أوباما يدين الحادث ويعد بتقديم المسؤولين عنه للعدالة واستمرار مساندة ليبيا

موجة غضب في الولايات المتحدة بعد مقتل السفير الأميركي في بنغازي.. ورومني يتمنى أن لا يتحول الربيع العربي إلى شتاء

TT

فجرت أحداث مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز (52 عاما) وثلاثة دبلوماسيين أميركيين في هجوم بقذيفة صاروخية على القنصلية الأميركية ببنغازي موجة من الغضب والقلق داخل الولايات المتحدة. وأشارت مصادر داخل وزارة الدفاع الأميركية إلى تحركات لقوات البحرية الأميركية (المارينز) إلى بنغازي لتأمين الأميركيين ضد أي هجمات أخرى. فيما أشار دبلوماسيون إلى أنه من المرجح أن تدفع هذه الأحداث إلى إعادة التفكير في سياسات الولايات المتحدة تجاه كل من مصر وليبيا، حيث تقوم الولايات المتحدة بدور أساسي في توفير المساعدات لمصر، وتحفيز رجال الأعمال الأميركيين على الاستثمار في مشروعات بها، إضافة إلى تقديم الدعم الدبلوماسي للحكومات الجديدة في مصر وليبيا. وانتقد الدبلوماسيون بطء حكومتي ليبيا ومصر في توفير الحماية للمنشآت الدبلوماسية الأميركية وعدم صدور أي تصريحات قوية تدين الحادث من الحكومة المصرية.

وأدان الرئيس الأميركي باراك أوباما مقتل أربعة دبلوماسيين بينهم السفير ستيفنز في الهجوم في بنغازي. وقال أوباما، في مؤتمر صحافي تم الترتيب له سريعا صباح أمس بحديقة البيت الأبيض، وحضرته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون: «إن الولايات المتحدة تدين بأشد العبارات هذا الهجوم، وتعمل مع حكومة ليبيا على تأمين السفارات وتقديم المسؤولين إلى العدالة». وأثنى أوباما على جهود السفير ستيفنز وزملائه في خدمة بلادهم ومساعدة ليبيا.

ويعد السفير الأميركي ستيفنز أول سفير أميركي يتعرض للقتل أثناء أدائه لخدمته، بعد مقتل السفير الأميركي أدولف دوبز، الذي قتل في أفغانستان عام 1979.

وأضاف: «الولايات المتحدة تحترم كل الأديان، وتدين الإساءة للآخرين، لكن ذلك ليس مبررا لما حدث، والعالم كله يجب أن يقف متحدا في إدانة ما حدث. وقد كان الأمس يوما حزينا في ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وباعتبارنا أميركيين لن ننسى أن حريتنا ستستمر لأننا مستعدون للقتال من أجلها، وأن الولايات المتحدة ستستمر قوية بفضل أبنائها ودفاعهم عن الكرامة الإنسانية والحرية، ولن نهدأ إلى أن نرى العدالة تتحقق».

ودون إشارة إلى الهجوم على السفارة الأميركية في القاهرة، وتمزيق العلم الأميركي، ورفع أعلام تنظيم القاعدة، ركز الرئيس أوباما على ليبيا، مؤكدا أنه رغم الهجوم فإن ذلك لن يفصم أواصر العلاقة مع ليبيا، وأن السفير ستيفنز شارك مع الثوار الليبيين في بناء ليبيا جديدة.

ورغم البيان الصحافي الذي أصدرته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مساء أول من أمس في أعقاب الهجوم على القنصلية ومقتل السفير الأميركي، وأدانت فيه بأشد العبارات الهجوم، إلا أن موجة الغضب والاستياء من مقتل الدبلوماسي الأميركي، دفعتها لإلقاء كلمة في مقر الخارجية الأميركية قالت فيها: «هذا الهجوم، ومقتل السفير الأميركي، وشون سميت مسؤول معلومات الخدمة الخارجية واثنين آخرين، يجب أن يزعج ضمائر كل الناس، وندين الهجوم بكل العبارات. ونرسل صلواتنا لأسر وزملاء الذين فقدوا حياتهم في الهجوم».

وأضافت كلينتون: «في كل العالم يخاطر أعضاء البعثات الدبلوماسية بحياتهم لخدمة المبادئ، ونؤمن أن الولايات المتحدة هي بلد السلام والرخاء». وتطرقت كلينتون بشكل شخصي إلى حياة السفير الأميركي ستيفنز وعائلته وزوجته هاثرد وأبنائه سامنتا وناثان، وعمله بالخارجية وتحمسه للعمل في بناء ليبيا جديدة. وقالت: «الأميركيون يسألون وأنا أسأل نفسي كيف يحدث هذا في دولة ساعدناها وأنقذناها من الدمار، وهذا السؤال يعكس التعقيدات الموجودة في العالم ولا بد أن نكون واضحين حتى أثناء حزننا فهذا الهجوم تم من قبل قلة صغيرة وحشية، فيما كان السفير ستيفنز وفريقه يعاملون في ليبيا كأصدقاء وشركاء، والليبيون هم الذين حملوا ستيفنز إلى المستشفى».

وأشارت كلينتون إلى محادثاتها مع رئيس البرلمان الليبي، محمد يوسف المقريف، وإدانته للهجوم وتعهده بتقديم المسؤولين عنه للعدالة. وتعهدت كلينتون بوقوف الولايات المتحدة مع ليبيا حرة باعتبارها من مصلحة وأمن الولايات المتحدة. وقالت: «لن ندير ظهورنا لليبيا ولن نهدأ حتى يتم تقديم المسؤولين عن الهجوم إلى العدالة، ونعمل مع المسؤولين حول العالم لحماية السفارات».

وأضافت وزيرة الخارجية الأميركية: «البعض حاول تبرير هذا السلوك الوحشي الآثم بأنه رد فعل على مواد مؤججة للمشاعر نشرت على الإنترنت، إن الولايات المتحدة تستنكر أي محاولة متعمدة للإساءة إلى المعتقدات الدينية للآخرين، واسمحوا لي أن أكون في غاية الوضوح. لا يوجد على الإطلاق أي مبرر للأفعال العنيفة من هذا النوع، وهذا العنف لا يكرم الأديان».

وكان الرئيس الأميركي قد أصدر بيانا صحافيا صباح أمس أدان فيه الهجوم الوحشي على المنشآت الدبلوماسية في بنغازي ومقتل أربعة دبلوماسيين بينهم السفير ستيفنز. وقال البيان: «إن الشعب الأميركي يشاطر عائلات من فقدناهم في الصلاة من أجلهم وقد كانوا نموذجا وتجسيدا لالتزام أميركا بالحرية والعدالة، ووقفوا في تناقض صارخ مع أولئك الذين قتلوهم بقسوة». وأضاف البيان: «في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة محاولات الإساءة إلى المعتقدات الدينية للآخرين، علينا جميعا أن نعارض بشكل قاطع هذا العنف الذي يفتقد لأي معنى والذي أودى بحياة هؤلاء الموظفين».

على صعيد ذي صلة، استغل المرشح الجمهوري ميت رومني الحادث، موجها انتقاداته لإدارة الرئيس أوباما واعتذارها عن المبادئ الأساسية للولايات المتحدة، وهي حرية الرأي والتعبير. وقال رومني، في مؤتمر صحافي في جاكسنفيل بولاية فلوريدا: «هذا الهجوم على الأميركيين وحشي ومقزز ويحطم القلوب، والولايات المتحدة لن تتسامح مع الهجوم ضد السفارات والبعثات الدبلوماسية، ونحترم حرية الرأي والتعبير، ونحترم الدستور ومبادءه، لأننا ندرك أن هذه المبادئ هي مصدر الحريات».

وانتقد رومني بيانات السفارة الأميركية بالقاهرة التي عبرت عن الاعتذار عن الإساءة الدينية. وقال: «السفارة الأميركية خرجت ببيان تعتذر فيه عن الإساءة بدلا من إدانة تصرفاتهم، والوقت ليس متأخرا على السفارة لتوجيه هذه الإدانة، والبيت الأبيض أبعد نفسه عن الإدانة». وأضاف رومني: «الهجوم على السفارات في كل من مصر وليبيا يشير إلى أن العالم ما زال خطيرا وأن الولايات المتحدة لا يجب أن تتأخر عن تولي القيادة، ولا يمكن أن نتردد في مساندة من يشاركنا المبادئ، ولا بد من التأكد من أن لا يتحول الربيع العربي إلى شتاء عربي».

وقالت مصادر بالخارجية الأميركية إن محاولة اختراق السفارة الأميركية في القاهرة يأتي في وقت غير مناسب على الإطلاق حيث تسعى الحكومة المصرية الجديدة لإقناع العالم بأنها دولة مستقرة وتريد جذب الاستثمارات، وفي وقت يزور فيه وفد أميركي يضم 100 رجل أعمال مصر لبحث الفرص الاستثمارية، كما تسعى الحكومة المصرية إلى إسقاط مبلغ مليار دولار من الديون المصرية للولايات المتحدة.

إلى ذلك، أعلن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أمس أن واشنطن سترسل فريقا لمكافحة الإرهاب من قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) إلى ليبيا لتعزيز الحماية بعد الهجوم الدموي على القنصلية الأميركية في بنغازي. وصرح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن «قوات المارينز سترسل فريقا لمكافحة الإرهاب إلى ليبيا»، ويتكون الفريق من نحو 50 عنصرا.