كلينتون من روسيا: لا فائدة من قرار دولي حول سوريا بدون أسنان

تباين الأهداف والرؤى يزيد من فجوة التوصل إلى حل للأزمة

طفلة سورية تبتسم لأقربائها بينما تغادر مع والدتها معبر باب السلامة متجهة إلى الأراضي التركية أمس هربا من الأوضاع في حلب (أ.ب)
TT

أظهرت تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس «تشاؤما» ملحوظا حول إمكانية وضع حلول لإنهاء الأزمة السورية.. وخصوصا بعد الارتباك الكبير الذي تشهده الأجندة العالمية في هذا الصدد، حيث تشعر تركيا بأنها تخوض بمفردها حاليا معركتها «الإنسانية» الخاصة باللاجئين، بعد إشارات مسؤوليها إلى تخلي القوى الغربية عنها في قضيتها، وذلك على الرغم من المحاولات الفرنسية الساعية إلى دعم المعارضة السورية لتعجيل سقوط الأسد؛ فإن كل تلك الجهود تبقى قاصرة في ظل تشدد المحور الروسي - الصيني في اتخاذ خطوات حقيقية من شأنها إضعاف النظام الحاكم في سوريا.

وبالأمس أوضحت كلينتون، في نهاية قمة دول المحيط الهادي في فلاديفوستوك، استمرار الخلاف مع روسيا لحل مشكلة سوريا، بينما قالت مصادر أميركية، إن واشنطن لم تزد فقط تشاؤمها من الموقف الروسي، لكنها أيضا بدأت تخشى وجود اتفاق ضمني بين روسيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد لاستمرار ضرب كل المعارضين؛ حتى القضاء عليهم تماما ولو استغرق ذلك شهورا أو سنوات.

وقالت المصادر، إن عرض سيرغي لافروف، أول من أمس في ذات القمة، بالعودة إلى مجلس الأمن لمناقشة إعلان جنيف حول سوريا في يونيو (تموز) الماضي، ليس إلا خطة لكسب الوقت للسماح لنظام الأسد باستمرار الضرب القوي، خاصة الجوي، للقضاء على المعارضة نهائيا. وإن الروس سيتعمدون إثارة الجدل في مجلس الأمن حول بند «المرحلة الانتقالية»، وهم يعرفون أن الأميركيين يختلفون معهم في تفسيره.

ويأتي ذلك بينما تزيد مأساة اللاجئين السوريين في دول الجوار، إذ تشكو تركيا من تخلي الولايات المتحدة ودول أخرى عنها، في ظل عدم الاستجابة لمطالباتها بمكان دولي للاجئين. وبعد أن أشارت أنقرة إلى وجود توافق مع مسؤولين أميركيين الشهر الماضي حول ضرورة تفعيل «مناطق آمنة» داخل الحدود السورية لإيواء النازحين، والذين يضعون على عاتق الحكومة التركية حملا متزايدا لا تستطيع وحدها استيعابه بأثر من 100 ألف لاجئ، أظهرت كثير من الدول الغربية تراجعا عن فكرة «المناطق الآمنة» كونها تتطلب تفعيل غطاء جوي لحمايتها.. وهو ما يعني بصورة أو أخرى وجود تدخل عسكري في الأراضي السورية.

ويعاني الأردن من وضع مشابه في ظل استمرار تدفق اللاجئين إلى أراضيه، لكن أولويات الدول الغربية تبدو مختلفة في إطار الجهة الواجب سلوكها وكيفية حل الأزمة.

وأشارت المصادر الأميركية إلى تصريحات كلينتون بالأمس في مؤتمر صحافي بعد نهاية القمة، والتي قالت فيها إن الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا عميقة. وتحدثت كلينتون بعد أن رفض لافروف طلبها، أول من أمس، بأن تكون العودة إلى مجلس الأمن لإصدار قرار يعاقب الأسد إذا رفض تنفيذ قرارات المجلس. وقالت كلينتون إنها «واقعية» في نهجها، وإذا سيظل الروس يرفضون خطة الولايات المتحدة وأصدقائها، ستعمل الولايات المتحدة مع أصدقائها لتعزيز دعمها للمعارضة السورية.

وعلى الرغم أن مراقبين كانوا يتوقعون أن تكون الزيارة الثانية لوزيرة الخارجية الأميركية إلى روسيا - لبحث الأزمة السورية - أفضل حالا من سابقتها التي تمت في نهاية يونيو (حزيران) الماضي. فإن كلينتون أوضحت، أن «الولايات المتحدة لا تتفق مع النهج (الروسي) نحو سوريا. علينا جلب المزيد من الضغوط على نظام الأسد لوضع حد لإراقة الدماء، وللبدء في تحول سياسي وديمقراطي». وأضافت أنه، في مناقشاتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومع وزير الخارجية لافروف، أكدت أن القرار المقترح من مجلس الأمن «سوف يكون فعالا فقط إذا كان يتضمن عقوبات في حالة عدم الامتثال»، وقالت: «ليست هناك فائدة من إجازة قرار من دون أسنان.. لأننا رأينا، مرارا وتكرارا، أن الأسد سوف يتجاهله، وسوف يواصل مهاجمة شعبه».

وفي إجابة عن سؤال من صحافي خلال المؤتمر، اعترفت كلينتون بأن إقناع الروس سيكون صعبا، إذا لم يكن مستحيلا. وقالت: «يجب أن نكون واقعيين. لا نتفق مع روسيا حول سوريا». وتابعت: «يمكن أن تستمر الخلافات. وإذا استمرت، سنعمل مع الدول التي تشاطرنا الرأي لدعم المعارضة السورية، وللإسراع نحو اليوم الذي سيسقط فيه الأسد، وللمساعدة في إعداد سوريا لمستقبل ديمقراطي، ولمساعدتها في الوقوف على قدميها مرة أخرى».

وكان لافروف، أول من أمس، أدلى بتصريحات دبلوماسية، في صراحة، بأن روسيا تعارض العقوبات ضد نظام الأسد. وأيضا، العقوبات الأميركية الجديدة ضد إيران بسبب برنامجها النووي، لأن العقوبات تضر بالمصالح التجارية الروسية.

وقال لافروف: «يميل شركاؤنا الأميركيون نحو التهديد، وزيادة الضغط. ويعتمدون، أكثر من أي وقت مضى، على العقوبات، ضد سوريا وضد إيران». وتابع أن «روسيا أساسا ضد هذه السياسة.. لحل المشاكل، لا بد من التعاون مع الدول المعنية، وليس عزلها». وأضاف: «قلنا لهم في وضوح إن هذا غير مقبول، واستمعوا لنا. ماذا ستكون النتيجة، أنا لا أعرف».

وكانت كلينتون قالت، أول من أمس، إن مجلس الأمن يحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لإرسال «رسالة قوية» إلى الأسد، نظرا لتصاعد مستوى العنف في سوريا. وأشارت إلى مخاطر أن مجلس الأمن «سيتخلى عن مسؤولياته» إذا لم يلتزم بالعمل ضد الظلم الواقع على الشعب السوري من جانب حكومته. وكانت كلينتون قالت، في وقت سابق خلال زيارتها للصين، إن الوضع في سوريا «مروع»، وأن روسيا والصين يقفان على «الجانب الخطأ من التاريخ»، غير أن هذا الرأي رفضه وزير الخارجية الصيني، يانغ جيه تشي، في مؤتمر صحافي مع كلينتون. وقال يانغ: «سيثبت التاريخ أن موقف الصين صحيح».

وعلى جانب آخر، تشير تقارير حديثة إلى أن فرنسا بدأت تقديم مساعدة إنسانية إلى مناطق سوريا أضحت تحت سيطرة المعارضة المسلحة التي تزودها بتجهيزات لا تشمل السلاح، وتبقي باريس بذلك على حالة من الغموض بشأن التطورات القادمة، خصوصا بشأن انخراطها عسكريا في النزاع.

وسلكت فرنسا هذا الاتجاه بسبب عدم التوصل إلى حلحلة المأزق الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي، حيث تعارض روسيا والصين أي قرار ملزم للنظام السوري. وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند «في هذه اللحظة، يتعين التحرك».

وتم رفع المساعدة الإنسانية الفرنسية إلى ثمانية ملايين يورو وتم إحصاء خمس مناطق «محررة» في شمال سوريا وشرقها للإفادة منها أولا. ويعيش في هذه المناطق نحو 700 ألف نسمة من نحو 21 مليون سوري وهي لا تزال عرضة لمخاطر قصف الجيش السوري.

وحول ما إذا كان من الممكن أن تتحول هذه المساعدة الفرنسية إلى تزويد للمعارضة المسلحة بأسلحة دفاعية، قال دبلوماسي فرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن فرنسا «تعمل بجدية كبيرة» بهذا الشأن، مضيفا «هذه ليست من المواضيع التي نهملها، لكن الإجابة بالغة التعقيد.. ولاتخاذ قرار محتمل بهذا الخصوص الأمر يستدعي وقتا». ويؤكد الدبلوماسي، أن «المساعدة الفرنسية هي محض مدنية»؛ قبل أن يضيف «في هذه المرحلة».