طموحات بوتين تتحول صوب منطقة الشرق الأقصى

العلاقات الروسية ـ الصينية تمر بمرحلة تحسن غير مسبوق

TT

يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استغلال انعقاد قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبيك) في مدينة فلاديفوستوك الروسية في عطلة نهاية الأسبوع الحالي لتحويل تركيز روسيا بصورة كبيرة إلى منطقة الشرق الأقصى، على أمل تعزيز علاقاته مع الدول المطلة على المحيط الهادي، والسعي إلى تحقيق التنمية الطموحة في روسيا نفسها، بداية من هذه المدينة التي كانت في الماضي قلعة بحرية سرية ثم تحولت إلى أحد مراكز الشحن البحري على بحر اليابان.

ربما يكون اختيار بوتين لهذا التوقيت أمرا شديد الروعة، فمع الأوضاع المتقلبة التي تشهدها أكبر اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي - والتي تمثل مجتمعة أكبر شريك تجاري لروسيا - وحاجة اليابان لشراء إمدادات هائلة جديدة من الطاقة من الخارج، تعتبر روسيا، الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، في وضع جيد للغاية يؤهلها للاستفادة من الفرص المتاحة في آسيا كأسلوب تحوطي في حالة حدوث أي انكماش لتجارتها مع الغرب.

تحمل نظرة بوتين باتجاه الشرق بعض الأبعاد السياسية أيضا، حيث يهدف إلى تعزيز العلاقات الروسية بهذه البلدان، لا سيما الصين. فعلى سيبل المثال، استغلت روسيا والصين تحالفهما وقامتا باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للاعتراض على التدخل العسكري في سوريا، والذي كانت تسعى إليه القوى الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.

وفي مقابلة تلفزيونية أجرتها معه قناة «روسيا اليوم» المملوكة للدولة، يوم الخميس الماضي، تزامنا مع وصوله إلى مدينة فلاديفوستوك لحضور قمة «أيبك»، قال الرئيس بوتين «تمر العلاقات الروسية - الصينية بمرحلة تحسن غير مسبوق في الوقت الراهن، ولدينا الكثير من الثقة المتبادلة سواء في الشؤون السياسية أو الاقتصادية».

تعد هذه هي المرة الأولى التي تعقد فيها قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي في روسيا، لذا قامت الحكومة الروسية بإنفاق ما يزيد على 20 مليار دولار لتحديث البنية التحتية المتهالكة للغاية في المدينة، بما في ذلك إقامة مطار جديد وإعادة بناء مئات الأميال من الطرق، فضلا عن مد ثلاثة جسور جديدة.

أصبح ما كان يعرف سابقا بـ«جسر روسكي» أطول جسر معلق في العالم، حيث يمتد الجسر الآن بطول ميلين عبر شرق البوسفور إلى جزيرة روسكي قليلة السكان التي تستضيف المؤتمر.

وعلى الرغم من طموحات بوتين، فإنه من الممكن للغاية أن تظل أهدافه السياسية والاقتصادية مجرد أمنيات، وذلك على خلفية التاريخ الطويل من الريبة وعدم الارتياح بين روسيا وجيرانها الآسيويين. فعلى الصعيد المحلي، يقول المنتقدون إن الإنفاق الكبير على البنية التحتية، لا سيما هذا الجسر الضخم الذي وصلة كلفته وحده لأكثر من مليار دولار، هو أحدث الأمثلة على إهدار الأموال العامة في دولة يستشري فيها الفساد وسوء الإدارة، حيث عادة ما تصل تكلفة المشروعات في روسيا إلى ضعف التكلفة في أي مكان آخر.

ومن خلال وجهة النظر تلك، يعد الفساد إشارة إلى وجود حالة أوسع نطاقا من انعدام سيادة القانون تجعل من الاستثمار في روسيا مغامرة محفوفة بالمخاطر. وعلى الرغم من هذه المخاوف العميقة، فإن هناك بعض الإشارات التي تدل على أن الوقت سيكون في جانب الكريملين، إلا إذا حدث أمر ما من قبيل المصادفة.

وسوف تكون الصفقة الضخمة لبيع الغاز الطبيعي الروسي المسال إلى اليابان، والتي تتضمن إنشاء محطة شحن بقيمة 13 مليار دولار في مدينة فلاديفوستوك، جزءا من المناقشات التي سيجريها بوتين مع رئيس الوزراء الياباني يوشيهيكو نودا خلال عطلة نهاية الأسبوع الحالي.

تقوم روسيا بالفعل ببيع الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان من خلال أحد الموانئ الواقعة على جزيرة سخالين، وهي العملية التي تديرها شركة «غازبروم» الروسية وشركة «شل» واثنتان من الشركات الاستثمارية اليابانية، «ميتسوي» و«ميتسوبيشي». وعلى الرغم من وجود محادثات منذ فترة طويلة حول صفقة غاز كبرى بين البلدين، فإن الإغلاق المزمع لصناعة الطاقة النووية في اليابان لم يترك للبلاد خيارا آخر سوى زيادة وارداتها من الطاقة.

سوف يتم إجراء هذه المحادثات في الوقت الذي أعلنت فيه الهيئات التنظيمية الأوروبية عن مساعيها لإجراء تحقيق بشأن الممارسات الاحتكارية التي تمارسها بشركة «غازبروم»، وهي الشركة الحكومية التي تحتكر صناعة الغاز الطبيعي في روسيا والتي توفر للقارة الأوروبية نحو ربع احتياجاتها من الغاز الطبيعي، حيث يشتبه في قيام الشركة بتثبيت الأسعار.

وبالنظر إلى تزايد الطلب العالمي على الطاقة، قام الكريملين ببعض المناورات الاستراتيجية حتى يتمكن من إعادة توجيه صادراته من الغاز الطبيعي إلى آسيا في حال واجهت البلاد أي صعوبات في أوروبا. وواجهت روسيا أيضا بعض الانتقادات حول استخدام دورها المهيمن في قطاع الطاقة لتحقيق أهداف سياسية، كما فعلت عندما قامت بخفض إمدادات الغاز إلى أوروبا لمعاقبة أوكرانيا في الفترة بين 2006 و2009، ناهيك عن إيقاف الإمدادات للعديد من البلدان الواقعة في جنوب شرقي أوروبا.

وتقترب روسيا أيضا من استكمال المرحلة الثانية من خط أنابيب النفط الذي سيمتد عبر أراضي سيبيريا، والذي وصل بالفعل إلى الحدود الصينية وسوف يمتد قريبا إلى ميناء كوزمينو بالقرب من اليابان، مما سيزيد من قدرتها على زيادة سرعة شحناتها من النفط إلى عملائها الآسيويين.

وفي لقائه التلفزيوني مع قناة «روسيا اليوم»، توقع بوتين حدوث نمو ضخم، حيث قال «يقع ثلثا الأراضي الروسية في قارة آسيا، وعلى الرغم من ذلك فإن الغالبية العظمى من تجارتنا الخارجية - أكثر من 50 في المائة - مع القارة الأوروبية، بينما تمثل آسيا نحو 24 في المائة فقط».

وعلى الرغم من كونه أكبر القطاعات في روسيا، فإن قطاع الطاقة لا يعد هو مجال التعاون الوحيد مع آسيا. فباعتبارها مضيفة القمة، قامت روسيا بوضع جدول الأعمال الخاص بها، حيث اختار بوتين قضية الأمن الغذائي لتكون الموضوع الرئيسي للقمة - وهو ما يعد بمثابة الاعتراف بدور روسيا الكبير والمتنامي في توفير الطعام للعالم النامي من خلال صادراتها من الحبوب، فضلا عن المخاوف الأوسع بشأن ارتفاع الأسعار والاضطرابات الاجتماعية.

وتمثل الصادرات الغذائية أحد المكاسب المحتملة من القمة، جنبا إلى جنب مع توثيق العلاقات الروسية بالدول الآسيوية. ويقول تشارلز روبرتسون، وهو كبير الخبراء الاقتصاديين لدى مصرف «رينيسانس كابيتال»، وهو مصرف استثماري تتركز أعماله في روسيا «يعد قطاع الزراعة في روسيا الفرصة الحقيقية للبلاد».

ونظرا لانشغاله بحملة إعادة انتخابه والمؤتمر الوطني العام للحزب الديمقراطي، لن يحضر الرئيس الأميركي باراك أوباما قمة «أبيك» هذا العام، لذا، فهناك محدودية كبيرة في الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة الأميركية لتحقيقها من وراء هذا المؤتمر، والتي تتركز بصورة كبيرة على إحراز تقدم في الجهود التي بدأت في اجتماع العام الماضي في هاواي. وحضر المؤتمر ممثلون عن 21 دولة مطلة على المحيط الهادي.

وفي فلاديفوستوك، وهي المدينة التي يقطنها الآن أقل من 600 ألف شخص والتي ظل عدد سكانها في تناقص مستمر حتى الآونة الأخيرة، لا ينبهر المسؤولون المحليون كثيرا باهتمام موسكو بمدينتهم، بما في ذلك إنشاء هيئة فيدرالية جديدة تركز على منطقة الشرق الأقصى، فضلا عن الحزمة الضخمة من الإنفاق الفيدرالي.

وتمت إقامة محطة جديدة لمعالجة الصرف الصحي وحرم جديد لـ«جامعة الشرق الأقصى الفيدرالية» على جزيرة روسكي التي تستضيف المؤتمر الاقتصادي. وهناك أيضا الكثير من الطرق والجسور الجديدة التي تم الانتهاء منها حديثا جدا في الجزيرة لدرجة أنها لم يتم وضعها على الخرائط بعد. وعن التحسينات الجديدة، يقول رومان كارمانوف، نائب العمدة الذي ساعد في هذه التحضيرات «هذا يعني حياة جديدة تماما للمدينة». ولكن لم تجر كل الأمور بصورة سلسة.

* أسهم في كتابة هذا التقرير أندرو كرامر من موسكو

* خدمة «نيويورك تايمز»