السندات الإسلامية في السودان تجذب مستثمري السعودية والخليج

وسط مخاطر كبيرة وعوائد مغرية

TT

شرح حميد، السمسار السوداني، لمستثمر يمني في البورصة دعاه إلى تناول الشاي في مكتبه أنه لن يتمكن من تحصيل عائدات مستحقة له بعد سنوات طويلة من الاستثمار في السندات الإسلامية في السودان. ويعرض حميد سبيلا واحدا فقط للأجانب الراغبين في الخروج بأموالهم من بورصة الخرطوم وخفض تعرضهم للفوضى الاقتصادية في البلاد، يتمثل في إعادة استثمار توزيعات الأرباح المدفوعة بالعملة المحلية في عقارات على سبيل المثال، والانتظار لوقت أفضل لتحويل المال إلى ديارهم.

ويقول حميد، حسب وكالة «رويترز»، للمستثمر في مكتبه القريب من مركز تجاري: «الأجانب عالقون. لا يمكنك تحويل مدفوعات السندات إلى دولارات بشكل قانوني. تحتاج لإيجاد سبل أخرى ربما إعادة الاستثمار». ويفسر ذلك بدرجة كبيرة لماذا يقول السماسرة إن أعدادا قليلة فقط من المستثمرين الخليجيين حاولوا سحب أموالهم من البورصة الصغيرة التي تمثل السندات الإسلامية قصيرة الأجل نحو 90 في المائة من تعاملاتها.

لكن هناك بعض الأدلة كذلك على أن المستثمرين من السعودية وغيرها من دول الخليج لم يتخلوا عن السودان على الرغم من خسارة البلاد ثلاثة أرباع إنتاجها من النفط منذ استقلال جنوب السودان الذي انفصل في يوليو (تموز) 2011. وبما أن البنك المركزي يضمن السندات الإسلامية، فقد جرى تداول مليونين من الصكوك في الأشهر الخمسة الأولى من العام بالمقارنة مع 1.2 مليون في الفترة نفسها من العام السابق. وتفيد تقديرات البورصة أن المستثمرين الأجانب يملكون نحو 20 في المائة من السندات الإسلامية قصيرة الأجل. وزادت الحكومة والشركات الحكومية الساعية لجمع المال عائداتها السنوية من الصكوك إلى 22 في المائة من 14 في المائة قبل عام.

وقال جارمو كوتيليني كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري السعودي: «في الخليج تكون محظوظا لو حصلت على خمسة في المائة، لذلك، فإذا كنت مستعدا لتحمل المخاطر، فإن السودان قد يكون المكان المناسب». ويقول إن المستثمرين من الخليج يميلون لتقبل المخاطر العديدة التي تنطوي عليها التعاملات في السودان لأنهم خبروا البلد منذ فترة طويلة. وتحت إغراء العائد المرتفع، أقبل المستثمرون من الخليج على شراء السندات الحكومية عندما كان السودان يتمتع بعائدات نفط كبيرة أسهمت في ازدهار حركة البناء في الخرطوم. ومنذ استقلال جنوب السودان، عانى السودان من نقص السيولة؛ إذ كان النفط هو المصدر الرئيسي ليس فقط للإيرادات بل للدولارات.

ولتوفير المال لواردات الغذاء، اتخذ البنك المركزي من التدابير ما كاد يجعل تحويل قيمة مبيعات الأسهم والسندات المقومة بالجنيه السوداني إلى الدولار للتحويل للخارج، مستحيلا.

وقال حميد إن إجراءات إرسال مكاسب السندات والأسهم للخارج هي عن طريق تحويل المبالغ بالجنيه السوداني إلى الدولار في السوق السوداء، لكن ظل هذا الخيار مجديا. وتغض السلطات الطرف عن ذلك لتجنب مضايقة المستثمرين الأجانب. وقال حميد الذي طلب عدم نشر اسمه كاملا لأن بعض نصائحه قد لا تكون قانونية: «بعض المستثمرين يطلبون مني شراء الدولارات من السوق السوداء لاستثماراتهم ليتمكنوا من الحصول على مدفوعات الصكوك». وأضاف: «لا يحصل المستثمرون في نهاية الأمر على عائدات بنسبة 20 في المائة، لكنني أضمن لهم على الأقل سبعة في المائة. وهذا أفضل من أسواق أخرى كثيرة، وكثيرون يسعدون بذلك».

وفي حين قرر المستثمر اليمني في نهاية الأمر إعادة استثمار عائداته من الصكوك في شراء قطعة أرض مطلة على النيل في الخرطوم، يقول سماسرة آخرون إن مستثمرين أجانب آخرين يشترون الذهب بإيراداتهم. ويزيد السودان إنتاجه من الذهب لتعويض خسائره من إنتاج النفط. ويأتي أغلب الإنتاج من منقبين أفراد يعرضونه علنا في سوق الذهب في الخرطوم.

وتتجاهل البنوك الغربية السودان الغني بالمعادن والأراضي الخصبة بسبب عقوبات تفرضها الولايات المتحدة عليه منذ 1997 بسبب دوره السابق في استضافة نشطاء إسلاميين مثل أسامة بن لادن. لكن المستثمرين من دول الخليج نشطوا بدرجة كبيرة في السودان منذ ثمانينات القرن الماضي.

والبورصة السودانية تقع في أحد طوابق مبنى «مجموعة البركة» المصرفية الإسلامية السعودية. وعلى مقربة من المبنى في الشارع نفسه يقع «بنك الخرطوم» المملوك لـ«بنك دبي الإسلامي».. هناك أيضا «بنك قطر الوطني».

وبعد سنوات من ازدهار الاقتراض المدفوع بنمو الإنشاءات، تعاني البنوك الأجنبية الآن من ضعف طلب الأفراد على القروض، مما يرفع التضخم ويزيد من القيود على تحويلات الدولار.

وتوقف «بنك الخرطوم»، أكبر بنك خاص في البلاد، عن ترتيب إصدارات سندات للشركات بسبب ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد. ورغم ذلك، فإن البنك يعتزم افتتاح 15 فرعا جديدا في مختلف أرجاء السودان هذا العام. ويقول مصرفيون إن الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه السوداني حقق لبعض البنوك مكاسب ضخمة بالعملة الأجنبية. وأفادت أحدث بيانات للبنك المركزي أن إجمالي إقراض البنوك بلغ 21.5 مليار جنيه سوداني (4.7 مليار دولار) في يونيو (حزيران) من دون تغير عن الأشهر السابقة. ونجحت البورصة في زيادة التداول بمساعدة عمان عن طريق طرح نظام تداول بالكومبيوتر في يناير (كانون الثاني) الماضي منهية عهد كتابة الأسعار على لوحات بيضاء.

وارتفع إجمالي حجم التداول في البورصة إلى 1.24 مليار جنيه في الفترة من يناير إلى مايو (أيار) الماضيين بالمقارنة مع 0.8 مليار قبل عام. وتم إدراج تسع شركات جديدة على الأقل منذ يناير الماضي.

وقال عبد الرحمن عبد المجيد نادر، نائب رئيس البورصة: «هذه نتيجة النظام الجديد، لأن الصفقات تتم بشكل أكثر كفاءة وشفافية». لكن الأمل في أن تعطي البورصة التي تعمل بالكومبيوتر المستثمرين الأجانب قدرة أكبر على دخول السوق لم تتحقق بعد. ويقول سماسرة والبنك المركزي إن النظام لم يربط بعد بالبنوك. ويوقع المتعاملون الصفقات على الورق بعد جلسة التداول اليومية ومدتها ساعة واحدة. وتعطلت الشاشة المركزية بعد بضعة أشهر فقط من تشغيلها، وهو أمر معتاد في السودان؛ حيث يندر وجود قطع الغيار الإلكترونية بسبب الحصار الأميركي ونقص الدولار.

وقال مدير شركة سمسرة كبيرة طلب عدم نشر اسمه: «ليس هناك تعامل على الإنترنت». وأضاف: «النظام مربوط فقط بأجهزة كومبيوتر محمولة في قاعة التداول. الأمر أشبه بوضع آلة حاسبة في غرفة وإطلاق اسم بورصة إلكترونية عليها». وليس هناك سوى حالتين للإدراج المزدوج مع دبي وأبوظبي في البورصة التي تبلغ القيمة السوقية للأسهم المتداولة فيها 8.1 مليار جنيه (1.8 مليار دولار) أي نسبة ضئيلة من القيمة السوقية لبورصة دبي البالغة 29 مليار دولار.

وقرر صندوق الاستثمار البريطاني «سيلك إنفيست» عدم الاستثمار في الأسهم والسندات في الوقت الراهن. وقال دانييل بروبي كبير المسؤولين عن الاستثمار في الصندوق: «هناك كثير من الإصدارات الإسلامية المحلية.. الفائدة مغرية بما يكفي، لكنها مقومة بالعملة المحلية، والبورصة مسألة معقدة».

وبالنسبة للمواطن السوداني العادي يعد شراء السندات الإسلامية قصيرة الأجل، فهو السبيل الوحيد لتقليل أثر التضخم البالغ 41.6 في المائة، أي نحو ثلاثة أمثال معدله في يونيو 2011 عندما بلغ 15 في المائة، وهو آخر بيان قبل انفصال جنوب السودان. وقالت سلمى التي تعمل في القطاع المالي: «العائد عليها 19 في المائة، وهذا ليس جيدا، لكنه أفضل من لا شيء».