الغموض يلف جريمة مقتل عائلة بريطانية من أصل عراقي في منتجع سياحي راق بفرنسا

مقتل 4 بالرصاص والمحققون يعولون على طفلتين إحداهما اختفت تحت جثة والدتها والثانية مصابة في رأسها

رجال الشرطة الفرنسية يحيطون بالمكان الذي قتلت فيه العائلة العراقية وراكب دراجة فرنسي (أ.ب)
TT

يلف الغموض تفاصيل جريمة قتل عائلة بريطانية من أصل عراقي كانت تقضي عطلتها في منتجع سياحي فرنسي راق، فحتى ليلة أمس لم تتوصل التحقيقات التي تجريها السلطات الفرنسية والبريطانية، حيث لم يتم إشراك عراقيين في التحقيقات كون الضحايا دخلوا الأراضي الفرنسية بجوازات سفر بريطانية، إلى نتائج تقودهم إلى الفاعلين الحقيقيين لهذه الجريمة التي وصفتها وسائل إعلام البلدين بـ«البشعة» وبأنها تشكل «صدمة»، خاصة أن مسرحها واحدة من أرقى المناطق السياحية، حيث يمتلك بعض الأغنياء العرب والغربيين فيللات ضخمة للاستجمام هناك.

ممثل الادعاء الفرنسي أعلن أمس أن رب الأسرة التي قتلت بالرصاص في سيارة تحمل لوحات بريطانية بمنطقة جبال الألب الفرنسية - عراقي المولد. وقال إريك مايو، ممثل الادعاء في مدينة آنسي، في مؤتمر صحافي، إن سائق السيارة، (50 عاما)، من مواليد العراق، ولكنه كان يعيش في بريطانيا منذ عدة أعوام.

وذكرت محطة «بي إف إم تي في» التلفزيونية الفرنسية أن الشخص يدعى سعد الحلي، وذكرت أنه وأسرته كانا يقيمان بضاحية (كليجيت) القريبة من لندن. وقال مايو إنه عثر في السيارة على جواز سفر عراقي وآخر سويدي. وأضاف أن خبراء الطب الشرعي عثروا على طفلة، (4 أعوام)، لم يصبها أذى تحت الجثث، وأن «حالتها البدنية جيدة» وتتحدث الإنجليزية، بينما عثروا على شقيقتها الأكبر سنا، (8 أعوام)، مصابة على نحو خطير قرب السيارة وخضعت لعمليتين جراحيتين في مستشفى بمدينة تولوز أمس. وقال مايو إن حالتها «تتحسن ببطء». ولم ينج من هذه المجزرة سوى الطفلة ذات الأربعة أعوام، بعد 8 ساعات قضتها مختبئة تحت جثتي والدتها وجدتها في سيارة العائلة التي وصلت من بريطانيا للسياحة وتعرضت لإطلاق نار في مخيم قرب بحيرة «آنسي»، إلى الجنوب الشرقي من فرنسا، حيث عثرت الشرطة الفرنسية مساء أول من أمس، على سيارة من نوع «بي إم دبليو» ذات رقم بريطاني، مثقوبة الزجاج بالرصاص في غابة قرب البحيرة، وفي داخلها جثة لرجل يجلس في مقعد القيادة وجثتان لامرأتين، يفترض أنهم والدا الطفلة وجدتها.

في مؤتمره الصحافي، أكد إريك مايو، النائب العام للمنطقة، بعد ظهر أمس، أن الضحايا تعرضوا لرصاصات في الرأس بشكل يبدو متعمدا ويدل على الوحشية. وقد تم تحديد هويات الضحايا بفضل معلومات عن جواز سفر الحلي الذي تركه لدى إدارة المخيم الذي أقاموا به. كما أشار إلى أن جوازا عراقيا وجد داخل السيارة تابعا لإحدى الضحايا، وأن السيدة الأكبر سنا تحمل جوازا سويديا.

وأبلغ عن الحادث متنزه على دراجة هوائية كان يقيم بالمنطقة وسبق له أن خدم في سلاح الجو البريطاني، لم يعرف سبب مصادفة وجوده قرب الحادث في ذلك الوقت بالذات. وقد وجدت الشرطة التي هرعت إلى المكان طفلة ثانية في الثامنة من العمر، يفترض أنها شقيقة الطفلة الأولى، مصابة بجروح بليغة، خارج السيارة التي كان محركها لا يزال دائرا. وتم إخلاء الطفلة، المصابة بعدة طلقات، بطائرة عمودية إلى مستشفى في مدينة «غرينوبل»، حيث خضعت لعملية جراحية أولى في الرأس، ثم أعيد وضعها تحت الغيبوبة الصناعية، أمس، تمهيدا لجراحة ثانية. كما ذهب ضحية المجزرة التي جرى تنفيذها بمسدس آلي، شخص رابع كان يقود دراجة قرب المكان. وقد تبين أنه من أهل المنطقة، بعد أن أبلغت زوجته عن غيابه. لكن المحققين ما زالوا متحفظين في إطلاق الاستنتاجات حول المجزرة التي لم تتضح خيوطها بعد، مع وضعهم الاحتمال الجنائي في المقدمة، ومن دون إهمال احتمال أن يكون الحادث ناجما عن مأساة عائلية. كما أنهم يدرسون احتمال أن يكون الحادث وقع نتيجة تبادل إطلاق نار بين جهتين. ويحاول المحققون تحديد سبب وجود راكب الدراجة في المكان واحتمال أن يكون له دور ما. ويجري حاليا، فحص ما مجموعه 15 رصاصة فارغة وجدت في محيط المنطقة، تعود لسلاح آلي.

وفي لندن، أجرت «الشرق الأوسط» اتصالات كثيرة مع عراقيين في منطقة سري، في محاولة للحصول على معلومات تتعلق بالضحايا، فالحلي الذي يقيم ببريطانيا منذ السبعينات كان قد درس في مدرسة (بالمكو) في لندن، وهو مهندس يعيش في سري منذ 20 عاما ويعمل بشكل غير ثابت في شركة «ستلايت»، حيث كان قد ساهم في تصميم مطبخ طائرة (إيرباص A380)، بينما كانت زوجته تعمل في مجال طب الأسنان.

وقال عراقيون في منطقة سري، التي تقطنها جالية عراقية لا بأس بها، إنه «لم يعرف عن الحلي سعة اتصالاته الاجتماعية أو لقاءاته الكثيرة مع أبناء جاليته»، مشيرين إلى أن «مقربين من العائلة فشلوا في الاتصال بشقيق الحلي وشقيقة زوجته».

المحققون يأملون أن تساعدهم الطفلة الصغيرة الناجية التي تصدرت أخبارها النشرات الفرنسية، أمس، في معرفة ملابسات المجزرة التي راح ضحيتها أفراد العائلة التي كانت تقضي إجازة في فرنسا. كما روع الحادث أهالي المنطقة وزوار تلك البحيرة السياحية الراقية والهادئة التي تتوزع حول ضفافها فيللات لعدد من أثرياء العالم والشخصيات الخليجية. ومنعت إدارة المخيم الصحافيين من الوصول إلى العربة المتنقلة «كرفان» التي أقام بها الضحايا العراقيون هناك. وقال مصطافون في المخيم الذي يضم سياحا من جنسيات مختلفة، ممن شاهدوا الضحايا في الأيام الماضية، إن السيدة الكبيرة كانت ترتدي ثوبا أسود طويلا، وإن الطفلتين كانتا رائعتين وبشعر أسود، وتتدثران بلحاف وهما تتنزهان بسبب لسعات البرد حول البحيرة.

وحسب المحققين، فإن الطفلة الصغيرة ظلت متوارية تحت قدمي والدتها المتوفاة، في القسم الخلفي من السيارة، ولم تتحرك لمدة 8 ساعات بحيث إن أفراد الدرك الذين هرعوا إلى المكان، فور الحادث، لم ينتبهوا إلى وجودها. وهم لم يعثروا على الطفلة إلا بعد وصول خبراء المعهد الجنائي من باريس. وأضاف: «لقد ابتسمت وتحدثت بالإنجليزية بعد أن انتشلها رجل الأمن وحملها بين ذراعيه. وفهمنا أنها سمعت ضجة وصراخا، ولم تقل المزيد». وقد نقلت الناجية إلى مكان آمن تحت حماية الشرطة، مثل شقيقتها المفترضة التي يأمل المحققون أن يتمكنوا من الاستماع إلى أقوالها في حال تعافيها. لكن تأخر المحققين في العثور على الطفلة الصغيرة تحول إلى موضع جدل وتساؤلات في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية. ورد مصدر في الشرطة أن الأولوية كانت لإسعاف المصابين ولم يتبينوا وجود طفلة حية بينهم.