اتفاق باريس الاقتصادي: كارثة في التنفيذ ومشكلة في التعديل

يكبل سوق الضفة الغربية ويضاعف التكلفة الجمركية .. الفلسطينيون يسعون لتعديله وإسرائيل ترفض

سلام فياض («الشرق الأوسط»)
TT

عندما خرج المتظاهرون الغاضبون من الغلاء وارتفاع الأسعار إلى شوارع الضفة الغربية، هتفوا بإسقاط اتفاقية باريس الاقتصادية التي تحدد العلاقة الاقتصادية والجمركية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأحرقوا نسخا منها، وانضم إلى هؤلاء مفكرون وسياسيون وناشطون ورجال اقتصاد، دعوا إلى إلغاء أو تعديل الاتفاقية التي يرون أنها حولت الاقتصاد الفلسطيني إلى تابع للإسرائيلي وسببت كل الأزمات المالية والاقتصادية للفلسطينيين، لكن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وهو الاقتصادي الخبير، وصف ذلك بالخطاب غير المفيد قائلا إن المشكلة في الاحتلال وليس في الاتفاق الذي لم يوقعه ولا يعتقد أن بالإمكان إلغاءه.

وربما انطلق فياض من واقع يعيشه شخصيا، فالرجل يحاول منذ عامين إدخال تعديلات على الاتفاق سيئ الصيت كما يسميه الفلسطينيون، ولكن من دون أي تجاوب إسرائيلي.

والسؤال المطروح هو: ما الذي يريد الفلسطينيون تعديله، وهل هذا ممكن؟

الرد الإسرائيلي جاء سلبيا من قبل وزارة الخارجية، بعد طلب رسمي تقدمت به السلطة يوم الأحد الماضي، وربط الإسرائيليون أي نقاش حول هذه القضية، بالعودة إلى المفاوضات أولا، بل لخص رئيس الحكومة الإسرائيلية الموقف قائلا إن سبب أزمات الفلسطينيين هو عدم جلوسهم إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، قررت السلطة حشد ضغط دولي كبير لإدخال تعديلات «محقة» على الاتفاق. وقال الخبير الاقتصادي سمير عبد الله، مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية (ماس)، إن «اتفاق باريس يتضمن بنودا متفقا على تعديلها وتغييرها وتطويرها، لكن إسرائيل تعطل ذلك». وأكد وزير التخطيط السابق الحاجة إلى تعديل الاتفاق، وبحسبه، فإن ثمة نقاشا مفتوحا مع إسرائيل منذ سنوات يتركز حول 3 بنود في الاتفاق لم تستجب إسرائيل فيها لطلبات الفلسطينيين. «البند الأول: متعلق بتحديد كوتة للسلع المسموح باستيرادها من الخارج، وهي كوتة محددة بشكل جزافي، ولا تعكس واقع السوق في فلسطين. والثاني: إنشاء منطقة جمارك فلسطينية حرة، أي منطقة تخليص جمركي تقام في الضفة الغربية لتوفير مزيد من الجهد والوقت والتكلفة والغرامات في الميناء الإسرائيلي، والثالث: نقل البترول عبر خطوط مباشرة وليس عبر السيارات، وهو ما يجنبنا السرقات والتهريب ويقلل التكلفة».

ويحدد الاتفاق كوتة لكل منتج يستورده الفلسطينيون، وهي كوتة ممنوع تجاوزها، ويضطر الفلسطينيين إلى الاستيراد من إسرائيل نفسها لتغطية احتياجات السوق، وهذا يجعل التكلفة أكبر وقريبة للسوق الإسرائيلية. وحتى البضائع التي يستوردها الفلسطينيون من الخارج، فهي محددة ببلدان تقيم معها إسرائيل علاقات تجارية. وفوق ذلك، لا تطبق إسرائيل قانون المعاملة بالمثل، فيحصل المخلصون الإسرائيليون على معاملة تفضيلية، ويضطر الفلسطينيون إلى الانتظار أكثر ودفع مبالغ أكبر، وتتعرض البضائع لتفتيش دقيق وتضطر إلى الانتظار طويلا في الميناء. أما في ما يخص الوقود، فينص الاتفاق على أن يحدد سعره بما لا يقل عن 15 في المائة من سعره في إسرائيل.

وأوضح عبد الله: «نحن بحاجة للاستيراد من دول لا تقيم معها إسرائيل علاقات، وبحاجة إلى شراء الوقود من الخارج، لكن الغلاف الجمركي يمنعنا من عمل اتفاقات تجارة حرة مع أي دولة، يجب أن تكون هذه الدولة على علاقات مع إسرائيل». وليس هذا كل شيء، بل يريد الفلسطينيون تعديل بنود أخرى. وحسب عبد الله، فإن «إسرائيل تعطل العمل في مواد كثيرة، من الاتفاق، منها السماح بتصدير بضائع فلسطينية إلى السوق الإسرائيلية.. ويعطلون اتفاقا لتصدير بضائع زراعية، ويمنعون منتجاتنا من دخول حتى القدس». وتابع القول: «نريد تسهيل التجارة عبر المعابر وتبسيط المعاملات». وأضاف: «والأهم لا نريد غلافا جمركيا موحدا».

وتتذرع إسرائيل، كما يبدو، بالخوف من إدخال وتهريب بضائع إلى إسرائيل لا تستوفي الشروط. ورد عبد الله: «إسرائيل لا تستطيع الادعاء بأننا في سوق واحدة، إسرائيل تراقب كل الحدود وعندها سيطرة على الحدود وحتى المخازن في رام الله. نحن نقول، الاقتصاد مفصول، ويوجد حدود ويراقبها الإسرائيليون، ولذلك نريد أيضا سياسة تجارية مستقلة».

وكما يبدو، ترفض إسرائيل منح الفلسطينيين هذه السياسية الحرة، وتجاوبت فقط في قضايا أكثر بساطة.

وقبل أكثر من شهر، وقع فياض مع وزير المالية الإسرائيلي يوفال شطاينتس، اتفاقا يقضي بتبادل المعلومات حول البضائع المستوردة من إسرائيل، بما يساعد السلطة على الحد من الانسياب الضريبي. وتقول إسرائيل إنها تبذل جهدا لمساعدة السلطة على تجاوز الأزمة الحالية. وزعم نتيناهو، أول من أمس، القول: «نحن نعمل على عدة أصعدة لمساعدة السلطة الفلسطينية في التعامل مع مشاكلها الاقتصادية. قد قمنا بعدة تغييرات في اتفاقيات الضرائب ونعمل على نقل مبالغ معينة للسلطة، وساعدنا أيضا بما يتعلق بالعمال الفلسطينيين»، مضيفا، «يوجد في طبيعة الأمر واقع اقتصادي عالمي معين يرتبط أيضا بطريقة الإدارة الداخلية لكل اقتصاد بحد ذاته، ولكن من طرفنا نبذل قصارى الجهود لنساعد السلطة الفلسطينية على تجاوز هذه الأزمة. آمل أن ينجحوا في تجاوزها، وهذه مصلحة مشتركة لكلا الطرفين».

لكن إسرائيل ضد فتح اتفاقية باريس. وهذا لا يغضب رئيس الوزراء الفلسطيني لأنه وإن أقر بمشكلات الاتفاق، لا يرى فيه السبب الرئيس لأزمة الاقتصاد الفلسطيني، فهو يرى المشكلة، كما قال في لقاء مع صحافيين في مكتبه برام الله، في الاحتلال نفسه. وقال: «المشكلة ليست في الاتفاق، وأنا لن أحمل المسؤولية للذين وقعوه، وإنما المشكلة في تطبيقه في إطار تحكمي وتعسفي من قبل الاحتلال وهو جزء من اتفاق سياسي، وإن الخطابات النارية المطالبة بإلغائه لن تحل المشكلة». وأضاف: «بقي الاتفاق أم تم تعديله، أنا ليست لدي دولة، إسرائيل على كل المعابر وتتحكم في كل مناحي الحياة، ماذا يدخل وماذا يخرج».