رحيل شمس الدين المفتي.. مؤسس أول مفرزة مسلحة في الثورة الكردية

أسهم بتأسيس حزب بارزاني في العراق

TT

غيب الموت أول من أمس في العاصمة الهولندية أحد أبرز قادة ثورة سبتمبر (أيلول) في كردستان ومؤسس أول مفرزة مسلحة لها، ورئيس أول اتحاد لطلبة كردستان، وهو شمس الدين المفتي، رفيق كل من الزعيمين الكرديين الملا مصطفى البارزاني والرئيس جلال طالباني، الذي أكد في برقية مواساة بعثها إلى عائلته أنه «خسر رفيقا عزيزا في مسيرة النضال التحرري الكردي».

وتوفي المفتي في أحد مستشفيات هولندا بعد مرض مفاجئ ألم به قبل شهر نقل على أثرها إلى العاصمة البريطانية لتلقي العلاج ثم عاد إلى مستشفيات هولندا لاستكمال علاجه، لكن المرض تمكن منه في وقت متأخر من ليل أول من أمس، الخميس، وينتظر نقل جثمانه إلى أربيل اليوم.

والسيرة الذاتية لهذه الشخصية الكردية المعروفة على مستوى إقليم كردستان والمنطقة، زاخرة بكثير من المواقف النضالية؛ إذ كان أول من شكل مفرزة مسلحة من البيشمركة الكردية حتى قبل إعلان ثورة 11 سبتمبر التي قادها الزعيم الكردي الكبير الملا مصطفى البارزاني عام 1961، فبعد أن كان يقود التنظيمات السرية للحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1960 انكشف أمره وأصدرت الحكومة العراقية آنذاك مذكرة باعتقاله، لكن الحزب أبلغه بصدور تلك المذكرة بحقه فلاذ بجبل سفين بقضاء شقلاوة، (50 كيلومترا شمال أربيل)، وجمع حوله عددا صغيرا من الملاحقين مثله من قبل الحكومة العراقية في تلك الفترة، وأسس قبل 5 أشهر من إعلان الثورة الكردية أول مفرزة مسلحة أصبحت نواة لأولى تشكيلات البيشمركة التي خاضت عملا مسلحا دام لأكثر من 14 سنة ضد 4 حكومات عراقية متعاقبة.

والمفتي هو ابن الشخصية الكردية محمد المفتي والد القاضي رشاد المفتي، وهو عم رئيس البرلمان الكردستاني الأسبق عدنان المفتي، وينتمي إلى عائلة المفتي التي تتصل بنسبها مع الملا أفندي، أحد أكبر الأعيان الأكراد في المنطقة، الذي كانت له صلات وعلاقات قوية بمعظم قادة وحكام المنطقة في تركيا والعراق والأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية. حيث تتحدث مصادر العائلة عن وجود علاقة قوية للعائلة مع الشريف حسين بن علي، شريف مكة في أوائل القرن الماضي. ولد شمس الدين المفتي عام 1933 في قلعة أربيل التي كانت خاضعة لنفوذ عائلة المفتي، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية في أربيل، قبل أن يلتحق بكلية الحقوق ببغداد ويتخرج فيها محاميا.

وكان المفتي معروفا بتواضعه الجم وبدفاعه المستميت عن طبقة الفلاحين، حتى أنه كان يتولى قضاياهم لدى المحاكم دون مقابل، وتمتلئ مجالسه بهم، على عكس أعيان المدينة الآخرين من الأغوات والباشوات الذين عاصرهم.

أما مسيرته الثورية فتعود إلى مرحلة دراسته الثانوية التي تعرف خلالها بالرئيس طالباني الذي كان يلجأ إلى منزله في بغداد للاختفاء حين يلاحق من قبل السلطات الحكومية، كما كان يفعل الزعيم الكردي الإيراني الراحل عبد الرحمن قاسملو. أسس المفتي عام 1954 اتحاد طلبة كردستان وتولى رئاسته إلى جانب طالباني الذي كان سكرتيرا للاتحاد. وبعد عودة الزعيم الراحل الملا مصطفى من منفاه في الاتحاد السوفياتي عقب ثورة 14 يوليو (تموز) عام 1958 اختاره بارزاني ليكون ممثله الشخصي في توطين البارزانيين العائدين في محافظة أربيل، وكان من بين الـ10 الأوائل الذين قدموا طلبا رسميا إلى الحكومة العراقية وقتذاك لتأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني. وقبل 5 أشهر من إعلان ثورة الكردية، أصدرت الحكومة العراقية مذكرة باعتقاله بعد انكشاف قيادته للتنظيم السري للحزب، لكنه امتنع عن تسليم نفسه ولجأ إلى جبل سفين وشكل هناك أول مفرزة من البيشمركة ليدافع عن موقعه بالجبل، وأصبحت تلك المفرزة النواة الأولى لتشكيلات البيشمركة التي تحولت عام 1974 إلى قوات شبه نظامية في جيش قوامه أكثر من 300 ألف من البيشمركة مرابطين في جبهات قتال تمتد من زاخو إلى خانقين على طول خريطة إقليم كردستان.