الأوروبيون يسعون لملء الفراغ الدبلوماسي والسياسي في الأزمة السورية بسبب الغياب الأميركي

باريس تراهن على حكومة انتقالية «تمثل الشعب السوري» وتدفع الأوروبيين باتجاه دعم المناطق المحررة

الطفل السوري علي فريد (8 سنوات) ينام على الأرض في انتظار أن يصل الطبيب ليكشف عليه بعد إصابته بتسمم غذائي أمس في منطقة باب السلامة الحدودية (أ.ب)
TT

تسعى باريس لـ«التسريع في تحقيق عملية الانتقال السياسي» في سوريا، أي في رحيل الرئيس الأسد وانتهاء نظامه. هذا ما أكده مجددا الرئيس فرنسوا هولاند عقب لقائه رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون يوم الخميس الماضي. لكن السؤال الذي لم يلق حتى الآن جوابا واضحا هو: كيف؟

الرئيس هولاند أوضح جزئيا طبيعة «خطة» بلاده، إذ قال إن «واجبنا» هو مساعدة المعارضة السورية «بكل الوسائل»، مشيرا على وجه الخصوص إلى «المساعدات الإنسانية» وإلى دفع المعارضة من أجل توحيد موقفها وتشكيل حكومة انتقالية أبدت باريس الاستعداد للاعتراف بها منذ قيامها «ممثلة للشعب السوري». غير أن الغموض ما زال يلف تعبير «كل الوسائل» لأنه يمكن أن يشير ضمنا إلى الوسائل العسكرية، علما بأن باريس تقول علنا إنها تمد المعارضة بوسائل الاتصال المشفرة للإفلات من رقابة النظام وبالمناظير التي تتيح الرؤية الليلية، ما يعني أن هذه المعدات يذهب إلى المعارضة المسلحة.

وتبدو فرنسا حائرة بين رغبتها في مساعدة المعارضة السورية «بكل الوسائل» والتسريع في إسقاط الأسد وبين حرصها على أن تحترم قرار الاتحاد الأوروبي منع وصول أي أسلحة إلى سوريا ما يشمل الحكومة والمعارضة على السواء. فضلا عن ذلك، ترى باريس أن إيصال السلاح سيؤجج الحرب الأهلية. وأمس، أعلن الناطق الجديد باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو، أن هناك «ما يمكن لباريس أن تقوم به وهناك ما لا يمكنها القيام به». وفي الفئة الأولى، ذكر تقديم المساعدات لما تسميه باريس «المناطق المحررة» وهي الآن محصورة في مناطق ثلاث: دير الزور وحلب وإدلب. والمساعدات التي أخذت تتدفق عليها مالية وعينية للاستجابة للحاجات الأساسية والخدمات. وترصد باريس لهذه المساعدات أغراضا إنسانية واضحة وأخرى «سياسية»، إذ تندرج في إطار التحضير لمرحلة ما بعد الأسد وتحاشي الفوضى وإبقاء الناس في قراهم وتقوية اللجان المحلية والأخرى الثورية التي تشكلت لإدارتها.

ويسعى وزير الخارجية لوران فابيوس، في الاجتماع غير الرسمي لنظرائه الأوروبيين في منتجع بافوس القبرصي أن يدفع الاتحاد الأوروبي لتبني المقاربة الفرنسية. كذلك يريد فابيوس أن يتعبأ الأوروبيون بشكل أفضل للاهتمام بالملف السوري. وبحسب مصادر واسعة الاطلاع في باريس، فإن التركيز على الدور الأوروبي في هذه المرحلة مرده إلى انشغال الأميركيين بانتخاباتهم الرئاسية وبالتالي فإن باريس «لا تنتظر» أي مبادرة أميركية في الملف السوري في الوقت الحاضر وبانتظار قلب صفحة الانتخابات. ولذا، يريد فابيوس، وفق ما جاء في رسالة فرنسية - إيطالية مشتركة إلى المجتمعين أن يلتقي الوزراء الأوروبيون في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة لمتابعة الوضع السوري. وذهبت فابيوس ونظيره الإيطالي جيوليو ترزي إلى التحذير من أن عجز الأسرة الدولية عن إيجاد حل للأزمة السورية سينسف استقرار الشرق الأوسط وسيهدد جديا أمن أوروبا بالإشارة إلى الإرهاب وانتشار الأسلحة على مستوى واسع وتدفق الهجرة غير الشرعية «على أوروبا» وأمن الطاقة.

ولأن طريق مجلس الأمن مقفلة بوجه أي قرار دولي يفضي إلى إيجاد مناطق آمنة أو مناطق حظر جوي أو حتى ممرات إنسانية وبسبب الغياب الأميركي وحرص الحلف الأطلسي على البقاء بعيدا عن سوريا، فإن باريس تسعى لتشكيل «قوة دفع غربية» ثلاثية الأضلع وتتكون من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ويمكن أن تتعاون مع تركيا وعدد من الدول العربية الفاعلة كالسعودية ومصر وقطر. ووفق هذا المنظور، فإن قيام حكومة انتقالية للمعارضة تحظى باعتراف دولي بصفتها «ممثلة للشعب السوري» كما قال هولاند في لندن أول من أمس من شأنه إحداث تحول في ملف الأزمة لصالح المعارضة وللتعجيل في رحيل النظام. ووفق مصادر فرنسية، فإن خطوة كهذه ستسهل الحوار بين الأسرة الدولية والمعارضة لأن الحكومة ستتحول إلى القناة الرسمية للتواصل مع الخارج في كافة الشؤون بما فيها الشؤون العسكرية وطلب المساعدات والتسلح. وتذهب هذه المصادر إلى القول، إن حكومة «شرعية وانتقالية» يمكنها طلب التدخل الخارجي لحماية المدنيين ويمكنها التوجه بذلك إلى الأمم المتحدة.

بيد أن الكثير من العقبات تحول حتى الآن دون تحقيق هذا الهدف. ولذا تسعى باريس، وفق ما تقول مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع، إلى لعب دور «ساعي البريد» وتسهيل التواصل بين كافة أجنحة المعارضة ودفعها إلى تسطيح خلافاتها.

يبقى الجانب العسكري أي البحث في وسائل تمكين المعارضة السورية من حماية «المناطق المحررة» وحماية المدنيين من طوافات النظام وطائراته الحربية ومدفعيته الثقيلة ودباباته روسية الصنع. وأزمة المعارضة أنه رغم قدرتها على السيطرة على بعض المناطق والمدن، إلا أنها عاجزة عن الاحتفاظ بها بسبب تفوق تسلح النظام النوعي، الأمر الذي يحول الحرب الدائرة إلى كر وفر ويزيد من سقوط أعداد الضحايا. لذا فإن الموقف المبدئي الرافض الذي تلتزم به باريس علنا في موضوع التسلح لا يمنعها من مناقشته مع أطراف المعارضة، فضلا عن أنها «لا تغلق الباب» أمامه بشكل نهائي. وواضح مما تقوله المصادر الفرنسية أن المخاوف الغربية من سقوط أسلحة متطرفة بأيد متطرفين يشكل العائق الأساسي الذي حال دون تدفق السلاح المتطور إلى صفوف المعارضة. لذا، فإن البحث يدور حول السبل التي تمكن من تحقيق الهدفين معا: مساعدة المعارضة على الدفاع عن نفسها من جهة ما سيسرع في تحويل ميزان القوى ميدانيا ومن جهة أخرى، الحصول على حد أدنى من الضمانات لجهة الأطراف التي ستحصل على السلاح المتطور ووجوه استعماله.