تنامي المخاوف بشأن الأسلحة الكيماوية السورية ومواد تم تصنيعها في أكثر من 20 موقعا

أجهزة الاستخبارات الغربية تشتبه في امتلاك الحكومة السورية لمئات الأطنان منها

TT

صرح مسؤولون أميركيون وشرق أوسطيون بأن وكالات وأجهزة الاستخبارات الغربية تشتبه في امتلاك الحكومة السورية لمئات الأطنان من الأسلحة الكيماوية ومواد تم تصنيعها في أكثر من 20 موقعا في مختلف أنحاء البلاد، وهو ما يثير المخاوف من الفشل في حماية هذه الترسانة الكيماوية في حال سقوط النظام السوري.

ويتولى مسؤولون حاليا مهمة مراقبة مواقع تخزين الأسلحة، لكنهم أعربوا عن قلقهم البالغ إزاء عجزهم عن تحديد كل المواقع، إضافة إلى أن بعض الأسلحة الفتاكة قد تتعرض للسرقة أو يتم استخدامها من قبل القوات الموالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد المدنيين.

وقال مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية اطلع على الاستعدادات الأميركية للتعامل مع الصراع في ليبيا وسوريا «نعتقد أننا نعرف كل شيء، لكن كان لدينا الإحساس نفسه إزاء ليبيا. وعلى الرغم من أننا كنا موجودين على الأرض في ليبيا، فإننا واجهنا العديد من المفاجآت التي لم نكن نتوقعها، سواء من حيث كمية الأسلحة أو مواقع تخزينها». وقد طلب هذا المسؤول، كغيره من العديد من المسؤولين، عدم الكشف عن هويته بسبب كشفه عن معلومات سرية.

وأضاف المسؤولون الغربيون والشرق أوسطيون أن خروج العديد من الأحياء السورية عن سيطرة نظام الأسد جعل لزاما على الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط أن يقوموا بفرض مراقبة مكثفة ومشددة على مستودعات الأسلحة داخل سوريا، كما عجل بوتيرة الاستعدادات لحماية المواقع بقوات أجنبية.

وأضاف المسؤولون أنهم يعتقدون، في ضوء التقديرات الاستخباراتية الأخيرة، أن الترسانة السورية تحتوي على عدة مئات من الأطنان من الأسلحة الكيماوية ومواد تصنيعها، بما في ذلك كميات كبيرة من غاز الأعصاب القاتل والمعروف باسم «السارين».

ووفقا لمسؤولين اثنين اطلعا على التقارير الاستخباراتية، فإن مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية يبدو أكبر وأكثر انتشارا مما كان يعتقد، مشيرين إلى أن أخطر مخزونات الأسلحة الكيماوية موجودة في مخابئ تقع في ستة مواقع مختلفة في سوريا، في حين يتم استخدام 14 مستودعا في تخزين وصناعة عناصر ومكونات تلك الأسلحة.

وقال مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون إن المخاطر المحتملة لهذه الأسلحة جعلت وكالات الاستخبارات الأميركية تكرس موارد هائلة لرصد المنشآت من خلال صور بالأقمار الصناعية ووضع خطط لحماية هذه الأسلحة في حالة تفاقم الأزمة. وقال أحد المسؤولين الأميركيين «من الواضح أن ضمان أمن تلك الأسلحة يمثل أهمية قصوى، وتكمن المسؤولية الآن في التخطيط للسيناريوهات المختلفة والتشاور مع الحلفاء بشكل مناسب والإعداد لمواجهة أي تحد جديد».

واعترف العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين بصعوبة تأمين مستودعات الأسلحة الكيماوية داخل سوريا، نظرا للقتال الدائر هناك واحتمال المقاومة الشرسة من القوات السورية ضد أي تدخل أجنبي. وعلاوة على ذلك، اعترف بعض المسؤولين باحتمال وجود منشآت لم يتم اكتشافها داخل سوريا، التي تصل مساحتها لنفس مساحة ولاية واشنطن تقريبا. وقال المسؤول السابق في الاستخبارات الأميركية إن كوريا الشمالية وروسيا قد ساعدتا سوريا على مدى عقود لإنشاء مستودعات أسلحة محصنة بشكل جيد ومحمية من أقمار التجسس، وأضاف «إنهم بارعون في الإخفاء».

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي قد أعلن في شهر أغسطس (آب) الماضي أن الحكومة السورية لن تلجأ أبدا لاستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، لكنه شدد على احتمال استخدامها ضد من سماهم بالغزاة الأجانب، وأشار إلى أن الجيش يقوم بحماية المستودعات.

وردا على ذلك، حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما الحكومة السورية من أن أي استخدام للأسلحة الكيماوية سيكون بمثابة تخطٍ لـ«الخط الأحمر» وسيتطلب ردا فوريا من الغرب.

ويعتقد أن سوريا تمتلك ثالث أكبر مخزون من الأسلحة الكيماوية في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا، اللتين يتم تفكيك وتدمير ترسانتهما التي تعود لأيام الحرب الباردة. وقد تم تطوير الأسلحة السورية، التي تغلب عليها غازات الأعصاب القاتلة التي يمكن أن تصل لأهدافها عن طريق صواريخ المدفعية وقذائف الطائرات والذخائر، لاستخدامها في الحرب ضد إسرائيل.

ويعود الدافع الرئيسي من وراء زيادة التركيز على مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية إلى تراجع القوات الحكومية عن أجزاء كبيرة من الريف السوري، حيث تركز القوات الموالية للرئيس بشار الأسد على طرد الثوار من دمشق وحلب والمدن الرئيسية الأخرى. وعلى الرغم من النكسات التي يتعرض لها الجيش السوري الحر، فإنه يصر على أنه ما زال يسيطر على نحو نصف المناطق الريفية، وهي الادعاءات التي تزيد من مخاوف احتمال وصوله إلى مخازن الأسلحة.

ويخشى المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون من تعرض مواقع الأسلحة الكيماوية لعمليات السلب والنهب، مما قد يؤدي إلى وصول تلك الأسلحة للجماعات الإسلامية المتشددة أو مقاتلي حزب الله المدعومين من إيران. ويقول الخبراء إن صندوقا واحدا من أسلحة المدفعية أو براميل قليلة من مكونات الأسلحة الكيماوية ستحتوي على السموم القاتلة التي تكفي لتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية.

ولعل الشيء الذي يقلل من مخاطر هذه الأسلحة هو أن معظم المخزون السوري من الأسلحة الكيماوية يتكون من أجزاء يجب تجميعها أولا بطريقة معينة قبل أن يتم تحميلها في قذائف أو قنابل، وهو ما يعني أن الهواة الذي سيقومون بمحاولة تجميع هذه المواد للحصول على غاز «السارين» القاتل سيكونون معرضين لقتل أنفسهم، بدلا من الأهداف التي يريدون تدميرها.

ويقول المسؤولون الأميركيون والشرق أوسطيون إن خطر القيام بعمليات إرهابية قد دفع الولايات المتحدة وحلفاءها الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل والأردن وتركيا، إلى الإسراع في وضع خطط واسعة النطاق للتعامل مع أي أحداث طارئة.

ويتمثل السيناريو الأكثر تفاؤلا في إرسال خبراء إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار بهدف تأمين وإزالة الأسلحة الكيماوية، كما حدث في ليبيا عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي. لكن في حالة سقوط مستودعات الأسلحة الكيماوية في أيدي الثوار - أو إذا ما حاولت القوات الموالية للأسد استخدامها ضد الشعب السوري - فهناك خطط لإرسال نخبة من القوات العسكرية الأجنبية لتأمين الأسلحة بالقوة، إذا لزم الأمر.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»