خلافات داخل التيار السلفي واتهامات لقياداته بتقديم «تنازلات سياسية» تمس «ثوابت العقيدة»

استقالات جماعية لشباب حزب «النور».. واتجاه لتأجيل أول انتخابات داخلية

عناصر من شرطة مكافحة الشغب المصرية امام القصر الرئاسي أثناء اجتماع الأخضر الابراهيمي والرئيس مرسي (رويترز)
TT

بعد أكثر من عام على دخولهم معترك الحياة السياسية والمنافسة في الانتخابات بمصر، بدأ عدد كبير من السلفيين يعلنون استنكارهم لمواقف قادتهم، ويرون أنهم يقدمون تنازلات، الواحد تلو الآخر، بشكل أصبح مخالفا لـ«ثوابت العقيدة»، مستنكرين تخليهم عن الدعوة أو إبداء آراءهم الفقهية بشكل واضح لصالح أمور انتخابية وسياسية تتعلق بارتباطهم بنظام الحكم.

وقال عدد من السلفيين إنهم انتخبوا الرئيس الإسلامي (الإخواني) محمد مرسي وحزب «النور» السلفي، من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، لكنهم خيبوا ظنهم حتى الآن ولا يجدون ذلك مطبقا. وشهد حزب «النور» انشقاقات داخلية كبيرة، بسبب مواقفه التي رأى البعض أنها «مهادنة للرئيس على حساب الالتزام بالشريعة»، وقدم عدد من شباب الحزب استقالاتهم، مما هدد بتأجيل أول انتخابات داخلية بالحزب. وبرز الحجم المؤثر للسلفيين في مصر بعد ثورة 25 يناير العام الماضي، خاصة بعدما حازوا الأغلبية الثانية خلف جماعة الإخوان المسلمين، في آخر انتخابات برلمانية، بنسبة تتجاوز ربع مقاعد مجلسي (الشعب والشورى)، كما كانوا إحدى الركائز الأساسية في فوز الرئيس محمد مرسي برئاسة الجمهورية، بعدما أعلنوا دعمه بقوة في انتخابات الإعادة.

وانتقد دعاة سلفيون وشباب قيام الرئيس محمد مرسي بلقاء فنانين وممثلين وتشجيعه لهم على استمرارهم في أداء مهامهم. ووصف الداعية وجدي غنيم، الفنانين بأنهم «فاسقون وفجار»، مشيرا في تسجيل فيديو له، إلى أنه «لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يجلس هذه الجلسة»، وتابع: «إذن، يحق لقوم لوط والحشاشين أن يطالبوا بأن يجلسوا مع الرئيس إذا كان يجلس مع جميع الطوائف». وقال غنيم مخاطبا الرئيس: «لم أخترك لأن تكون رئيسا للدولة المدنية كما قلت، بل لأنك رجل مسلم وملتح وحافظ للقرآن وشعارك (الإسلام هو الحل)، ومصر دولة إسلامية وليست مدنية»، موضحا أن «من التقاهم مرسي هم من صوتوا للآخر»، في إشارة إلى الفريق أحمد شفيق.

من جانبه، قال الداعية عبد الله بدر: «لم نبايع مرسي ليكون ناصرا للفن والإبداع، ولكن ناصرا لدين الحق وليقيم دين الله في الأرض». وتابع: «لو كان مرسي قد قرب الفنانين وأبعدنا فتلك مصيبة لأنهم أساءوا إليه ونحن من ناصرناه»، وطالب بدر، في حديث له على قناة «الحافظ» الفضائية الإسلامية، الرئيس بأن يكون له موقف واضح وصريح من الذين بايعوه.

وكان مرسي قد أعلن في لقائه الفنانين الخميس الماضي أن «حرية الإبداع والرأي مكفولة للجميع»، وأكد احترامه للفن والفنانين.

ويأتي هذا الموقف، بعدما أثار قرض طالبت به مصر صندوق النقد الدولي قيمته 4.8 مليون دولار، بفائدة 1.1 في المائة، جدلا بين السلفيين، حين أحل عدد من علماء السلف الفائدة واعتبروها «من الضرورات التي تبيح المحظورات»، وهو ما رفضه قطاع كبير من أنصارهم، واعتبروا أن تحليل (الربا) هو من قبيل «مهادنة الحاكم وتنازل عن ثوابت الشريعة».

وعلى الصفحة الرسمية لحزب «النور» السلفي على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، انتقد عدد كبير من الناشطين السلفيين حزبهم. وعلق الناشط السلفي يحيى الشربيني، قائلا: «أين دور حزب (النور) من قضية وقف ضباط عن العمل بسبب إصرارهم على إطلاق لحاهم؟ أين دفاعه عن شرع الله أم أن هذه كلمات فقط لا نسمعها منهم إلا أيام الانتخابات؟».

وعلق محمد رسيم في رسالة إلى قادة السلفيين، طالبا منهم الابتعاد عن السياسة. وقال ناشط آخر، هو شريف إبراهيم، تعليقا على لقاء الرئيس مرسي الفنانين: «لماذا لا يجتمع الرئيس مرسي مع الضباط الملتحين مثلما اجتمع مع العاهرات من أهل ما يقال عنه فن».

واستنكر سلفيون صمت الرئيس مرسي وكذلك حزب «النور» على الفيلم الهولندي المزمع عرضه والذي قالوا إنه من إنتاج مصريين مسيحيين في الخارج، يسيء إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). ونشر نشطاء رسالة قالوا فيها: «نطالب رئيس الجمهورية باستدعاء السفير الهولندي لدى مصر وتبليغه رسالة اعتراض من الشعب على هذه الأفعال المسيئة وإلغاء الجنسية عن أقباط المهجر المسؤولين عن إنتاج الفيلم المسيء إلى نبينا».

وردا على الانتقادات المتبادلة بين الإسلاميين، شدد الدكتور عبد الرحمن البر، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، ومفتي الجماعة، على أن «هناك فرقا بين أن يكون الإنسان لديه قدرة على التواصل والمرونة في اتخاذ المواقف، وتوصيل رسالة الحق والخير والوسطية، والتنازل عن ثوابت الشريعة، وهذا لم يحدث مطلقا».

وأضاف البر لـ«الشرق الأوسط»، أن من يقول: «إن الإسلاميين تنازلوا عن ثوابتهم بمجرد وصولهم إلى الحكم، فهذا كلام جانبه الصواب»، موضحا أن «رئيس الجمهورية رئيس لكل المصريين، وأن الحكمة تقتضي أن يلتقي كل الفئات حتى من كان منهم يمارس شيئا خطأ».

إلى ذلك، تصاعدت الانشقاقات داخل حزب «النور» السلفي، بعدما بدأ السبت الماضي فتح باب الترشح لانتخابات مكاتب المراكز والأقسام والدوائر بالحزب، التي كان مزمعا عقدها في 15 سبتمبر (أيلول) الحالي.

وقال الدكتور أحمد عبد الحميد، عضو اللجنة المركزية للانتخابات داخل حزب «النور»، إن هناك بعض الأعضاء بالحزب تقدموا باستقالاتهم اعتراضا على نتيجة الاختبارات المؤهلة لتولي المناصب الإدارية.

وقال يسري حماد، المتحدث باسم الحزب: «هناك اتجاه لتأجيل الانتخابات الداخلية لحين الفصل في الشكاوى المقدمة»، موضحا أن «البعض قد منع من دخول قاعات الاختبارات، وقد رفعت هذه الشكاوى جميعا لرئيس الحزب، وتمت مناقشتها في اجتماع الهيئة العليا منذ يومين، وهناك اتجاه للتحقيق مع المتسببين في هذه الشكاوى وتأجيل الانتخابات». وكان الدكتور عماد عبد الغفور، رئيس الحزب، قد وجه رسالة للمنشقين في خطاب مسجل بالفيديو، قائلا إنه يراقب ويطلع على ما يحدث في أمانات الحزب بالمحافظات وما بها من استقالات. وأضاف: «كلنا في سفينة واحدة، وانطلقنا بعمل ضخم لخدمة عقيدتنا ودولتنا، ولن نستغني عن جهد فرد واحد من أبناء الحزب»، مؤكدا أنهم في حوار دائم مع أبناء الحزب ليحصلوا على مكانتهم.