نتنياهو يلغي اجتماعا لوزرائه احتجاجا على تسريبهم معلومات حول الموقف من إيران

طهران تعلن أنها لا تفرق بين التهديدات العسكرية الإسرائيلية والأميركية

رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خلال لقائه مع وزير الخارجية الإيطالي جوليو ترزي في القدس المحتلة أمس (أ.ف.ب)
TT

في خطوة غير عادية وغير مقنعة، أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس، على إلغاء الجزء الثاني من أبحاث المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية، بعد دقائق من بدئها، وذلك بحجة تسريب معلومات للصحافة من الجزء الأول من هذه الأبحاث، التي تركزت حول الأخطار المحدقة بإسرائيل وفي مقدمتها الخطر من التسلح النووي الإيراني.

وقال نتنياهو في مستهل الجلسة القصيرة: «وقت وجيز بعد انتهاء الجلسة أمس حدث أمر خطير، فقد تم تسريب معلومات من مداولات المجلس الوزاري. إن أمن الدولة ومواطنيها منوط بالقدرة على إجراء مداولات سرية ومعمقة في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية وأمامه يتم استعراض جميع الوقائع والآراء والتداعيات. هذه هي أداة عمل أساسية في إدارة أمن الدولة. وشخص معين قد مس بشكل خطير بالثقة التي يمنحها مواطنو إسرائيل لهذا المنتدى. إن هذا الشخص خرق القواعد الأكثر أساسية المتعلقة بإجراء مداولات في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية وشوه سمعة هؤلاء الذين حضروا الجلسة ولم يسربوا معلومات من مداولاتها».

ورفض نتنياهو أن تتهم الصحافة الإسرائيلية بهذه التسريبات وقال: «ليس لي أي شكوى ضد وسائل الإعلام، فهذه تقوم بواجبها. ولكن لدي شكوى ضد من خرق الثقة الأكثر أساسية المطلوبة لإجراء مداولات المجلس الوزاري حول قضايا تهم أمن إسرائيل وهو نال من قدرتنا على إجراء مداولات سرية. لدي مسؤولية حيال مواطني دولة إسرائيل وأمن الدولة ولذلك ألغي هذه الجلسة».

وقد انفض الوزراء بعد هذا الحدث الدرامي والاستثنائي جدا في التاريخ الإسرائيلي. وعندما خرجوا من مكتب رئيس الحكومة، كان هناك من حرص على تسريب قرار فض الجلسة إلى الصحافة الإسرائيلية. ورفض الوزراء التعقيب لكن أحدهم سمع وهو يتمتم ساخرا: «لمكتب رئيس الحكومة فقط مسموح التسريب للصحافة». والوزير الوحيد الذي وافق على التعليق هو وزير الطاقة، عوزي لاندوا، الذي أيد نتنياهو في قراره واقترح عليه أن يأمر بفحص جميع الوزراء والمسؤولين الأمنيين الذين شاركوا في الجلسة بماكينة فحص الكذب. وقال لانداو: «فعلا هناك جنون في حارتنا. فمسؤولون كبار يفضلون استرضاء الصحافيين على أمن الدولة وهذا خطير». وقال: إنه يؤيد أن لا يجتمع المجلس الوزاري الأمني المصغر ولا تبحث قضايا حساسة في الحكومة قبل أن يعرف من هو الوزير أو المسؤول الذي سرب المعلومات للصحافة.

وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية نشرت أمس معلومات عن أبحاث مجلس الوزراء المصغر، التي استغرقت سبع ساعات متواصلة، وبحثت في الأخطار والتحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل في الوقت الحاضر. وأفادت بأن الوزراء استمعوا إلى تقديرات الأجهزة الاستخبارية السنوية من رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان)، الجنرال أفيف كوخافي، ورئيس المخابرات الخارجية (الموساد)، تمير باردو، ورئيس المخابرات العامة (الشاباك)، يورام كوهين. وكان من المفترض أن تستمر الأبحاث صباح أمس أيضا.

وقالت مصادر ممن حضروا الاجتماع لوسائل الإعلام الإسرائيلية إنه بالإضافة إلى الخلاف بين نتنياهو وقادة الأجهزة الأمنية حول ضرب إيران، ظهرت خلافات أيضا في التقديرات بين أجهزة الأمن حول مدى الخطورة الفاعلية التي وصل إليها المشروع النووي الإيراني. فقد رأت الأجهزة الأمنية أن المشروع النووي الإيراني يثير القلق ولكنه لم يصل إلى درجة الخطورة التي تتطلب تدخلا عسكريا. وكان هناك من رأى أن الخطر الداهم على إسرائيل حاليا هو التدهور الحاصل في سوريا، حيث إن أحدا لا يعرف كيف تنتهي الأمور هناك وكيف ستنعكس على إسرائيل. كما تحدثوا عن الآثار السلبية لسيطرة التيارات الإسلامية المتطرفة على الحكم في عدد من الدول العربية في أعقاب أحداث الربيع العربي.

وقد بدا من هذه الصورة، أن نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك ووزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان، الذين يؤيدون ضرب إيران يعيشون في واد وأن قادة الأجهزة الأمنية يعيشون في واد آخر.

من جهة ثانية، أطلق الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس، أمس، تصريحات تتعلق في الموضوع الإيراني قال فيها إنه منذ أيام «الرئيس النازي الألماني، أدولف هتلر»، لم يظهر في التاريخ قائد مثل الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، من حيث العداء لليهود وللإنسانية ومن حيث تهديد الأمن والسلام العالميين.

وكان بيريس يتكلم لدى استقباله وزير الخارجية الإيطالي، د. جيوليؤو تارزي، الذي حضر للتباحث مع الإسرائيليين في عدة مواضيع ثنائية إضافة إلى الموضوعين الإيراني والسوري. وقد شكر بيريس إيطاليا وأوروبا بأسرها على دورها في فرض العقوبات الاقتصادية الصارمة على إيران. وقال: إنه واثق من أن الغرب لن يسمح لإيران بإنتاج القنبلة النووية وإنه سيصل إلى الخيار العسكري ضد إيران في حال لم تنفع الإجراءات العقابية.

وقد رد الوزير الإيطالي بالقول إن بلاده شريك فعال في العقوبات ضد إيران وترى أن إيران يجب أن تبقى معزولة طالما هي تواصل مشروعها النووي. ولكنه انتقل فورا إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقال: إنه أيضا يهدد الاستقرار في الشرق الأوسط، وإن على إسرائيل أن تقدم على خطوات في سبيل تحريك المفاوضات.

من جهة أخرى، نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في تقرير لها، أمس، عن إفادة أدلى بها القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في أوروبا أمام الكونغرس الأميركي أن التهديدات لإسرائيل لم تتزايد في الفترة الأخيرة بل تراجعت، ما جعل إسرائيل أكثر أمنا في الواقع من أي وقت مضى، ويعود السبب جزئيا إلى الانتفاضة في سوريا. وسئل الأميرال في البحرية الأميركية جيمس ستافريدس، وهو قائد القوة الأميركية - الأوروبية، أثناء إدلائه بإفادته أمام الكونغرس حول الربيع الماضي (عن التهديدات ضد إسرائيل). وكان مستجوبه هو النائب روب ويتمان من ولاية فرجينيا، الذي احتج بأن «عدم الاستقرار في المنطقة مقترنا بالتهديدات المتعددة لإسرائيل ازدادت في العام الماضي» وسأله عما إذا كانت القيادة الأميركية الأوروبية تقوم «بضمان الدفاع عن إسرائيل واستقرار المنطقة». فأجاب ستافريدس: «أولا إسرائيل من المؤكد أنها في منطقة متقلبة من العالم، وربما أقول إن التهديدات على إسرائيل لم تزد خلال العام الماضي. وإذا أخذت المنظور الأوسع لتاريخ إسرائيل المعاصر، فمن المؤكد أنها الآن أكثر أمنا مما كانت عليه في 1948 و1967 و1973. أو حتى خلال الانتفاضتين الأولى والثانية».

وأضاف: «إسرائيل حاليا لديها معاهدتا سلام مع اثنتين من جاراتها الأربع. والجارة الثالثة، سوريا، تمر الآن بمرحلة من الصراع الداخلي الخطير وليست في وضع يهدد إسرائيل عسكريا. والتهديد الإرهابي من حزب الله اللبناني في الجارة الرابعة تم ردعه من خلال هجمات مكشوفة في حرب 2006». وقال: «وفضلا عن ذلك، فقد تخلى الزعيم الفلسطيني محمود عباس عن العنف. وتضاءل الاضطراب في الضفة الغربية بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. وبالمثل، فمنذ الحرب الإسرائيلية على غزة (الرصاص المسكوب) لم تعد الهجمات بالصواريخ من القطاع أكثر من عشوائية. وآخر إحصاء للهجمات بين مارس (آذار) والشهر الحالي أظهر وقوع 250 هجوما لم تسفر عن إصابة إسرائيلية واحدة. وثانيا، منذ الربيع العربي، تواجه إسرائيل جوارا غير مضمون. وهذا التأثير، خصوصا في مصر، مقترنا بالبرنامج النووي الإيراني المستمر، يعطي لحكومة إسرائيل سببا للقلق على المستقبل».

لكنه أضاف على أي حال أن «برنامج المناورات العسكرية الثنائية والمتعددة للقوة الأميركية - الأوروبية يوفر للجيش الإسرائيلي تطمينات قوية عن التزام الولايات المتحدة القوي بأمن إسرائيل».

من جهته، قال قائد عسكري إيراني أمس إن إيران لا تفرق بين المصالح الأميركية والإسرائيلية وسترد على كلا البلدين في حال تعرضها لهجوم.

ونقلت وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء عن علي فدوي قائد البحرية في الحرس الثوري الإيراني قوله: «فصل النظام الصهيوني عن أميركا لا معنى له، ويجب علينا أن لا نعترف بأن إسرائيل منفصلة عن أميركا». وقال فدوي: «على هذا الأساس، فإن الأميركيين فقط هم الذين يتخذون الآن موقفا ينطوي على تهديد للجمهورية الإسلامية.. إذا ارتكب الأميركيون أصغر حماقة، فلن يتركوا المنطقة بسلام».

وأجرت إيران - التي يمكن أن تصل صواريخها إلى إسرائيل والأهداف الأميركية في المنطقة - تدريبات عسكرية وكشفت عن أسلحة تم تحديثها في الأشهر القلية الماضية بهدف إظهار قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد أي ضربة تستهدف مواقعها النووية.