زيباري: ما يحدث في سوريا حرب استنزاف.. والاشتباك الحقيقي لم يقع بعد

وزير خارجية العراق لـ «الشرق الأوسط»: الرئيس المصري وعد بزيارة بغداد في أقرب فرصة

TT

وصف وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ما يحدث في سوريا حاليا بأنه حرب استنزاف ورمي عن بعد، مؤكدا أن الاشتباك الحقيقي لم يحدث بعد. وانتقد زيباري المعالجة الدبلوماسية للأزمة السورية التي تتحدث عن إسقاط نظام وتطالب بالتنحي، مشيرا إلى أن هذا الأمر له طرق أخرى وليس من خلال المبادرات السياسية، واعتبر ما يجري من مساعٍ وجهود مجرد فشل يراكم فشلا سابقا. وقال زيباري في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» أجرته معه بالقاهرة إن مهمة كوفي أنان كانت لها أنياب ومدعومة بقرار من مجلس الأمن، وعلى الرغم من ذلك لم توفق، واعتبر أن فرصة الإبراهيمي تكمن في تحرك جريء لجمع الأطراف والاتفاق على الانتقال السياسي ونفى انحياز بلاده للنظام في سوريا.

وأكد زيباري أن موقف بلاده من الأزمة السورية عبر عنه إعلان بغداد الذي صدر في القمة العربية، وهو الانحياز لمطالب الشعب السوري وحقه في الحرية والتداول السلمي للسلطة، مشددا على أن هذا الموقف غير مرتبط بموقف إيران لأنه يختلف، وكذلك عن موقف لبنان. كما تحدث عن العلاقة مع دولة الكويت والرغبة في استكمال ما تبقى من قضايا مثل الأسرى والمفقودين والأرشيف وممتلكات الكويت، وذلك من خلال العلاقات الثنائية وليس تحت البند السابع في مجلس الأمن، وقال إن زيارة رئيس الوزراء الكويتي للعراق قائمة ومرحب بها، كما أشار أيضا إلى زيارة مرتقبة للرئيس المصري محمد مرسي للعراق.

وفيما يلي نص الحوار:

* تردد أن الرئيس المصري محمد مرسي يعتزم زيارة العراق وذلك في أثناء زيارته لإيران مؤخرا، هل اتفق على ترتيبها في وقت لاحق؟

- بالتأكيد العراق يرحب بزيارة الرئيس محمد مرسي وسبق عندما التقيت الرئيس خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي أن وجهت له دعوة من القيادة العراقية لزيارة العراق، وقد رحب بها ترحيبا حارا ووعد بأنه سوف يزور العراق وقد جرت اتصالات أخرى بعدها، وأكد خلالها على حرصه لتحقيق هذه الزيارة في أقرب فرصة. والدعوة موجهة بالتأكيد وهناك الكثير من القضايا والملفات السياسية وعلاقات التجارة البينية وتوحيد الرؤى حول قضايا المنطقة، ويمكن للبلدين القيام في هذا النطاق بدور مهم، وبالتالي الزيارة سوف تتم في أقرب فرصة، ولا تنسي أن هناك علاقات متشابكة بيننا عسكرية واقتصادية وتجارية وشعبية وحتى سياحيا، وهناك توجه لتسيير خطوط الطيران بين مصر والعراق من أجل دعم القطاع السياحي.

* ماذا عن اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين البلدين؟ متى ستعقد؟

- اللجنة العليا قائمة وموجودة وتنعقد برئاسة وزيري خارجية البلدين وعقدنا أكثر من اجتماع ولقاء، كما اجتمع عدد من الوزارات أكثر من مرة، وهذا النهج قائم خاصة بعد الثورة والتغيير الديمقراطي الذي حصل في مصر وستستأنف هذه اللجنة عملها قريبا.

* البعض يقول إن الوضع الأمني غير المستقر في العراق قد يعطل زيارة الرئيس مرسي لبغداد؟

- الوضع الأمني مستقر، وبالنسبة لزيارة الرئيس فستحظى بترتيبات أمنية على أعلى مستوى، ونحن عقدنا قمة عربية في بغداد واستطعنا تأمين القمة ويوميا لدينا زيارات لكبار المسؤولين من كل دول العالم ولذلك فالناحية الأمنية مؤمنة.

* اقترح الرئيس مرسي مبادرة في مؤتمر عدم الانحياز، كما طرح العراق مبادرة أيضا بشأن سوريا.. هل ترى أن هناك توافقا بين المبادرتين أم أن كل دولة منحازة إلى وجهتها بمعنى انحياز مصر للشعب وانحيازكم للنظام؟

- هذا تبسيط للأمور ومن المفروض أن لا تكون المبادرة منحازة لطرف وإنما مستقلة وموضوعية ومحايدة، والمبادرة المصرية لم تطرح فقط في طهران وإنما في مكة أيضا خلال القمة الإسلامية. وقد طرح الرئيس المصري عددا من الدول المهمة والمؤثرة مثل السعودية وإيران وتركيا ومصر، وأن هذه الدول ممكن أن تتشاور فيما بينها لتشكيل مجموعة الاتصال في هذا الاتجاه، وفي قمة طهران حقيقة لم يطرح المبادرة ولكنه عبر عن موقف مصر وإدانته للنظام السوري وللانتهاكات، وكلمته كانت قوية في مؤتمر عدم الانحياز وكان لها أصداء. أما المبادرة العراقية فقد طرحت أيضا ليست بشكل منحاز، وترى أن دول قمة عدم الانحياز مفترض أن تبادر وأن تشكل لجنة اتصال من بعض دولها للبحث عن حل مثل كل المنظمات وهناك مواقف سابقة في هذا الشأن خلال الحرب العراقية الإيرانية التي طالت لثماني سنوات كان لمنظمة عدم الانحياز مبادرات قوية في هذا الاتجاه وإرسال وفود إلى بغداد وطهران وكان لها دور، وبالتالي طرح العراق مبادرته مستندا إلى ما أقرته قمة بغداد ومبادرات أخرى مثل وقف إطلاق النار، وعدم تسليح أي طرف من أطراف النزاع، ودعم مهمة الأخضر الإبراهيمي الجديدة وإطلاق الحوار السياسي، وتشكيل حكومة وطنية تؤدي إلى مرحلة انتقالية وتعد للدستور وللانتخابات.

* لكن ما وصل إلى الإعلام من هذه المبادرة هو أن تشكل حكومة بها الرئيس السوري بشار الأسد؟

- عند طرح أي مبادرة يجب أن لا نضع أحكاما مسبقة، وأن نترك الهدف لنتائج الحوار وليس لبدايته وأقصد إذا قلنا في المبادرة يجب أن يتنحى الرئيس أو إننا لن نتعامل معه، لا تكون هناك مبادرة.

* تقصد أن كلمة تنحي الرئيس تنسف المبادرة؟

- بالتأكيد وحتى عندما نبحث في مهمة الأخضر الإبراهيمي نجد هناك أحكاما مسبقة تؤدي إلى فشلها قبل بدايتها، وهذه هي المشكلة التي وقعنا بها في مبادرات وقرارات الجامعة العربية. وأقصد إذا كانت هناك مبادرة فيجب أن تعطيها المجال حتى تثبت فشلها. أما إذا كانت المسألة تغيير النظام وإسقاطه فهناك طرق أخرى غير المبادرة، وهذا الجدل الذي حصل في اجتماعات الجامعة سواء التي انعقدت في مقر الجامعة أو في الدوحة أو في أي مكان، وكذلك المبادرة العراقية - هي انعكاس أو استمرار لإعلان بغداد، كل هذا يؤكد أن كل الدول العربية مع الحقوق المشروعة للشعب السوري في الحرية والديمقراطية والإصلاح وفي التداول السلمي للسلطة وإجراء انتخابات واحترام إرادة الشعوب في اختيار حكامها.

* إذن نستطيع القول إن الموقف العراقي لا يشبه الإيراني في انحيازه للنظام السوري؟

- لا، أبدا.. موقفنا متميز عن إيران وعن لبنان وعن دول الخليج، وأيضا عن كل من تركيا وأميركا. العراق ساهم وشارك في كل الفعاليات التي تبحث الوضع السوري وتوقعاتنا ثبت صحتها حيث كنا نذكر وننبه بأنه لن يكون في سوريا تدخل دولي، لأن الوضع الدولي تغير وأنه مهما حصل على شرعية عربية بالتدخل لن يحسم أمره، وهذا ما حدث في الموقفين الروسي والصيني، كما نذكر أيضا أن النظام السوري ليست أمامه أيام أو أسابيع، لأن هذا النظام مستند إلى قوة عسكرية أمنية متمكنة منذ عقود وبإمكانها المواصلة والمحافظة على هذا النظام لأن المعركة بالنسبة له مسألة وجود. هذا ما توقعناه منذ بداية العام والجميع كان يعطي لسقوط النظام أياما وقلنا وقتها إنه لن يسقط بسهولة.

* البعض يقول إن الأزمة السورية ستحل نفسها بنفسها دون حل سياسي أو تدخل عسكري؟

- لقد طرحت كل الحلول وما يحدث حاليا في سوريا هو نوع من حرب الاستنزاف مع الأسف الشديد ويمكن تسميته أيضا نوعا من الرمي عن بعد. وحتى الآن الاشتباك الحقيقي لم يحصل بعد لأن مستويات القتل والعنف سوف تشتعل وتشتد على الرغم من ارتفاعها في الآونة الأخيرة، وإذا لم تتوقف حدة القتل بمبادرة وتهدئة حقيقية فالشعب السوري سوف يتضرر بشكل غير مسبوق.

* هل تتمكن الجامعة مع المجتمع الدولي من خلال المبعوث المشترك الأخضر الإبراهيمي من التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار أو إعلان هدنة وفق الرؤية الروسية؟

- إذا دعمت المبادرة دوليا وتجاوبت الأطراف مع الإبراهيمي للتهدئة يمكن التوصل لحل، أما إذا استمر التسليح والتحريض والتمويل فسوف يشتعل الوضع بشكل خطير، وأرى أن مهمة الإبراهيمي أصعب من مهمة أنان.

* لماذا؟

- أنان بدأ مهمته بتفويض من مجلس الأمن، بمعنى تفويض دولي ومراقبين على الأرض وقرارات دولية وسار في هذا الاتجاه، ومع ذلك أخفق في مهمته، أما خلفه الإبراهيمي فيبدأ مهمته بصيغة أخرى وهي أنه ممثل مشترك للأمين العام للجامعة والأمم المتحدة، لكن من دون الأنياب التي كانت متوافرة لسلفه أنان.

* لكن مهمة الإبراهيمي بنفس أدوات أنان تعد استمرارا للدور نفسه؟

- لا تختلف، وقد أوضح الإبراهيمي هذه النقطة أثناء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبالتأكيد سوف يستند إلى النقاط الست التي انطلق منها أنان في مهمته، لكن ليس لديه الفرصة أو الوقت للبداية من الصفر.

* تقصد أن الإبراهيمي يبني مهمته على فشل مهمة كوفي أنان، يعني هو يبني فشلا على فشل؟

- هو يتمنى أن يفعل شيئا في طريق نجاح مهمته، لكن الواقع يتسق مع ما ورد في السؤال.

* بماذا تنصح الإبراهيمي؟

- أن يبدأ بتحرك جريء جدا وهو أن يجمع الأطراف لحوار من أجل الاتفاق على العملية السياسية والانتقال السياسي مع وضع ضوابط ورقابة دولية على العملية السياسية وإجراء الانتخابات ومسائل أخرى، أما إذا تركت المسألة للمطلق، فآنذاك المعركة تتقرر على الأرض.

* يبدو أن هذا هو الذي سيحدث وأن تبدأ مهمة الإبراهيمي بعد انتهاء المعارك العسكرية على أرض الواقع كما يتصور البعض؟

- ننتظر لنرى.

* ما مدى تأثير ما يحدث على الحدود العراقية - السورية بالنسبة للعراق؟

- الحدود المشتركة يمكن أن يطلق عليها أنها ملتهبة، ففي السابق كان يمر عبر هذه الحدود مئات من المقاتلين والانتحاريين آنذاك بتواطؤ مع النظام السابق، واليوم ربما تحدث هجرة عكسية مع الأسف الشديد، بعد هذه المجاميع والشبكات الموجودة، ربما تستفيد من الفراغ الأمني وتقوم بعمليات ضد البلدين خاصة أنها مجموعات متطرفة أيدلوجيا ولها علاقات مع شبكات «القاعدة».

* هل توجد عناصر من «القاعدة» على الحدود العراقية - السورية؟

- «القاعدة» ليس لها قاعدة وتوجد في المكان الخصب الذي استوعب نشاطها، وقد كثفنا مؤخرا من الإجراءات لضبط هذه الحدود، وقد دخل بغداد نحو 17 ألف لاجئ سوري حتى اليوم، ونحاول مساعدتهم بتقديم الخدمات الإنسانية الخاصة بالسكن والدواء، ولكن هذه الأعداد قابلة للزيادة في ظل ضغوط القصف العسكري على الأرض السورية.

* ضمن الاتهامات التي وجهت للعراق مؤخرا أنه سمح للطائرات الخاصة بالنظام السوري استخدام الأجواء العراقية لضرب المدنيين في منطقة البوكمال؟

- هذا غير صحيح ويدخل ضمن التشهير بالموقف العراقي، وحقيقي أن هناك خروقات للأسف تحدث في العراق من دول الجوار؛ على سبيل المثال طائرات تركية أحيانا وإيرانية وكويتية، أحيانا أخرى، وهي اختراقات ليست مع سبق الإصرار وإنما خرجت عن الخط الملاحي. وبالنسبة لسوريا فهي لا تحتاج لأن تقصف مواقع داخل سوريا من داخل العراق.

* اقترح العراق عدة مبادرات في إطار تفعيل العمل العربي المشترك هل يمكن التعرف عليها؟

- خلال رئاستي للجنة متابعة تنفيذ قرارات قمة بغداد على هامش اجتماعات الوزاري العربي ومراجعة ما تحقق وما سيجري تنفيذه فكرنا في طرح بعض المبادرات.

* ماذا تحقق من قمة بغداد حتى اليوم؟

- أهم شيء تحقق في تقديري أن أحد قرارات القمة كان يطالب بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل ومعالجة الموضوع النووي، وعليه استضاف العراق اجتماعا دوليا في شهر مايو (أيار) الماضي بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية إضافة إلى ألمانيا. وهذا أول اجتماع يعقد في دولة عربية يتعلق بملف إيران النووي، وكانت الاجتماعات إيجابية على الرغم من أنها لم تحقق النتائج المطلوبة، لكن يعتبر أول توقيت لترجمة القرار العربي، ومحاولة لمنع الصدام وتأسيس منهج الحوار في هذا الملف الخطير. والنقطة الأخرى أن العراق وقف مع أشقائه العرب في كل المبادرات التي تتعلق بالأزمة السورية، ونعتزم استضافة مؤتمر في بغداد حول الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وكل الترتيبات والإجراءات قائمة وسوف نتفق على موعده، وكذلك اقترحنا عقد ملتقى لكتابة الدستور لدول الربيع العربي برئاسة العراق وجامعة الدول العربية، وبدعوة عدد من الخبراء القانونين لتقييم التجربة، وكذلك نخطط لعقد اجتماع حول الإرهاب ومكافحته ولدينا تجربة ودول أخرى لديها التجربة، ولدينا ما يستجد من قضايا وتطورات.

* عشية اجتماعات وزراء الخارجية العرب أعلن الرئيس الإيراني أن الجزر المتنازع عليها مع الإمارات إيرانية.. ألا ترى في هذا استفزازا؟

- موقفنا واضح وهو نفس موقف الجامعة العربية وقنواتنا مفتوحة مع إيران، والعراق يستطيع أن يلعب دورا إيجابيا وبناء وأن يكون جسرا للتواصل وللتفاهم.

* هناك دعوات لعقد قمة عربية لمناقشة موضوع واحد هو الأمن والاستقرار في المنطقة.. هل هذا وارد؟

- لم تصلنا دعوات لكن أي محاولة للتنسيق والتعاون ندعمها دائما.

* ماذا عن زيارة رئيس وزراء الكويت للعراق؟

- الزيارة قائمة ولكن بسبب الأوضاع في الكويت والأزمة الدستورية لم يتحدد الموعد النهائي، لكن قبل يومين صدر بيان عن اجتماع وزراء مجلس التعاون الخليجي ونحن أبدينا استغرابنا من هذا البيان الذي يطالب الحكومة العراقية القيام بمسؤولياتها إزاء شعبها والتزاماتها تجاه دول الجوار، وكأنه لم يحدث شيء طيلة التسع سنوات الماضية من تحول ديمقراطي دستوري سياسي في العراق. وحقيقة نحن أعربنا عن استغرابنا من هذا الموقف خاصة بعد أن نجح العراق في إلغاء البند الخاص بالعراق في قرارات الجامعة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز، ولكن جاء أشقاؤنا وأحباؤنا ليعيدوا الكرة إلى المربع الأول.

* خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أيام هل سيطرح العراق التخلص من قرارات كانت تفرض عليه؟

- لدينا موضوع حيوي جدا وهو الموضوع المتبقي من قرارات الفصل السابع، وهي القرارات المتعلقة بالحالة بين العراق والكويت ونحن نعمل بتعاون ومساعدة الأشقاء في الكويت لدعم العراق للخروج من أحكام الفصل السابع، وقد عبر العراق عن استعداده للتعاون في ملف الأسرى والمفقودين والممتلكات الكويتية بشكل ثنائي أو حتى تحت مساعدة الأمم المتحدة، وأن يطرح ما بقي من مواضيع في إطار التعاون الثنائي وليس في الأمم، ونحن ملتزمون بالبحث عن المفقودين وإعادة الممتلكات الخاصة بالأرشيف الكويتي. وأن نخرج هذه البنود من قرارات الفصل السابع إلى حتى السادس على أساس أن تكون هناك بادرة، وعلى أي حال لدينا الاستعداد للتعاون مع الشقيقة الكويت لمناقشة وبحث كل شيء خلال الزيارات المرتقبة بيننا.