العقوبات الأميركية تؤثر على القطاع الصحي في إيران

التأثير شمل مرضى السرطان والمصابين الذين يعالجون من اضطرابات معقدة

إيرانية تخضع لرسم قلب بالأشعة بمستشفى شريعتي بطهران أول من أمس (أ.ب)
TT

قال خبراء في مجال الصحة إن تشديد العقوبات المصرفية الأميركية ضد إيران بسبب الخلاف حول برنامجها النووي ألقى بظلاله على كل قطاعات الاقتصاد، لكنه أثر بشكل بالغ على المرضى نتيجة توقف أو تعطل بعض شحنات الأدوية والمواد الخام الموجهة لشركات الأدوية الإيرانية.

ويرى الخبراء أن هذا التأثير شمل مرضى السرطان والمصابين الذين يعالجون من اضطرابات معقدة مثل الهيموفيليا والتصلب المتعدد والثالاسيميا إلى جانب مرضى زراعة وغسيل الكلى الذين لا يستطيعون تحمل أي انقطاع أو تأخير في الإمدادات الطبية.

ميلاد، طفل إيراني في الثامنة من العمر ويعاني من هيموفيليا شديدة، ويعيش في خوداشت، الواقعة على بعد 400 ميل جنوب غربي طهران ويعتمد على حقن الدواء الأميركية «فيبا» التي لم تعد متوافرة في السوق المحلية بكميات كافية.

ولم يكن في وسع والديه سوى السفر في رحلة بالحافلة إلى طهران استغرقت 12 ساعة طمعا في الحصول على الإمدادات الطبية الحيوية، لكنهم لم يتمكنوا من الحصول على ما يكفي سوى ليومين اثنين. ويعاني الطفل الآن من خطر توقف رجله اليمنى، ويعاني من نزيف الأنف المستمر الذي يشكل تهديدا على حياته.

وتقول والدته: «أنا قلقة للغاية، فحياة ابننا على المحك»، وأشارت إلى أنها لا تعرف الدولة التي تفرض الحظر على إيران، لكنها تعلم أن هناك حظرا مفروضا على إيران، وأنه لا يمكن لبشر أن يكون بهذه الوحشية تجاه المرضى».

لكن حكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تصر على أن العقوبات الدولية لم تشكل تأثيرا كبيرا على الدولة وتؤكد على أن برنامجها النووي سيستمر، ودشنت حملة علاقات عامة مؤكدة على أن 97 في المائة من الأدوية الإيرانية تنتج محليا - محاولة واضحة لمنع المخاوف من إمكانية تعرض المستلزمات الطبية للخطر.

بيد أن أحمد جويدل، رئيس جمعية مرضى الهيموفيليا الإيرانيين، (مؤسسة غير حكومية تساعد في علاج 8.000 مريض) قال: «إن الوصول إلى الدواء أصبح محدودا إلى حد بعيد» وقال: «إن شابا مات مؤخرا في جنوب إيران بعد حادث، نتيجة لعدم توافر حقن تخثر الدم التي كان يحتاجها».

وقال جويدل: «هذا احتجاز رهائن صارخ لأكثر الناس عرضة للخطر من قبل دول تزعم أنها ترعى حقوق الإنسان. فأيام قليلة من التأخير يمكن أن تتسبب في عواقب خطيرة مثل النزيف أو العجز».

ويقول محللو المجال الصحي إنه على الرغم من أن حجم الواردات التي تأثرت ربما يكون صغيرا كنسبة مئوية، لكنها حيوية بالنسبة للأمراض المزمنة التي قد لا تتوفر بدائها المحلية وإن توفرت لا تكون بنفس فاعليتها.

ويشير المحللون ومستوردو الأدوية الطبية إلى أن مصانع الأدوية الإيرانية تعتمد على واردات من الدول الغربية إضافة إلى الصين والهند في الحصول على أكثر من نصف المواد الخام التي تستهلكها.

وقد أخضع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية الصادرات التجارية للطعام والدواء إلى إيران لشروط الترخيص، في الوقت الذي تم فيه حظر جميع السلع والتكنولوجيا في القطاعات الأخرى.

برغم ذلك، يشكو من يحملون التراخيص من مواجهة عقبات، فيقول المستوردون إنه على الرغم من اللجوء إلى كثير من القنوات المالية عالية التكلفة، مثل التغيير من بنك أوروبي إلى آخر أو استخدام وسيط أو تحويلات غير رسمية لا تصل الأدوية في موعدها أو بكميات كافية. وقال أحد المستوردين: «نحن نحمل ترخيصا من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، لكن وارداتنا تراجعت بأكثر من النصف في الوقت ندفع فيه أكثر من ذي قبل».

ويقول آخر: «استثناء الأدوية من الحظر ليس كلاما للاستهلاك فقط، فالمصارف الدولية لا تقبل الأموال الإيرانية خشية مواجهة العقوبات الأميركية».

وتقول هينجامه إبراهيم زاده، من جمعية «طهران لمرضى الثالاسيميا»، منظمة غير حكومية - الذي تقدر أعداد المصابين بهذا المرض ما يقرب من 20.000 على مستوى البلاد - إن كميات الأدوية التي تتلقاها الجمعية لا تكفي سوى بعضة أيام من احتياجاتهم الشهرية. وتشير إلى أنها علمت بوفاة 4 في طهران خلال الشهر الماضي نتيجة نقص الأدوية المخصصة لمرضى الثالاسيميا ويعاني مرضى الغسيل الكلوي وزراعة الأعضاء من مشاكل مشابهة، فيقول داريوش آرمان، مستشار «جمعية البر الإيرانية» لدعم مرضى الكلى (منظمة غير حكومية تساعد ما يقرب من 65.000 شخص) إن هؤلاء المرضى الذين يصف لهم الأطباء أدوية مستوردة يصارعون. بيد أن التحدي الأكبر يكمن في المستقبل، لأن نقص المعروض وأجهزة الزراعة قد تزداد سوءا.

ويخشى كثير من الإيرانيين من إمكانية مواجهة نقص مماثل في أدوية الأمراض الأكثر شيوعا عندما ينفد مخزون الأدوية.

لكن بالنسبة لوالدة ميلاد، يزداد قلقها حاليا وهي تتطلع إلى ساق ابنها، فتقول: «أصبحت رجله اليمنى أكثر ليونة هذا الصباح بفضل الحقنة التي حصل عليها. ينبغي أن أعود إلى الصيدلية غدا لمعرفة ما إذا كنت أستطيع الحصول على مزيد من حقن (فيبا)، فحياة ميلاد أصبحت متعلقة بها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»