قلق إيراني من تميز الإناث في الجامعات

غموض يحيط بالجهة التي تقف وراء قرار تقليص أعدادهن

TT

أحاط الغموض بالجهة التي وقفت وراء قرار تقليص عدد الطالبات في الجامعات الإيرانية بسبب تميزهن، ولم يعرف بعد إن كانت الحكومة الإيرانية تقف وراء القرار أم أن وزارة العلوم أخذت الأمر على عاتقها بدفع من الحوزات الدينية صاحبة النفوذ داخل الجامعات. ويعتبر القرار، الذي أثار غضب الطالبات، أحدث حلقة في سلسلة التمييز ضد النساء عموما في الجمهورية الإسلامية.. فبعد حملات الصيف الشعواء التي تشنها شرطة الأخلاق لاستهداف النساء اللواتي يخففن من ملابسهن بسبب ارتفاع درجات الحرارة بحجة ارتداء «ملابس غير لائقة»، وقرار إلزام الموظفات بارتداء زي موحد «بما يتفق مع المعايير الدينية والثقافية الإيرانية»، واقتصار الألوان على الأزرق الغامق والرمادي الغامق، تفتق ذهن السلطات الإيرانية عن تقليص عدد الطالبات داخل الجامعات.

وتشكل الفتيات أكثر من 60 في المائة من مجموع الطلبة الجامعيين في إيران وهي نسبة تعد مرتفعة جدا في الدوائر المحافظة. وبدأت تقارير تتحدث هذا الصيف عن أن 75 تخصصا في 36 جامعة لم تعد متاحة أمام الطالبات، وتشمل المحاسبة والهندسة والعلوم.

ولم يتضح من الذي أصدر هذا القرار، وإن كان من المستبعد أن يكون مصدره الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي كان رفض العام الماضي فكرة تخصيص مقاعد للطلبة، وأخرى منفصلة للطالبات، بالجامعات. وكتب في حينها لوزير العلوم كمران دانيشجو أثناء هذه المناقشات: «لا بد من تجنب مثل هذا الإجراء السطحي غير العلمي بشتى الصور». كما أن القرار لم يصدر عن البرلمان، ودليل ذلك أن مجلس الشورى استدعى وكيلا لوزارة العلوم للمثول أمام لجنة التعليم به احتجاجا على الخطوة.

وحاولت الوزارة من جانبها أن تنأى بنفسها عن الجدل المثار في هذا الشأن، حيث قالت إن تناول الموضوع في وسائل الإعلام «لم يتحر الدقة».

لكن الوزارة عبرت عن وجهة نظرها بأن تقتصر بعض التخصصات على الرجال فقط، مثل الكليات العسكرية وبعض الكليات الفنية ومعاهد الدراسات الدينية. وأوضحت أن «المؤسسات التعليمية» هي التي اتخذت هذا القرار، وشدد الوزير دانيشجو على أن «أعدادا ضئيلة من الطالبات ستتضرر من القرار».

وتخضع الجامعات الإيرانية وقراراتها في الغالب لإرادة ونفوذ الحوزات الدينية وكذلك للحرس الثوري الإيراني الذي يجند طلابا في صفوفه للانضمام إلى «حركة التعبئة الشعبية» الباسيج. وكان مساعد منظمة شؤون الطلاب التابعة لوزارة العلوم الإيرانية في شؤون المنحة الدراسية، صرح في وقت سابق بأن «انتقال ثقافة الحوزات العلمية إلى الجامعات خطوة نحو أسلمة الجامعات»، معتبرا أن «للحوزات العلمية ثقافة مؤثرة لو نجحنا في نقلها إلى الجامعات لاتخذنا خطوات إيجابية نحو أسلمة هذه المراكز التعليمية». غير أن الطالبات في إيران لم يرحبن بالقرار الإيراني الجديد وعبرن عن اعتقادهن بأن الخطوة ربما ستتمدد إلى اختصاصات أخرى غير التي أعلن عنها.

وقالت الطالبة ترانيه (22 عاما) من طهران: «لدينا مقولة باللغة الفارسية مفادها أنه إذا لم يكن هناك مشكلة، ما تكلم أحد عنها». وأكدت أن بعض صديقاتها لم يتمكن من إجراء اختبارات القبول للالتحاق ببعض الأقسام، على عكس العام الماضي.

بينما تشككت الطالبة حامد (25 عاما) من جامعة بهشتي في أن إبعاد الفتيات سيكون مقصورا على الجامعات العسكرية والفنية والدينية، وأعربت عن اعتقادها بأن هناك «اعتبارات اجتماعية وسياسية» وراء القرار. وحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية، فإن وضع المرأة في المجتمع الإيراني تحسن في مجال التعليم والعمل بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة في المدن الكبرى. وفي بعض الأحيان، تعول المرأة أسرتها، في حين يعاني الرجل من البطالة. وعادة ما يقتصر الزوجان على طفلين فقط، غالبا لأسباب اقتصادية، رغم تشجيع السلطات على زيادة النسل.

وقال أستاذان جامعيان، رفضا ذكر اسميهما، إنهما يتفهمان غضب الطالبات من هذا الشكل الجديد من التمييز في الجامعات، وفي الوقت نفسه، أبديا تفهما للموقف الحكومي.

وقال أحدهما: «الفتيات أكثر اجتهادا ويحققن نتائج أفضل، ويكون أداؤهن أفضل في اختبارات القبول ومن ثم هن أحق بالالتحاق بالجامعات». ولكنه تساءل: «كيف سيكون الحال إذا ما تزوجن ولم يعدن على اتصال بمجالهن، وخاصة مجال التكنولوجيا؟».

أما الآخر فقد ربط بين هذه المسألة والمشكلات التي يعاني منها المجتمع الإيراني بصفة عامة. وقال الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع: «هناك أمور في دول العالم الثالث لا يمكن قياسها بنفس معايير دول العالم الأول».

وأوضح أن الشباب الذين لا يتمكنون من الدراسة بالجامعات، سيكون عليهم العمل كسائقي سيارات أجرة، في حين أن بعض المهندسات لن يفعلن شيئا بشهاداتهن العلمية.

وأضاف: «بعض أماكن العمل لا تستعين بالنساء، أو لا يرغب معظمهن في العمل بها، وفي هذه الحالة فإن إجراء إصلاح عملي على اختيار التخصصات لن يكون بالأمر الخاطئ».

ووفقا لسياسة القبول الجديدة، فإن الإناث سيجري استثناؤهن من دراسات الأدب الإنجليزي والترجمة الإنجليزية وإدارة الفنادق والآثار والعلوم النووية وعلوم الكومبيوتر والهندسة الكهربائية والهندسة الصناعية وإدارة الأعمال. كما أعلنت جامعات صناعات النفط أنها لن تقبل إناثا في كلياتها على الإطلاق، لأنه لا توجد وظائف للخريجات في هذه الصناعة. وقدمت جامعة أصفهان نفس الحجة في رفض قبول الطالبات، حيث إن 89 في المائة من الخريجات لا يجدن وظائف.

وكانت شيرين عبادي الناشطة الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل كتبت إلى بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة، ونافي بيلاي مفوضة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، تقول إن الهدف من هذا الإجراء هو خفض نسبة الإناث في الجامعات إلى أقل من 50 في المائة من نسبة نحو 65 في المائة حاليا بهدف إضعاف الحركة النسائية.

بدورها، دعت وزارة الخارجية الأميركية إلى حماية حقوق المرأة والتمسك بقوانين إيران والالتزامات الدولية التي تضمن عدم التمييز في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك الحصول على التعليم.

ووصفت الخارجية القرار الإيراني بأنه «يمثل تراجعا كبيرا للنساء في إيران، اللواتي تجاوز عددهن عدد الرجال في الجامعات على مدى أكثر من عقد من الزمن، كما أن القرار سوف يقيد من قدرة النساء الإيرانيات في العثور على عمل».