الرئيس المصري يتعهد باستعادة دور بلاده لمؤازرة القضايا العربية في الخليج وأفريقيا

مرسي ثمَّن جهود السعودية ودعا لمؤازرة العراق والسودان والصومال.. ودعا النظام السوري للمغادرة

الرئيس المصري خلال القائه كلمته في مقر الجامعة العربية في القاهرة أمس (رويترز)
TT

في كلمة شاملة تضمنت العديد من رسائل الطمأنة للدول العربية والإسلامية ودول العالم، قدم الرئيس المصري محمد مرسي جملة من المواقف والمقترحات التي تعالج صلب القضايا العربية والإقليمية الساخنة، شدد فيها على أن بلاده تسعى لاستعادة مكانتها ودورها عربيا وإقليميا ودوليا، وقال إن ثورة 25 يناير التي أسقطت حكم الرئيس السابق حسني مبارك لم تكن مجرد تحرك قام به الشعب المصري من أجل حريته وكرامته، وإنما كانت أيضا إعلانا عن الرغبة في العودة لكي تحتل مصر مكانتها الطبيعية في قلب أمتها العربية وليساهم أبناؤها في بناء المستقبل العربي.

وألقى مرسي كلمة في افتتاح أعمال الدورة 138 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بالقاهرة أمس، وحظيت الأزمة السورية بمواقف حاسمة في كلمة دعا خلالها النظام السوري للمغادرة و«نقل السلطة الآن»، وثمَّن دور السعودية ودول الخليج العربي وجهود هذه الدول في تأمين واستقرار منطقة الخليج، مشددا على أهمية العلاقات التي تربط مصر بمحيطها العربي والأفريقي.

وتعهد الرئيس المصري بالتصدي لأي تهديد للمنطقة العربية، وقال: «نسعى لتحقيق الأمن العربي وسنتصدى لأي تهديد للمنطقة العربية في إطار الالتزام المصري التاريخي، ولا يعني ذلك أننا نتخذ موقفا سلبيا مع أحد أو نعلن الحرب على أحد.. نحن نسعى لمنظومة سلام عالمي وإذا لم يتحقق ذلك فلا مجال لاستقرار في العالم».

وشدد على أن بلاده تعود «من هذا التهميش الذي عشنا فيه على مدار العقود الأخيرة.. نعود لدور مصر التاريخي الطبيعي الفاعل المتحد المتفاعل المتكامل مع المحيط العربي وليس هذا فقط وإنما مع المحيط الإسلامي والأفريقي والدولي.. إذا نهض العرب تنهض الدنيا».

وقال مرسي إن التزام مصر بقضايا أمتها العربية «التزام تاريخي جددته ثورة 25 يناير»، معربا عن ثقته في قدرة العرب على مواجهة التحديات في حال تطوير آليات العمل العربي المشترك. وأوضح أن «قدرتنا كعرب على مواجهة تحديات المرحلة التي نعيشها تتوقف بشكل كبير على قدرتنا على تطوير آلية العمل العربي المشترك».

ودعا الرئيس مرسي إلى استكمال بحث تطوير العمل العربي الذي كان قد بدأت محاولاته قبل نحو ست سنوات، وقال إن الوقت قد حان «لاستكمال الجهد التي كانت الدول العربية قد بدأته منذ عام 2004 لبحث تطوير منظومة العمل العربي المشترك وتحويل هذا الملف إلى أولوية تحتاج لتحرك حثيث - وها نحن نتحرك جميعا ولا يستطيع أحدنا وحده أن يفعل ذلك - للوصول إلى نتائج ملموسة».

وحدد الرئيس المصري هذا التحرك وفقا لثلاثة مبادئ أساسية هي «مراجعة المنهج الذي اتبعته الجامعة العربية منذ قمة تونس 2004 في مجال إصلاح وتطوير العمل العربي المشترك.. وتشجيع استكمال الجهود الجارية لبلورة إطار موحد» يحدد العلاقات العربية مع دول الجوار. والمبدأ الثالث «شحذ الهمم» للانتهاء من إعداد التقرير الشامل الذي يتضمن اقتراحات محددة حول ملف تطوير العمل العربي.

ولفت الرئيس مرسي إلى أن بلاده تتواصل مع الجميع ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لأحد «وإنما نحن ندعم الشعوب التي تتحرك لنيل حرياتها وامتلاك إراداتها والحفاظ على كرامتها وكبريائها.. هذا ما تؤيده وما أراه في الجامعة العربية أيضا»، مشددا على أن قضية فلسطين هي «قضية العرب الأولى، والشرط الأساسي لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والنهضة المنشودة لأمتنا العربية، فلن تنهض الأمة العربية بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية».

وشدد مرسي على أن مصر ملتزمة التزاما كاملا باستكمال الجهود التي بدأتها لتحقيق المصالحة الفلسطينية ورعاية كافة بنودها بما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني. وتابع قائلا إن تحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط يتطلب «إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل»، وأضاف: «أمامنا فرصة لمنع انتشار الأسلحة النووية التي ضمت جميع الدول العربية للمعاهدة بخلاف إسرائيل».

وأضاف الرئيس مرسي، فيما يتعلق بالشأن السوري، أنه لا بد من إنجاز التغيير الآن والشعب السوري هو الذي يقرر مصيره. ورحب بكل القرارات التي صدرت عن الجامعة في شأن سوريا مؤكدا أن الحل الأفضل هو الإطار العربي بعيدا عن التدخل العسكري.

وجدد الرئيس المصري ما سبق وأشار إليه خلال زيارته لكل من السعودية وإيران، عقب توليه الرئاسة، بشأن سوريا، وأوضح: «أكرر ما قلته في مكة وفي طهران.. إن دماء الشعب السوري التي تراق صباحا ومساء في رقابنا جميعا.. نحن مسؤولون عن ذلك ولا بد أن نتحرك صوب الحل النهائي وبكل قدرة وسرعة».

ودعا الرئيس مرسي، نظام الرئيس السوري بشار الأسد للمغادرة ونقل السلطة الآن، قائلا: «لديك فرصة لحقن الدماء ولا مجال للكبر والمزايدة». وشدد مرسي على أنه لا بد من إنجاز التغيير الآن والشعب السوري هو الذي يقرر مصيره، مؤكدا أن الحل الأفضل هو الإطار العربي بعيدا عن التدخل العسكري الذي قال إن الجميع يرفضونه.

وأشار مرسي إلى أن نظام الأسد ما زالت لديه فرصة. وأوضح: «أقول للنظام السوري ما زالت هناك فرصة لحقن الدماء، لا تتخذوا القرار الصحيح في الوقت الخطأ، فالقرار الصحيح في الوقت الخطأ خطأ، ولا مجال للكبر أو المزايدة، ولا تستمعوا للأصوات التي تغريكم بالبقاء، إن الشعب السوري قال كلمته الواضحة، ودماؤه أريقت، فلا مجال للتأخر في اتخاذ قرار ناجز يحفظ سوريا».

وأضاف أن التغيير مطلوب والأفضل عدم إضاعة الوقت في الحديث عن الإصلاح.. الآن وقت التغيير، ما زال هناك بعض الوقت لحقن الدماء، وإن لم تفعلوا فعجلة التاريخ ماضية وإرادة الشعوب غالبة وإرادة الله فوق الجميع ونحن مع الشعب السوري.

وقال إن اللجنة الرباعية التي دعا إلى تشكيلها (والتي تضم مصر، والسعودية، وتركيا، وإيران) سوف تجتمع، مضيفا أن الكل مدعو للمشاركة، وأنه لا بد أن نفعل فعلا إيجابيا يحفظ للشعب السوري دماءه. وشدد على أنه لا مجال للتلكؤ والتباطؤ وأنه على الجميع أن يدرك أن الشعب السوري قد اتخذ قراره ولا بد أن ينفذ.

وطالب مرسي النظام السوري بأن يأخذ العبرة والدرس من التاريخ القريب والقديم ومن كل حلقات التاريخ: ثم تلا بيت الشعر الشهير لأبو القاسم الشابي: «إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر/ ولا بد لليل أن ينجلي .. ولا بد للقيد أن ينكسر».

وطالب مرسي النظام السوري بمغادرة السلطة في سوريا «الآن»، قبل أن يفكر بـ«اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الخطأ»، قائلا إن الفرصة لا تزال سانحة للنظام بأن يوقف نزيف الدم السوري الذي يراق. وقال: «لا تستمعوا إلى الأصوات التي تغريكم بالبقاء فلن يدوم وجودكم طويلا»، لكنه شدد على أنه لا يمكن القبول أبدا بالتدخل العسكري الأجنبي، واصفا إياه بـ«الخطير».

وقال إن «سوريا الشقيقة عزيزة علينا وعلى قلب كل عربي، فسوريا العضو المؤسس لجامعة الدول العربية لها مكانة خاصة في قلب كل مصري، جمعها معنا وشائج الحضارة والثقافة والتاريخ والعروبة والإسلام وحاربنا سويا.. الدماء اختلطت دفاعا عن مصالح الأمة العربية وفي المقدمة أرض فلسطين، كنا في لحظة تاريخية معبرة عن حلم أمتنا بالوحدة دولة واحدة».

وأضاف أنه من هنا يأتي اهتمامنا بما يحدث في سوريا، ورغبتنا الصادقة في وقف ما يحدث، داعيا وزراء الخارجية العرب إلى تكثيف العمل للتوصل لحل عاجل للمأساة على أرض سوريا في إطار عربي ودعم دولي، مشددا على ضرورة أن يكون الإطار عربيا. وقال: «ما لم نتحرك فلن يتحرك العالم».

وثمن الرئيس مرسي خلال كلمته في الاجتماع الوزاري العربي دور السعودية ودول الخليج العربي في تأمين واستقرار منطقة الخليج ودرء أي محاولة للهيمنة أو التدخل في شؤون المنطقة الحيوية، مؤكدا دعم مصر لهذه الجهود في إطار الالتزام التاريخي المصري، موضحا بالقول: «لا يعني ذلك أننا ضد أحد أو نعلن الحرب على أحد أو نتخذ موقفا سلبيا من أحد في الدول الإسلامية أو دول العالم»، وقال: «نسعى لمنطقة استقرار وسلام عالمي وإذا لم يتحقق ذلك في دول العالم العربي والمنطقة فلا مجال للاستقرار في العالم».

وشدد مرسي على أن بلاده ستظل داعمة للعرب من أجل التضامن والتقدم. وقال: «سنظل داعمين لأشقائنا العرب لنيل الحقوق المشروعة وبأي جهد يحقق المزيد من التضامن العربي.. لن نقبل التدخل في شؤون دولة عربية شقيقة أو مساس باستقرارها وسيادتها». وأضاف: «مصر الثورة ستبذل كل غال من أجل وطن عربي يحظى بالتقدم بإرادة أبنائه».

وأعرب الرئيس مرسي عن ترحيب مصر بانتخاب عبد ربه منصور هادي رئيسا لليمن وانتقال السلطة بعد معاناة. وقال: «لقد رحبت مصر بانتخاب منصور هادي رئيسًا لجمهورية اليمن بعد معاناة. ونؤكد استعدادنا لتقديم أي دعم لتطبيق عناصر الخطة الانتقالية لحين إتمام الإصلاح الدستوري والانتخابات التي وافق عليها الشعب اليمني في 2013».

وأشار إلى أن العراق حقق كثيرا من الإنجازات على طريق التحديات في مجال الاستقرار الأمني والسياسي. وقال إن مصر لن تأل جهدا في تحقيق استقرار العراق وبمشاركة كافة أطياف الشعب العراقي. وأوضح: «مصر لن تبخل بأي دعم حتى يحظى الشعب العراقي بالاستقرار في إطار من التفاهم والانسجام بين كافة أبنائه».

وأكد أن السودان يمثل العمق الاستراتيجي لمصر. وقال: «السودان يمثل العمق الاستراتيجي لمصر وله مكانة خاصة ويحتاج للدعم والمساندة لتحقيق الاستقرار لتأسيس علاقة صحية مع جنوب السودان»، مشيرا إلى التزم السودان بتنفيذ اتفاق السلام الشامل واعترف بالجمهورية الوليدة ولكنه لم يتلق من المجتمع الدولي المساندة التي يستحقها، داعيا لمؤازرة الشعب السوداني. وأشاد مرسي بدور «الإخوة في قطر ومثابرتهم لحل أزمة دارفور». وقال: «أشيد بدور الأشقاء في قطر وجهودهم لحل أزمة دارفور وأقدر الجهود التي يبذلونها لتنفيذ اتفاق الدوحة».

وتحدث عن مشكلة الصومال والحاجة لتقديم يد العون لها، وعن علاقة بلاده بدول حوض النيل. وأكد مرسي حرص مصر على الاهتمام بالشأن الأفريقي. وقال: «لقد حرصت مصر على تأكيد اهتمامها بالبعد الأفريقي.. لقد كان هناك تقصير بإدارة شؤون البلاد بالشأن الأفريقي.. مصر تعود لأفريقيا كما عادت للعرب».

يشار إلى أن مجلس الجامعة العربية بدأ أمس اجتماعات الدورة 138 العادية، على المستوى الوزاري بمقر الأمانة العامة للجامعة، وبحث عدد من القضايا العربية وآخر التطورات على الساحة السورية. وألقى مرسي كلمة في افتتاح الجلسة أمام وزراء الخارجية.