك، ازدادت صعوبة الانسحاب».

ويتوقع بعض مسؤولي الحكومات الأجنبية أو الخبراء في شؤون كوريا الشمالية حدوث تحول اقتصادي كبير أو تصريحات رسمية تتعلق بالإصلاح. ورغم تصريح إعلام الدولة في يوليو بأن توقع إصلاح أو انفتاح ما هو إلا «هلوسة»، قال مسؤول حكومي أجنبي في آسيا زار كوريا الشمالية مؤخرا إنه تقابل مع عدة مسؤولين في كوريا الشمالية حملوا جميعهم رسالة واحدة بشأن السياسة الاقتصادية والتنمية الاقتصادية، بينما لم يذكروا القوات العسكرية التي طالما كانت من أولويات الدولة.

وقال المسؤول الذي رفض ذكر اسمه حتى يتمكن من مناقشة أمور حساسة «من الواضح أنهم لم يستخدموا مصطلح (إصلاح اقتصادي)، فمثل هذه المصطلحات خطيرة وضد الإنتاج. مع ذلك الرسالة الواضحة التي حصلت عليها من المسؤولين رفيعي المستوى هي أنهم يعلمون جيدا حاجتهم إلى بناء الاقتصاد».

وإذا دفع كيم باتجاه إصلاح اقتصادي مستمر، سيواجه مخاطر كبيرة على حد قول محللين. ربما يعزل المسؤولين رفيعي المستوى حوله ممن يمثلون النخبة المنتفعة من النظام الحالي. كذلك قد يثير مطالبات 24 مليون مواطن بتحرير السوق سريعا جذريا لا جزئيا، ومن شبه المستحيل أن تحتفظ عائلة كيم بالحكم في ظل نظام ديمقراطي. ويجب على كيم السير على خط فكري رفيع يتمثل في تقدير والده وجده، وتشجيع الأفكار الجديدة في الوقت ذاته. ويقول بعض المحللين إنهم تفاجأوا برغبة القائد الجديد في انتقاد الوضع الراهن، والذي كان واضحا خلال زيارته لمتنزه ترفيهي منذ أربعة أشهر. ورغم أن إعلام الدولة يقدم كوريا الشمالية على أنها جنة اشتراكية، فإنه يصور كيم وهو يتجول في المتنزه ويتذمر من وضعه المزري. فقد وجد تقشرا في الطلاء وتشققات في الرصيف وحشائش نامية، اقتلعها واحدة واحدة وفي عينيه نظرة غاضبة بحسب أحد التقارير الإعلامية. ووبخ كيم خلال زيارته المسؤولين لأنهم تركوا المتنزه يصل إلى هذه الحالة المؤسفة ولطريقة تفكيرهم «البالية العقائدية»، وعيّن نائبا للإشراف على الإصلاحات. وذكر تقرير متابعة بعد أسبوعين من الزيارة أن «البنائين الجنود» يقومون حاليا بعمل شامل من أجل تحويل الرصيف المذكور آنفا إلى أرض أكثر عصرية من أجل الاستجمام.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»