نتنياهو يصعد تهديداته بمهاجمة إيران بعد رفض واشنطن وضع «خط أحمر» لها

مقربون منه اتهموا هيلاري كلينتون بتشجيع طهران على صنع القنبلة النووية

TT

صعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، من تهديداته بمهاجمة إيران، قائلا إنه إذا رفضت القوى العالمية تحديد خط أحمر لبرنامج طهران النووي فلا يمكنها أن تطالب إسرائيل بعدم شن هجوم. وبادر مقربون من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى تصعيد جديد في الخلاف مع الإدارة الأميركية، وهذه المرة من خلال مهاجمة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لأنها أعلنت عن رفض واشنطن طلب إسرائيل تحديد خطوط حمراء أمام إيران. واتهموها بأنها تسهل على الإيرانيين التقدم في عملية صنع قنبلة نووية.

وأضاف هؤلاء، في تسريبات للصحافة الإسرائيلية، أن إيران لن توقف مشروعها النووي إلا إذا وضع العالم أمامها خطوطا حمراء واضحة تقول إنه في حال امتناعهم عن كذا في موعد محدد ما فسوف يدفعون ثمنا باهظا. وقد تكلم بالروح نفسها رئيس الوزراء نتنياهو نفسه، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في القدس الغربية، ظهر أمس، بالاشتراك مع رئيس الوزراء البلغاري، بويكو بوريسوف، فقال: «لحد الآن، نستطيع أن نقول بوضوح إن الدبلوماسية والعقوبات على إيران لم تكن فعالة. إنها أصابت الاقتصاد الإيراني، ولكنها لم توقف البرنامج النووي الإيراني. هذه حقيقة، وحقيقة أخرى هي أن كل يوم يمر تقترب إيران من القنبلة النووية. وإذا علمت إيران أنه لا يوجد خط أحمر أو موعد أخير (ديدلاين)، ماذا ستفعل؟ ما تعمل اليوم بالضبط - أنها تواصل العمل دون هوادة من أجل امتلاك القدرة على تصنيع أسلحة نووية ومن ثم امتلاك الأسلحة النووية. يقول العالم لإسرائيل إنه يجب عليها أن تنتظر لأنه يوجد وقت كاف، وأنا أتساءل: لم الانتظار؟! إلى متى؟! وليس لأولئك في المجتمع الدولي الذين يرفضون وضع خطوط حمراء أمام إيران الحق الأخلاقي بوضع ضوء أحمر أمام إسرائيل».

ووصفت مصادر سياسية إسرائيلية هذا التصعيد بالقول إن الطرفين قررا الانطلاق في تصعيد جديد صدامي. وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، إلى أن نتنياهو يشعر بأنه يضيع فرصة عندما يرضخ للموقف الأميركي عشية الانتخابات هناك. وقد كان أمر بتخفيض مستوى التوتر بين البلدين، على أمل أن يوافق الرئيس باراك أوباما على طلبه وضع خطوط حمراء أمام إيران، «خصوصا أن دبلوماسيين أوروبيين كشفوا في الأيام الأخيرة عن تقدم جديد في مشروع تطوير التسلح النووي الإيراني». فعندما أعلنت كلينتون «بصراحة وحزم أن بلادها لن تضع خطوطا حمراء، غضب نتنياهو وشعر بأن التصريح يمسه شخصيا. فقرر العودة إلى النضال العلني لإرغام أوباما على تشديد لهجته ضد إيران أو القبول الصامت للموقف الإسرائيلي الذي يحبذ التهديد العسكري».

وفي المقابل، عادت إلى الساحة الأصوات الإسرائيلية المعارضة للحرب، فقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، جابي أشكنازي، إن الموضوع الإيراني ليس ملحا بالطريقة التي تظهرها حكومة إسرائيل. وأضاف: «صحيح أن هناك خطرا إيرانيا وجوديا يحتاج إلى استعدادات إسرائيلية لكل طارئ، لكن مسألة العمل التطبيقي ما زالت تحتاج إلى المزيد من الجهود وتستحمل الانتظار حتى تتخذ الولايات المتحدة قرارا في الموضوع». واقترح على الحكومة أن تركز جهودها في إحداث تغيير في الموضوع الفلسطيني: «هنا، يجب التحرك السريع. وهنا، الخطر كبير جدا. فالتسوية على أساس دولتين للشعبين، التي تعتبر مثالية بنظر كل الخبراء في السياسة الاستراتيجية والعسكرية، بدأت تنسحب لصالح حلول تضر بإسرائيل».

كما دعا أشكنازي إلى انتظار التطورات في سوريا، حيث إن «نظام الأسد آيل للسقوط في كل لحظة، وأي نظام بديل عنه سيكون أفضل منه لأنه سيشكل ضربة للمحور الإيراني». وقال: «انظروا كسيف يستشرس الإيرانيون في حماية نظام الأسد. أنهار من الدم تجري في سوريا بسبب الدعم الإيراني للأسد. وهم يفعلون ذلك، ليس حبا في سوريا ولا حتى في الأسد، بل إنهم يعرفون أن سقوطه يشكل ضربة لخططهم الاستراتيجية في المنطقة. وانظروا حالة حزب الله، كيف سيبدو من دون سوريا».

وقال أشكنازي: «إن سقوط الأسد سيخلق أوضاعا استراتيجية جديدة في المنطقة، قد يكون بينها أن يفهم الإيرانيون حجمهم الطبيعي ويتراجعوا عن مخططهم النووي».

وكتب العالم الإسرائيلي عنار شليف في صحيفة «هآرتس» أن «حكومة نتنياهو كانت تخطط لحرب على إيران في أول سبتمبر (أيلول) الحالي - نفس الموعد الذي نشبت فيه الحرب العالمية الثانية. ولكن، من يتابع تصريحات نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك يحسب أن هناك عدوا آخر لإسرائيل، ليس إيران بل الرئيس أوباما وإدارته».

ويضيف شليف: «نجح ترياق تضليل لامع أنتجه مفكك الساعات باراك والساحر نتنياهو في الطمس تماما على هوية العدو الحقيقي. إن الثرثرة التي لا تنتهي عن إيران وجهت جميع الأنظار إلى الشرق، لكن سهام هجوم الخريف تحركت نحو الغرب خاصة. سُجل في يوم الأحد إصابة دقيقة لهدف نوعي هو رئيس أركان جيش العدو، الجنرال مارتن دامبسي، فقد وبخته عناصر سياسية رفيعة المستوى في القدس توبيخا شديدا. وتم تعريف تصريحه الذي قال فيه إنه لا يريد المشاركة الآن في هجوم إسرائيلي على إيران بأنه نشاط معاد ولم يتأخر مجيء الانتقام. لا شك في أن التوبيخ المقدسي أضر بفخامة شأن رئيس هيئة أركان جيش العدو وصلاحياته، وسيؤدي عمله منذ الآن في أحسن الحالات مثل بطة عرجاء. وفي حلبة صراع أخرى، واجه رئيس الوزراء نتنياهو سفير دولة العدو دان شبيرو متهما الرئيس أوباما بأنه بدل أن يضغط على إيران يضغط على إسرائيل. وكان رد السفير، بحسب تقارير إخبارية، شديدا وزاد التوتر بين الدولتين وبلغ إلى نقطة انفجار. وفي مقابل ذلك وفي عملية سرية، أُرسلت قوات صاعقة خاصة برئاسة شلدون أدلسون (رجل أعمال يهودي أميركي صديق لنتنياهو، يمول حملة لإسقاط أوباما ودعم المرشح الجمهوري ميت رومني) إلى ما وراء خطوط العدو لتمويل حلقات المعارضة وتثوير السكان المحليين على القيادة القائمة وتشجيع تغيير نظام الحكم في أسابيع معدودة».

ويتابع شليف سخريته من سياسة نتنياهو المعادية لأوباما: «يصعب أن نزعم أن إجماع الرأي على الخروج للحرب لم يكن موزونا. وقد أُعطي الرئيس أوباما والولايات المتحدة ما لا يحصى من الفرص ليعودا إلى الصراط المستقيم وليخضعا للإملاءات الإسرائيلية قبل أن يُهاجَما، ولم يستغلاها. بل إن رئيس الوزراء طار إلى الولايات المتحدة خصيصا في مايو (أيار) 2011 وحضر إلى البيت الأبيض ليعطي الرئيس أوباما درسا خاصا في الصهيونية، أصبح مسلسل تربية مذلا بحضرة صحافيين، لكن حتى هذه الخطوة من الإرادة الخيرة لم تؤد إلى النتائج المأمولة ولم يطع التلميذ العاصي أستاذه وتجرأ على ذِكر حدود 1967. وإن رفض هيلاري كلينتون أمس تحديد خطوط حمراء لإيران كما طلب نتنياهو نقض آخر للأوامر. وإلى ذلك، فإن الرسالة الإسرائيلية التي تقول إن السياسة المترددة نحو إيران ستضر بالأميركيين قبل الجميع - تؤكد قلق إسرائيل الصادق على مرعيتها المنكرة للجميل، وتؤكد إيثار قادتنا الذين يساعدون فقط الولايات المتحدة على إنقاذ نفسها. إن الحديث إذن عن حرب لا خيار فيها للولايات المتحدة. وإذا بقيت الإدارة الأميركية الحالية على حالها بعد الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن أوباما المتحرر من ضغوط الصوت اليهودي قد ينزع القفازين ويفرض علينا تسوية سلمية مع الفلسطينيين، والعياذ بالله. فهذه إذن حرب ردعية، هدفها منع كارثة أكبر كثيرا هي السلام».