مصر: معركة «تأسيسية» الدستور تغادر «مادة الشريعة» إلى «الذات الإلهية»

مصادر كنسية: المسيحية لا تمنع ظهور الأنبياء.. والأزهر: لسنا ضد الإبداع

TT

بعد الجدل الكبير الذي شهدته الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد أول دستور تشهده مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) عام 2011، حول شكل المادة الثانية من الدستور، دخلت مادة جديدة تتعلق بـ«الذات الإلهية» ساحات الجدل السياسي بين الأوساط المسيحية والفنية.

وفيما أكد مصدر داخل «التأسيسية» أنه «تم إقرار مادة الذات الإلهية في باب المقومات الأساسية، والتي طالب بها الأزهر الشريف وأيده في ذلك حزب النور (السلفي) والحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)»، تخوفت مصادر كنسية من أن نص المادة الجديدة قد يحدث بلبلة في المجتمع عند تطبيقه.

ووافقت لجنة نظام الحكم المنبثقة عن الجمعية التأسيسية مؤخرا وبالإجماع على اقتراح الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي تقدم به ممثلو الأزهر إلى الجمعية التأسيسية في يوليو (تموز) الماضي بضرورة وجود مادة «تحصن المساس بالأنبياء والصحابة».

وأضاف المصدر نفسه داخل التأسيسية لـ«الشرق الأوسط»: أن المادة تنص على أن «الذات الإلهية مصونة يحظر المساس أو التعرض لها، وكذا ذوات أنبياء الله ورسله جميعا، وكذلك أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين»، مؤكدا أن إقرار المادة شهد جدلا بين الأعضاء واعتراضا من أعضاء لجنة الصياغة.

وكانت بعض القوى السياسية المصرية قد طالبت بعدم نص الدستور الجديد على «مادة تتعلق بالذات الإلهية»؛ إلا أن أحزابا إسلامية، من بينها الحرية والعدالة والنور، طالبوا بضرورة النص على هذه المادة. كما اتفق عدد من ممثلي التيارات والأحزاب والقوى السياسية قبل يومين ومعهم عمرو موسى، المرشح السابق للرئاسة المصرية، في اجتماع غير معلن بمجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان)، على إقرار نص المادة الجديدة.

من جانبه، كشف الدكتور حسن الشافعي، رئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر الشريف، رئيس وفد الأزهر في الجمعية التأسيسية عن أن الجميع بالجمعية التأسيسية وافقوا على أن يتضمن مادة تحظر المساس أو التعرض للذات الإلهية أو الأنبياء أو أمهات المؤمنين أو الخلفاء الراشدين.

وقال الشافعي لـ«الشرق الأوسط» إن «طلب الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بتحصين الأنبياء والخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين لا يمكن اعتباره ضد الإبداع؛ بل ضد ازدراء الأديان»، مؤكدا أن «مجمع البحوث الإسلامية أفتى من قبل بتحريم ظهور الأنبياء والصحابة وآل البيت في الأعمال الدرامية».

لكن مصادر كنسية، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «مادة الذات الإلهية وضعت بشكل سيؤدي إلى البلبلة».

ويزيد إقرار مادة الذات الإلهية من تحجيم حرية الإبداع وخاصة مع صعود تيار الإسلام السياسي للمشهد في مصر، والمادة الجديدة سوف تتيح منع الأعمال الدرامية التي تجسد الأنبياء والصحابة ومحاسبة مؤلفها، وسبق أن فجرت أعمالا درامية آخرها مسلسل الفاروق عمر الذي عرض في رمضان الماضي، خلافا بشأن عرضه في مصر. وفيما يرى مراقبون أن المادة الجديدة محاولة لأسلمه المجتمع وتطويق حرية الإبداع والتأليف. قال الناشط الحقوقي المسيحي، صفوت جرجس، إنه «لا يجب فرض الأمور الإسلامية على المسيحيين، خاصة أن الديانة المسيحية لا تمنع ظهور الأنبياء والقديسين بما فيهم المسيح نفسه في الأعمال الدرامية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه «من حقنا كمسيحيين أن نجسد أنبياءنا على الشاشة، ويجب أن يعاد النظر في هذه المادة».

واعتبر أحمد نبيل، مؤلف، أن المادة استمرار لهيمنة تيار الإسلام السياسي على الحياة، و«تكتيفا» - حسب قوله - لجميع المبدعين والباحثين الذين سوف يشرعون في الاقتراب من الصحابة والأنبياء في إنتاجهم.

لكن الشيخ محمود عبد المطلب، عضو الدعوة السلفية بمصر، قال لـ«الشرق الأوسط»: «ليس في الديانات السماوية أن يسب الرسل أو الصحابة أو المسيح».