تبدل في الموقف الرئاسي اللبناني من أزمة سوريا يخلق تململا لدى حزب الله

سليمان: لا يمكن بعد اليوم أن يكون لبنان ساحة لتصفية أي حسابات

لقطة من مقطع يوضح بحث أهالي البوكمال عن ناجين أسفل المباني المتهدمة بالمدينة أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

كرر الرئيس اللبناني ميشال سليمان موقفه أمس من ناحية أنه «لا يمكن بعد اليوم أن يكون لبنان ساحة لتصفية أي حسابات، فلبنان ليس ساحة، بل هو موطن حضارة، وديمقراطية يتمتع بنظام ديمقراطي حديث، سيحتاجه العالم بأكمله في السنوات المقبلة، نظرا للتعددية التي تحصل في كافة أرجائه».

وذكر خلال جولة له في بلدة عمشيت، مسقط رأسه، بالقرار الذي اتخذته طاولة الحوار تحت عنوان «إعلان بعبدا» من ناحية «تحييد لبنان عن الصراعات المحيطة به، مستثنيا الصراع الإسرائيلي»، ومؤكدا «إننا في صدد تطبيقه».

وتعكس مواقف الرئيس اللبناني في الفترة الأخيرة تبدلا في الموقف اللبناني الرسمي من أزمة سوريا، بدا واضحا تحديدا من خلال موقفه من قضيتين أساسيتين: تكرار الاعتداءات السورية على الحدود اللبنانية، وقضية تورط النائب والوزير اللبناني السابق ميشال سماحة بالتعاون مع رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك بإدخال متفجرات من سوريا إلى لبنان لإحداث تفجيرات أمنية.

وعلى الرغم من أن مواقف سليمان الذي لا يزال ينتظر توضيحات من الرئيس السوري بشار الأسد بشأن قضية سماحة، لم تصل إلى حد تبني مطالب قوى «14 آذار» التي أوردتها في مذكرتها الأخيرة لناحية طرد السفير السوري من لبنان وتعليق الاتفاقيات الثنائية ونشر قوات «اليونيفيل» على الحدود مع سوريا، وهي لا تزال تندرج ضمن إطار «النأي بالنفس»، فإنه من الواضح أنها بدأت تثير انزعاجا لدى فريق «8 آذار»، المتحالف مع سوريا وتحديدا حزب الله. وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني علي الأمين لـ«الشرق الأوسط» إن «التبدل وليس التحول في موقف الرئيس اللبناني فرضه الحدث (قضية سماحة)، علما بأنه لم يذهب إلى حد إعطاء القضية أكثر من بعدها الأمني والقضائي».

ويتوقف الأمين عند «تعمد» رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد، في معرض تعليقه على مذكرة «14 آذار»، استعمال تعبير «نلفت عناية رئيس الجمهورية»، معتبرا أنها «تعكس تململ حزب الله من مواقف سليمان، وبدا أن الرد موجه لسليمان الذي تسلم المذكرة أكثر مما هو موجه لقوى (14 آذار)». وكان رعد في مؤتمر صحافي عقده قبل 3 أيام خاطب سليمان قائلا «نلفت عناية رئيس الجمهورية إلى ضرورة التنبه إلى مخاطر أهداف ومضامين هذه المذكرة وتداعياتها وإلى التعاطي بمسؤولية وطنية كاملة إزاءها»، معتبرا أنه «يبدو أن الدور الوظيفي لهذه المذكرة في هذه اللحظة هو التحريض ضد سوريا من جهة وملاقاة الهجمة الدولية التي تستهدفها وتستهدف وحدتها وموقعها ودورها».

ويربط الأمين بين هذه المواقف وتزامنها مع لقاء «على الواقف» جمع سليمان ووزير الخارجية السوري وليد المعلم في قمة طهران، وهي تكاد تكون القمة الأولى التي لا يتخللها عقد لقاء ثنائي أو خلوة بين الوفدين اللبناني والسوري، مشيرا إلى ما تم تداوله نقلا عن الرئيس سليمان لناحية إبلاغه المعلم بأنه كالرئيس السوري لا يتدخل بالقضاء اللبناني، لدى سؤاله عن المذكرة بحق المملوك، وهو ما كان الأسد أبلغه في وقت سابق لسليمان عند استيضاحه بشأن صدور مذكرات توقيف سوريا بحق عدد من المسؤولين اللبنانيين.

وفي حين يعول مسؤولون لبنانيون على أن يظهر التحول الحقيقي في الموقف الرسمي اللبناني مع تراجع نفوذ النظام السوري أكثر فأكثر، يشدد الأمين على أن «التبدل الحاصل حتى اللحظة يؤشر لما سيكون عليه موقف لبنان من سوريا، بمعنى أن إيقاع موقف لبنان من سوريا مرتبط بإيقاع التحول في سوريا، وكلما شهدنا تراجعا للنظام السوري سنشهد مواقف لبنانية رسمية أكثر تمسكا بالسيادة وتحررا من القبضة السورية، المؤثرة بشكل خاص على رئاسة الجمهورية».

ولا يستبعد الأمين، أن «يجد رئيس الجمهورية في تظهير هذا الموقف فرصة لترك بصمته الخاصة في مسار المرحلة المقبلة، باعتباره رجل سياسة ربما له طموحه في الفترة المقبلة، خصوصا أن موقف النائب ميشال عون متماه مع موقف حزب الله».

في موازاة ذلك، لا يتوانى الجانب السوري منذ بدء الأزمة السورية عن محاولة زج لبنان بالأزمة الحاصلة بشكل أو بآخر. وبرز مؤخرا موقف لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، جاء على لسان ممثله في احتفال حزبي في صور خليل حمدان، الذي أكد أن «الدولة اللبنانية معنية بمنع البعض من جعل أراضيها قاعدة لاستهداف سوريا التي تواجه حربا عالمية تسخر فيها أموال وفضائيات وتحشد فيها الأسلحة بهدف ضرب دورها الإقليمي وجيشها وأرضها لإضعاف قوى الممانعة خدمة لاستقرار العدو الإسرائيلي».

وجاء موقف بري غداة إعلان وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن ضبط «السلطات اللبنانية أجهزة اتصال عالية التقنية في مطار بيروت كانت بحوزة ثلاثة أشخاص على متن طائرة مصرية، وذلك بعد أسبوع على ضبط طائرة قطرية تحمل معدات مشابهة إلى جانب معدات أخرى»، وفق «سانا»، كان مقررا أن تصل إلى دمشق من بيروت. وذكرت قناة «المنار» اللبنانية، الناطقة باسم حزب الله، أن «الأجهزة المتطورة التي ضبطت تشبه إلى حد كبير الأجهزة المتطورة التي تم ضبطها في مطار بيروت على متن طائرة قطرية خاصة قبل أسبوع وهي تتضمن 15 جهاز إرسال واستقبال عالي التقنية و15 عينا سحرية والملحقات الخاصة بها»، مبينة أن «الأجهزة المضبوطة يمكن وضعها على أسطح المنازل من أجل البث المباشر».