غضب في الإسكندرية بعد هجمة أمنية لهدم أكشاك أقدم سوق لبيع كتب التراث

«الثقافة» تعد بالتحقيق وقيادي إخواني منشق قال إن التاريخ سيذكر أن المصاحف دهست في عهد مرسي

كتب مبعثرة على الأرض في سوق لبيع كتب التراث بشارع النبي دانيال بوسط الإسكندرية بعد أن أقدمت قوات الأمن على هدم الأكشاك فيه («الشرق الأوسط»)
TT

اجتاحت موجة من الغضب العارم مثقفي مصر، بعد أن قامت قوات الأمن في محافظة الإسكندرية بهدم أكشاك أقدم سوق لبيع كتب التراث بشارع «النبي دانيال» بوسط المدينة، الأمر الذي دعا وزير الثقافة الدكتور صابر عرب إلى وصف ما جرى بـ«الكارثة»، فيما قال كتاب ونشطاء إن مشاهد الجرافات التي استباحت الرمز الثقافي السكندري كانت أشبه بهجوم التتار، وعلق قيادي إخواني منشق قائلا إن «التاريخ سوف يذكر للرئيس محمد مرسي أن المصاحف قد دهست في عهده».

واشتهر شارع النبي دانيال في الإسكندرية بمنافسته لسور الأزبكية أقدم أسواق بيع الكتب المستعملة في القاهرة، حيث يقبل عليه المثقفون والسياح لشراء الكتب القديمة وأحيانا النادرة.

الأهمية الثقافية لشارع النبي دانيال دفعت محافظ الإسكندرية الأسبق (حقبة نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالثة) عبد السلام المحجوب لتقنين أوضاع بائعي الكتب هناك ومنحهم تراخيص، وخصص لهم أكشاكا على طراز بنائي موحد من الأخشاب الملونة بألوان خضراء وزرقاء وبيضاء.

وعن تفاصيل ما حدث، قال حازم أبو المجد، أحد أصحاب الأكشاك التي تم هدمها لـ«الشرق الأوسط»: «فوجئت باتصالات من أهالي المنطقة صباحا تخبرني بإزالة الكشك الخاص بي أثناء غلقه حيث تم هدمه على ما فيه من كتب.. فأسرعت إلى المنطقة لأجد مجموعات كتب الجبرتي ونجيب محفوظ وغيرها من الكتب النادرة تسحقها الجرافات».

وبينما لوح أبو المجد بالترخيص الرسمي الصادر من محافظة الإسكندرية والذي يفيد بأنه مسموح له بيع الكتب في الكشك الكائن بشارع النبي دانيال، كان يحدق ذاهلا، فيما كانت أوراق الكتب العتيقة تطيرها رياح تأتي من جهة البحر.

الشيخ حسن حافظ وهو أيضا صاحب أحد الأكشاك جلس على رصيف الشارع لا يقوى على الكلام، وإلى جواره شقيقه الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلا «الشيخ حافظ واحد من أكبر مؤيدي حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان) بالإسكندرية، ونحو ثمانين في المائة من الكتب التي يبيعها هي كتب إسلامية ودينية.. رأينا العساكر يمرون بأحذيتهم فوق الكتب.. كيف يحدث هذا والإخوان المسلمون في الحكم».

اختلطت الفوضى التي عمت شارع النبي دانيال بصرخات محمد عبد الصمد الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» باكيا وهو يجمع ما مزق من كتبه قائلا: «هذا شقاء سنوات طويلة جمعت خلالها كتبا نادرة لعلماء ومفكرين وفلاسفة»، وأخذ يصرخ وهو يمسك بما بقي من مقدمة ابن خلدون قائلا: «ده (هذا) ابن خلدون ده ابن خلدون».

وظل معرض القاهرة الدولي للكتاب يخصص في دوراته مكانا كل عام تحت اسم معرض سوق كتب النبي دانيال كما يخصص مكانا لسور الأزبكية.

وأثار هدم أشكاك الكتب في الإسكندرية غضبا في أوساط المثقفين، وقال الدكتور محمد صابر عرب، وزير الثقافة في تصريحات صحافية له أمس إنه سوف يتخذ كل الإجراءات القانونية ضد الجهات التي قامت بهدم أكشاك بيع الكتب في شارع النبي دانيال واصفا ما جرى بـ«الكارثة» مضيفا: «من المؤكد أننا ضد العشوائيات وضد نزع الأرصفة، ولكن هذه المنطقة معروفة قديما ببيع الكتب ويعرفها المثقفون السكندريون، كان يجب على الأجهزة المحلية دراسة الموضوع بشكل جيد، خاصة أنه يتعلق بالثقافة».

من جانبه، قال الكاتب الروائي السكندري إبراهيم عبد المجيد إن ما جرى عمل لا يستهدف إلا المثقفين، وتابع عبد المجيد مخاطبا الرئيس: «دكتور مرسي جاءك الرد من محافظ الإسكندرية بعد حديثك معنا عن ضرورة الثقافة والفن. لقد فهم المحافظ عدم تعليقك على كلامنا أن اللقاء أي كلام (لا معنى له)».

وسخر الكاتب عبد المجيد من توقيت حملة شرطة المرافق التي جاءت بعد لقاء الرئيس محمد مرسي بالمثقفين وقال «الرئيس اجتمع بنا أمس ومحافظ الإسكندرية أزال الكتب من شارع النبي دانيال بالليل».

وكان مرسي قد التقى أول من أمس عددا من المثقفين والفنانين، كما التقى أيضا المحافظين الجدد، ومن بينهم محافظ الإسكندرية الجديد المستشار محمد عطا عباس، الذي درس الشريعة والقانون في جامعة الأزهر.

واستنكر كتاب ونشطاء ما وصفوه بالهجمة التترية على أكشاك الكتب، ودعا الكاتب بلال فضل المجتمع السكندري إلى إعادة الأكشاك وحماية بائعيها، قائلا «أدعو المجتمع السكندري لإعادة أكشاك النبي دانيال وحماية بائعيه، وعدم التفريط في تراث الإسكندرية من أجل محافظ مصاب بخلل الأولويات».

ووصف الناشط السياسي هيثم أبو خليل، وهو قيادي منشق عن جماعة الإخوان المسلمين ما قامت به قوات الأمن المختصة بإزالة الإشغالات بـ«الحول الإداري»، قائلا إن «مخالفات البناء والإشغالات في كل مكان بالمدينة فلماذا اتجهت معاول الهدم إلى شارع النبي دانيال، لماذا قررت هدم تاريخ المدينة وتراثها الحضاري».

وتابع أبو خليل: «سيذكر التاريخ أنه في عهد أول رئيس إسلامي لمصر تم دهس المصاحف والكتب الدينية والإسلامية بالأقدام»، مبديا أسفه الشديد على ما حدث.