هادي يشدد قبضته ويطيح بكبار معاوني صالح

مستشار باسندوة لـ «الشرق الأوسط»: القرارات تصب في اتجاه نقل السلطة وتمهد للحوار

TT

أجرى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تغييرات جوهرية في بنية المؤسسة الرئاسية والأمنية والعسكرية، إضافة إلى تعديل وزاري جزئي، فيما يشير إلى سعي هادي لممارسة مهامه الدستورية باعتباره رئيسا منتخبا، بحسب المبادرة الخليجية.

فبعد ساعات من محاولة اغتيال وزير الدفاع اليمني، التي راح ضحيتها أكثر من 20 شخصا، بين قتيل وجريح، عزل الرئيس هادي رئيس جهاز الأمن القومي علي الأنسي، الذي كان يشغل أيضا مدير مكتب رئاسة الجمهورية، ليعينه مع الدكتور عبد الهادي واللواء علي صالح الأحمر سفراء في وزارة الخارجية. وعين الدكتور علي الأحمدي رئيسا لجهاز الأمن القومي، فيما عين الكاتب الصحافي نصر طه مصطفى، الرئيس السابق لوكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، مديرا لمكتب رئاسة الجمهورية، والدكتور علي بن سفاع أمينا عاما للرئاسة.

كما أجرى هادي أول تعديل وزاري في حكومة الوفاق، حيث تم تعيين المهندس هشام شرف وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، وتعيين أحمد عبد الله دارس وزيرا للنفط والمعادن، كما أصدر قرارات بتعيين محافظين لأربع محافظات، حيث خلف محمد حسن دماج كهلان مجاهد أبو شوارب الذي تم تعينه عضوا بمجلس الشورى، وأحمد علي سالم باحاج محافظا لشبوة، والظاهري أحمد الشدادي قائد المنطقة العسكرية الوسطى سابقا محافظا للبيضاء خلفا للعميد محمد ناصر العامري، ومحمد سالم بن عبود محافظا للجوف خلفا ليحيي غوبر، وعين عبد الغني علي جميل محافظا لصنعاء خلفا لنعمان دويد. كما أقال هادي الأخ غير الشقيق للرئيس السابق علي عبد الله صالح، اللواء علي صالح الأحمر الذي كان يشغل مدير مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس العمليات الحربية في قوات الحرس الجمهوري.

وفي تعليق على القرارات الجديدة للرئيس اليمني قال راجح بادي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء اليمني إن هذه التعيينات تأتي في إطار استكمال نقل السلطة في اليمن حسب مقررات المبادرة الخليجية، وذكر بادي في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن أن «قرارات الرئيس هادي الأخيرة تأتي في إطار استكمال نقل السلطة في البلاد حسب ما جاء في المبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية»، وذكر بادي أن القرارات «هدأت من غضبة الشارع اليمني تجاه حادث استهداف وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، كما أن القرارات تمهد للحوار الوطني»، وأشار بادي إلى أن القرارات المتخذة «خطوة في اتجاه إبعاد الأجهزة الأمنية عن اللعبة السياسية وتحويلها إلى أجهزة ذات طابع مهني» وبحسب مراقبين فإن هذه القرارات تعتبر الأبرز والأقوى منذ تولي هادي كرسي الرئاسة في فبراير (شباط) الماضي، وقال رئيس المركز اليمني لقياس الرأي العام، حافظ البكاري: «إن قرارات هادي تصب في اتجاه ممارسته لصلاحياته الدستورية باعتباره رئيسا منتخبا، وهي قرارات تتعلق برغبة هادي في تهيئة المؤسسة الرئاسية والأمنية لمتطلبات إدارة المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد». وأضاف البكاري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «أن البلاد تحتاج إلى قرار سياسي واحد، وإدارة واحدة للبلد، ومن يطالب هادي بالتوافق قبل إصدار أي قرار رئاسي، عليه أن يعلم أن هادي أصبح رئيسا منتخبا من قبل شعبه، ويحظى بدعم إقليمي ودولي، ومهامه الدستورية لا تقتضي تحويله إلى مؤسسة توافقية، فهو مسؤول أمام شعبه عن ممارسة صلاحياته، لإخراج البلاد من الأزمات التي يعيشها منذ عام ونصف». وأزاحت القرارات الجديدة شخصيات كانت ضمن الدائرة الضيقة للرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي أطاحت به ثورة شعبية عام 2011، وهو ما أثار غضب بعض مؤيدي صالح وحزبه، الذين دعوا إلى التجمع في ميدان السبعين، بعد ساعات من صدور القرارات، ليعلن حزب المؤتمر فيما بعد إلغاء الفعاليات التي قال إنها كانت تهدف للتعبير عن إدانة محاولة اغتيال وزير الدفاع. في سياق آخر قال مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، جمال بن عمر، إن الحصانة التي منحها البرلمان اليمني للرئيس السابق علي عبد الله صالح، نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، «تتعارض مع قراري مجلس الأمن الدولي» رقم 2014 ورقم 2051 بشأن الأزمة المتفاقمة في هذا البلد منذ مطلع 2011. وقال بن عمر، في حديث تلفزيوني لقناة «سكاي نيوز عربية»، أول من أمس الثلاثاء: «الحصانة تتعارض مع قراري مجلس الأمن الدولي اللذين يدعوان إلى محاسبة منتهكي حقوق الإنسان».

وانتقد حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف، تصريحات المبعوث الأممي الأخيرة، وقال الناطق الرسمي باسمهم عبده الجندي: «نطلب من المبعوث الأممي جمال بن عمر أن تكون تصريحاته حصيفة ودقيقة ولا يكون صنارة صيد سياسي في المياه العكرة»، موضحا أن «مجلس الأمن عندما وافق على المبادرة الخليجية وافق عليها بكل بنودها كمنظومة متكاملة وليس كصيغة يفسرها كل طرف حسبما يريد». وأعلن الجندي: «تحفظ حزب المؤتمر على توقيت إعلان قرارات الرئيس هادي، لكنه أكد تأييده لها»، موضحا: «لا اعتراض على قرارات الرئيس، على الرغم من تحفظ المؤتمر على التوقيت الذي صدرت فيه تلك القرارات».

وفي سياق متصل تظاهر عشرات الآلاف في صنعاء أمس ضد «الإرهاب» وللمطالبة برفع الحصانة عن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي يتهمونه بدعم تنظيم القاعدة. وتأتي هذه المظاهرة غداة مظاهرة مماثلة شهدتها صنعاء، وغداة محاولة فاشلة لاغتيال وزير الدفاع، مما أسفر عن مقتل 12 شخصا. وسار عشرات الآلاف من المحتجين في وسط صنعاء، إذ انطلقوا من شارع الستين ومروا أمام منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي وأنهوا مسيرتهم في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء، وهي الساحة التي شهدت الاحتجاجات المناهضة لصالح في 2011. وفرض الجيش إجراءات مشددة أمام منزل الرئيس الذي تحميه قوات الفرقة أولى مدرع بقيادة اللواء علي محسن الأحمر. وطالب المتظاهرون بسرعة القبض على الجناة الذين حاولوا اغتيال وزير الدفاع محمد ناصر أحمد. وردد المتظاهرون شعارات مثل «لن نرتاح حتى يعدم السفاح» و«من صنعاء خبر عاجل.. لا حصانة للقاتل»، في إشارة إلى الحصانة التي يتمتع بها صالح بموجب اتفاق انتقال السلطة في اليمن. واتهمت الشعارات الرئيس السابق الذي ما زال مقربون منه يشغلون مناصب عسكرية وأمنية حساسة، بالضلوع في محاولة اغتيال وزير الدفاع وبدعم «القاعدة»، وهي تهم ما انفك معارضو صالح يرددونها في السابق. وهتف المتظاهرون: «لا أسرية لا ملكية.. يا هادي قيل البقية»، في إشارة إلى مطالب إقالة المسؤولين العسكريين المقربين من صالح، لا سيما أقرباؤه ونجله الذي يقود الحرس الجمهوري. وقال مسؤول اللجنة الإعلامية للمحتجين محمود الشراعي لوكالة الصحافة الفرنسية: «إذا كان هناك (قاعدة)، فلماذا لا يتم استهداف أحمد علي عبد الله صالح (قائد الحرس الجمهوري) أو الرئيس المخلوع، بل يتم استهداف الشرفاء. هذه قاعدة علي صالح لأنها تريد النيل من كل الشرفاء والوطنيين».