باريس ليست متحمسة للمبادرة المصرية الرباعية.. وتؤكد مساعدتها عسكريين للانشقاق عن النظام السوري

وزير الدفاع الفرنسي يزور الأردن وبيروت

TT

سيكون الملف السوري وانعكاساته على دول الجوار وخصوصا على الأردن ولبنان على رأس لائحة المواضيع التي سيبحثها وزير الدفاع الفرنسي جان أيف لودريان في عمان وبيروت في زيارته الأولى إلى المنطقة.

وقالت مصادر وزارة الدفاع إن أهمية الزيارة تكمن في أن المنطقة «تجتاز ظروفا بالغة الصعوبة وتريد باريس أن تظهر تضامنها» مع البلدين المذكورين، اللذين «يتأثران بتطور الأوضاع في سوريا». وسبق لوزير الخارجية لوران فابيوس أن زار عمان وبيروت قبل أيام.

وتريد باريس، وفق مصادرها، إلى جانب بحث تطوير العلاقات الثنائية الدفاعية والعسكرية والسياسية، توفير أوجه الدعم والتعاون مع الأردن ولبنان سعيا لـ«تحاشي امتداد العدوى السورية» إليهما. وفي هذا السياق، شددت المصادر الفرنسية على أن «رسالتها» للجانب اللبناني هي دعوة المسؤولين اللبنانيين للعمل معا من أجل «تفادي استجلاب الأزمة السورية وتشعباتها ونتائجها إلى الأراضي اللبنانية»، بالنظر لهشاشة الوضع اللبناني.

وبحسب مسؤولين كبار في وزارة الدفاع، فإن المساعدة التي تقدمها فرنسا للجيش اللبناني تندرج في باب المساعي الفرنسية لدعم القوات الشرعية اللبنانية التي ترى فيها «ضمانة» لتحاشي تمدد الأزمة السورية عبر الحدود والمحافظة على استقرار وأمن واستقلال لبنان. وتريد باريس من الزيارة أن تكون «فرصة لتفحص الحاجات العسكرية اللبنانية من غير مواقف مسبقة»، بما في ذلك النظر إلى حاجات لبنان لتأهيل طوافاته من طراز غازيل فرنسية الصنع وتسليحها بصواريخ «هوت» جو - سطح. وسبق لهذه المسألة أن كانت موضع أخذ ورد بين بيروت وباريس. وسيتناول لودريان مع المسؤولين في بيروت خطة لبنان التي تبلغ قيمته 1.6 مليار دولار لتسليح وتأهيل الجيش اللبناني.

وتأتي زيارة الوزير الفرنسي على خلفية تكاثر المبادرات الدبلوماسية والسياسية «الجديدة» ومنها من جهة، المساعي المصرية لإطلاق مجموعة عمل إقليمية رباعية تضم إلى جانبها، السعودية وتركيا وإيران، ومن جهة أخرى المساعي الروسية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي «يكرس» ورقة جنيف للحل في سوريا، التي أسفر عنها اجتماع مجموعة العمل نهاية يونيو (حزيران) الماضي، التي شكلها الوسيط الدولي السابق كوفي أنان.

وبالنسبة للنقطة الأولى، سارعت باريس لإطلاق النار على المبادرة المصرية بسبب وجود إيران من بين أعضائها. ووضعت الخارجية أمس مجموعة شروط لمشاركة طهران. ووفق تعبير مصادر دبلوماسية فرنسية، فإن باريس «لا يمكن أن تقبل بأن تسعى طهران للحصول على عذرية جديدة بأبخس الأثمان». ومن الشروط الفرنسية الجديدة - القديمة أن تسوي إيران مسألة برنامجها النووي مع الوكالة الدولية للطاقة النووية ومجلس الأمن الدولي ومجموعة الست «الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا»، وأن «تضع حدا نهائيا لانتهاكات حقوق الإنسان على أراضيها»؛ عندها ستكون إيران «مرحبا بها من أجل توفير الاستقرار في المنطقة».

وترى باريس أن إيران «جزء من المشكلة (لأنها تقدم الدعم غير المحدود للنظام السوري)، وبالتالي لا يمكن أن تكون جزءا من الحل». وعارضت الدول الغربية انضمام إيران إلى مجموعة العمل التي عقدت اجتماعا يتيما في جنيف، بينما اعتبر أنان ثم المبعوث الدولي الحالي الأخضر الإبراهيمي أن مشاركة طهران في الحل ضرورية بسبب تأثيرها على النظام السوري. وقال الناطق باسم الخارجية فيليب لاليون إنه من المهم «تحاشي تضارب الأصوات والحرص على التنسيق بين كافة الجهود». ولكن يبدو واضحا أن باريس غير مقتنعة بالمبادرة المصرية.

وبالقدر عينه، فإن فرنسا «غير متحمسة» - وفق تعبير أحد مصادرها - لرغبة موسكو باستصدار قرار من مجلس الأمن نهاية الشهر الحالي يؤكد على ورقة جنيف. وكان نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف قد أجرى محادثات أول من أمس في باريس مع المدير السياسي للخارجية جاك أوديبير حول الأزمة السورية كما التقى عددا من المعارضين السوريين.

كما عبرت وزيرة الخارجية الأميركية قبل أيام عن تحفظات واشنطن إزاء المشروع الروسي، كذلك فإن باريس رفضت القبول به «بأي ثمن»، وهي تشترط للسير به «ألا يكون ضعيفا». ورغم أن الخارجية الفرنسية لم تفصل ما تعنيه، إلا أن مصادر فرنسية قالت إنها لا تريد نصا يوفر للنظام السوري مزيدا من الوقت للاستمرار في قمعه، كما أنها ترفض نصا «من غير أسنان» مما يعني الحاجة إلى أن ينص على عقوبات في حال لم يلتزم نظام الأسد بمضمونه.

وفي أي حال، يبدو المشروع الروسي صعب المنال لأن خلافا جوهريا اندلع بين موسكو وبين العواصم الغربية على تفسير النص، إذ يؤكد الغربيون أنه يعني تنحي الأسد بينما يرى الروس أنه لا يدعو لرحيل النظام السوري.

وفيما بدأت المساعدات الفرنسية بالتدفق على ما تسميه فرنسا «المناطق المحررة» الثلاث في شرق وشمال سوريا، بدأت تظهر بوادر تحول في الموقف الفرنسي لجهة المساهمة في تسليح الجيش السوري الحر. وحتى الآن، تقول المصادر الفرنسية إن باريس ملتزمة بالقرار الأوروبي بحجب الأسلحة عن سوريا نظاما ومعارضة. غير أن المصادر الفرنسية تقول إن باريس «تعمل جديا» على موضوع تسليح المعارضة وأن اتخاذ قررا بهذا الشأن «يحتاج لوقت».

وتجد باريس نفسها والعواصم الغربية معها «محشورة» من جهة بين سندان الحاجة لمساعدة المعارضة السورية المسلحة لأن من غير هذه المساعدة لن تتمكن من التخلص من نظام الأسد، وبين مطرقة الخوف من وقوع أسلحة متطورة بيد جهاديين سلفيين. ولذا، فإن التركيز ينصب اليوم على توحيد صفوف الجيش السوري الحر ليكون المحاور الرئيسي للغرب، وعلى الدفع باتجاه تشكيل حكومة انتقالية تضم غالبية الفرقاء، بحيث تحظى باعتراف دولي بشرعيتها. ولكن بانتظار تحقيق هذين الهدفين، تركز باريس على المساعدات الإنسانية بانتظار توافر الظروف للقيام بالمزيد لدعم المعارضة السورية التي تعاني بالدرجة الأولى من التشتيت. إلى ذلك، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمس، إن فرنسا ساعدت عددا من الشخصيات العسكرية السورية على الانشقاق عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وقال فابيوس في جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية، إن فرنسا «ساهمت في عدد من عمليات الانشقاق. إن أجهزتنا تعمل بنشاط».

وأكد أن الأجهزة الفرنسية ساعدت في خروج العميد المنشق مناف طلاس من سوريا في يوليو (تموز) الماضي، موضحا أن طلاس «أعرب عن الرغبة بالمغادرة إلى فرنسا وقد ساعدناه في ذلك»، لافتا إلى أنه التقى العميد المنشق. وأضاف «حين يرغب أناس يريدون النضال ضد بشار الأسد في مغادرة سوريا، فإننا نسعى إلى مساعدتهم».