باريس استشعرت مخاطر استقواء التيار السلفي الجهادي وحذرت من تناميه قبل حادثتي القاهرة وبنغازي

اعتبرت أن المطلوب في سوريا ليس إحلال نظام أصولي بدل آخر ديكتاتوري

TT

لم تنتظر باريس مقتل السفير والدبلوماسيين الأميركيين في بنغازي والمظاهرات المعادية للولايات المتحدة في القاهرة ردا على فيلم «براءة المسلمين» حتى تستشعر المخاطر المترتبة على استقواء التيار السلفي الجهادي وتحذر من تناميه. وفي الأساس، وضعت فرنسا قاعدة عامة للتعامل مع الإسلاميين في بلدان الربيع العربي، ولاستعدادها للحوار معهم، بحيث جاءت بمثابة «خط أحمر» قوامه احترام القواعد الديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة عبر الانتخابات واحترام الأقليات وحقوق المرأة وحقوق الإنسان بشكل عام.

وفي الحالة السورية، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أكثر من مرة أن المطلوب «ليس إسقاط نظام ديكتاتوري ليقوم مكانه نظام أصولي متطرف». وبحسب المصادر الفرنسية ذات الصلة الوثيقة بالملف السوري، فإن باريس التي تسعى بكل الوسائل لمساعدة المعارضة السورية بما فيها المعارضة المسلحة «تتخوف» مما يتخوف منه الغربيون والأميركيون على وجه الخصوص من وصول الأسلحة المتطورة إلى المجموعات السلفية بحيث تستخدم لاحقا ضد المصالح الأميركية والغربية (والإسرائيلية) بعد سقوط نظام الرئيس الأسد.

وتنعكس هذه المخاوف على طريقة التعاطي الفرنسي مع المعارضة السورية، كما تنعكس على بعض المواقف الرسمية الصادرة عن المسؤولين في باريس. وتتمثل إحدى أبرز النقاط في التحذير الفرنسي من أنه يتعين «تحاشي انهيار الدولة السورية ومؤسساتها» مع انهيار النظام الذي تسعى إلى سقوطه. ووفق الدوائر الفرنسية المتابعة لتطورات الوضع السوري، فإن انهيار بنى الدولة سيفضي إلى الفوضى العامة بحيث «تفلت الأمور» ويفتح الباب أمام كل أنواع المآسي التي قد تصل إلى التطهير العرقي والحرب الأهلية الشاملة. ولذا، يعتبر الخبراء الفرنسيون أنه «كلما اقتربت لحظة رحيل نظام الأسد، تحاشى السوريون أن تسوء الأمور أكثر مما هي سيئة».

وتعمل باريس على صعيد المعارضة السورية المدنية والمسلحة، فتدعو الأولى إلى تشكيل حكومة موسعة تحظى بتمثيل كاف وبشرعية تؤهلها لتكون الناطق باسم الشعب السوري. ووعدت فرنسا على لسان رئيس جمهوريتها بأن تكون أول من يعترف رسميا بحكومة كهذه. وبالتوازي مع «القيمة المضافة» التي يوفرها الاعتراف بحكومة سورية انتقالية تشكلها المعارضة، فإنه كذلك يمنحها «الثقل» المطلوب ويجعل منها الوجه المعروف للثورة السورية، مما يعني تهميش الفئات الأخرى وبينها التيارات السلفية.

وفي السياق عينه، تدعو باريس المعارضة المسلحة وعلى رأسها الجيش السوري الحر والفصائل المسلحة المنشقة الأخرى إلى الانضواء تحت راية مجلس عسكري موحد يكون هو المحاور مع الخارج والجهة التي تتولى تلقي المساعدات العسكرية وتوزعها خصوصا ما تعلق منها بالأسلحة الحساسة مثل الأنظمة الصاروخية المضادة للطائرات أو تلك المضادة للدروع وما شابه. ولم يعد سرا أن أجهزة المخابرات الفرنسية الخارجية تلعب دورا خفيا وفاعلا في الموضوع السوري، برز جانب منه في عملية إخراج العميد المنشق مناف طلاس من الأراضي السورية عبر لبنان، وهو ما أعلنه طلاس نفسه وأكده وزير الخارجية، بل أيضا في الجهود المبذولة للتوفيق بين الفصائل المقاتلة ودفعها للتعاون في ما بينها. والهدف الأول الذي تسعى إليه هو أن تشكل حاجزا يحول دون هيمنة التيارات الأصولية على الثورة السورية، الأمر الذي يخدم دعاية النظام في الداخل ويقوي الموقف الروسي - الصيني المعارض في المحافل الدولية. وتعتبر باريس أن النجاح في هذه المهمة أمر أساسي «لأنه يعني طمأنة الداخل السوري وأيضا الأطراف الخارجية المتحفظة».